سلسلة: فيروس كورونا المستجد سيغير وجه العالم كليّا - الخدمات الحكومية (4|7)
قد يمكن لأزمة كبيرة بهذا الحجم أن تعيد ترتيب المجتمعات وتغير شكلها دراماتيكياً، قد يكون هذا التغيير للأفضل أو حتى للأسوأ.
التغيير في مجال الخدمات الحكومية
١. سيصبح الكونغرس في نهاية الأمر، منصةً افتراضية!
إيثان زوكرمان، البروفيسور المساعد في قسم العلوم والوسائل الإعلامية في معهد ماساتشوستس التقني ومدير مركز الإعلام المدني ومؤلف كتاب "التقنية العالمية: لماذا نعتقد أن الإنترنت يربطنا ببعضنا؟ ولماذا في الواقع لا يؤدي هذه المهمة؟ وكيف يمكننا إعادة ضبطه؟"، يخبرنا عن نظرته البعيدة فيما يتعلق بالتغيير الذي يحصل في الحكومة الأمريكية بعد أزمة كورونا:
"من المتوقع أن ينجح فايروس كورونا في إجبار الكثير من المؤسسات على تبني العمل من خلال العالم الافتراضي، ومن أهم المؤسسات التي سوف تستفيد من هذا التغير هي مؤسسة الكونغرس الأمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية ماتزال بحاجة إلى استمرار عمل الكونغرس خلال هذه الأزمة، ولكن نظراً للنصائح الطبية بضرورة الحد من التجمع لأكثر من عشرة أشخاص فإن الاجتماعات في مقرّ الكونغرس لم تعد خياراً حكيماً خاصة بعد اكتشاف إصابة بعض أعضاء الكونغرس بالفيروس.
ونظراً للوضع الراهن فقد أصبح من الضروري عودة أعضاء الكونغرس إلى مقاطعاتهم، للبدء في سن التشريعات مؤقتاً عبر الواقع الافتراضي، لا لمجرد الحفاظ على صحتهم فقط بل من أجل المواطنين، فقد تكون هذه الفرصة المثالية لصناع القرار حتى يتمكنّوا من التقرب من منتخبيهم وكي يصبحوا على اطّلاع أكثر على القضايا المحلية للمقاطعات التي يمثلونها في الكونغرس.
وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ مهام الكونغرس من خلال منصات الواقع الافتراضي نظراً لاستحالة القيام بالأنشطة التقليدية التي كانت تشرف عليها جماعات قوى الضغط بهدف تحصيل الدعم والتمويل للمرشحين مثل حفلات الاستقبال التي يتم تنظيمها في واشنطن، فقد يساهم هذا النمط الجديد في تخفيف حدة التمسك بهذه التقاليد التي كان السياسيون ملزمين باتباعها في مثل هذه الحفلات وبالتالي يشكّل فرصة أخرى لهم كي يركزوا جهودهم على القضايا المحلية.
على المدى البعيد، قد يساعد انتقال عمل الكونغرس للعالم الافتراضي على معالجة أهم القضايا التي تواجه مجلس الشيوخ الأمريكي، وهي مشكلة التوسع ودوائر النواب الانتخابية. حيث يواجه مجلس النواب أزمة في التوسع المؤثر منذ العشرينات من القرن الماضي مما يعني أن النائب الواحد يمثل ٧٧٠ ألف ناخب بدلاً من ٣٠ ألفاً وهو العدد الذي نص عليه الدستور الذي تم وضعه من قبل المؤسسين الأوائل للنظام الأمريكي، لذا إذا تمكنّا من تنفيذ مهام الكونغرس من خلال التقنيات الحديثة بدلاً من قوانين القرن الثامن عشر فقد تتاح لنا فرصة العودة إلى المعيار الانتخابي الذي وضعه جورج واشنطن والذي ينص على نائب واحد لكل ٣٠ ألف ناخب".
٢. استعادة الحكومة لمجدها الكبير
تقول مارجريت أومارا أستاذ التاريخ في جامعة واشنطن ومؤلفة كتاب الشيفرة: وادي السيليكون وإعادة صناعة الولايات المتحدة:
"منذ بدء المعركة ضد الفيروس لاحظنا أن المواطن الأمريكي أصبح يهتم بشكل أكبر بالاطلاع على حيثيات وأعمال الحكومة الفيدرالية والرسمية والمحلية، لتصبح أكثر شفافية من أي وقت مضى مع مواطنيها، خاصة بفضل التصريحات اليومية التي نسمعها من مسؤولي الصحة العامة، والتوجيهات والإرشادات التي يصدرها حكام الولايات، ومطالبتهم لنا بمساعدتهم ومساندة بعضنا البعض وتحلينا بالأمل والصبر.
بالتالي، فقد أضحى الدور الحاسم الذي تلعبه "الحكومة الكبرى" في حياتنا وصحتنا واضحاً وجليّاً، أضف إليها العواقب الوخيمة التي عانينا منها لأربعة عقود منصرمة بسبب ضعف الاستثمار في البنية التحتية وعدم الاهتمام الخبرات العامة. الأمر الذي يجعلنا نفكر بحاجتنا الماسة إلى حكومة كبرى رشيدة قادرة على التعامل مع نتائج الأزمة بعد انحسارها خاصة بعد استنزاف واشنطن لحزمة الدعم الاقتصادية التي تم طرحها منذ بدء الأزمة".
٣. الخدمات الحكومية تستعيد مميزاتها
ليليانا ماسون، الأستاذة المساعدة في قسم الحوكمة والسياسة في جامعة ميريلاند، ومؤلفة كتاب "اتفاقية غير مدنية: كيف أصبحت السياسة هويتنا." توضح لنا وجهة نظرها:
"انتهى عهد رونالد ريغان (رئيس الولايات المتحدة للفترة ما بين ١٩٨١ و١٩٨٩) ومرور البلد بهذه الجائحة الفيروسية سيسهم في دحض النظرية التي كانت سائدة لفترة طويلة من الزمن بأن الحكومات سيئة بطبعها حيث تعد هذه الأزمة دليلاً على حاجة المجتمعات الحديثة السليمة إلى حكومات تنظم شؤونها وتأخذ بزمام الأمور من أجل إيجاد حلول لجميع مشاكلها، وبالتالي لن يكون العمل في الوظائف الحكومية أمراً معيباً، بل ستصبح وظيفة يتوق المواطنون اليائسون إلى الالتحاق بها، مما يعني أن المرحلة القادمة ستشهد ولادة جديدة لمصطلح الشرف الوطني لكل من يعمل لدى الحكومة".
٤. نهضة الفدرالية المدنية
يكتب لنا هذا التقرير، السيد أرشون فونغ أستاذ المواطنة والحكم الذاتي في كلية جون كينيدي بجامعة هارفارد:
"كما ساهمت معركتنا إبان الحرب العالمية الثانية في إرساء الأسس لحكومة أمريكية أقوى وتحقيق تضامن وطني، فقد تزرع أزمة فيروس كورونا المستجد، بذوراً للنهوض بنوع جديد من الفدرالية المدنية تصبح فيها الولايات والحكومات المحلية مراكزاً لتحقيق العدالة والتضامن والديمقراطية وإيجاد حلول بعيدة المدى للأزمات. حيث أننا لاحظنا منذ بدء الأزمة غضب العديد من الأمريكيين من فشل القيادة الوطنية في مواجهة هذا التحدي غير المسبوق مقارنة مع بعض المجتمعات الأخرى التي تعاملت مع الأزمة بشكل أفضل نتج عن تضامن قيادتها الحكومية مع المدنيين والقطاع الخاص ودمج نقاط قوتهم بروح من التضحية من أجل الصالح العام.
من الأمثلة العظيمة على تحمل المسؤولية ما لاحظناه منذ بدء الجائحة الفيروسية أن مختبر الفيروسات في جامعة واشنطن تخطى مركز السيطرة على الأمراض وغيره من المراكز الطبية الحكومية في إجراء الاختبارات بشكل كبير وفي وقت مبكر، عندما كنا في أمس الحاجة إليه. كما قاد بعض الحكام والعُمَد والسلطات التعليمية وأرباب العمل، حملات الوقاية من خلال فرض التباعد الاجتماعي، وإغلاق الجامعات والأماكن العامة، وتوجيه الموارد لدعم الفئات الأكثر فقراً وضعفاً.
وقد عزز النسيج المدني المترابط لبعض المجتمعات حس المسؤولية والإيثار الذي ظهر من خلال بقاء الملايين من المواطنين العاديين في منازلهم، حتى لو اضطرهم ذلك إلى فقدان دخلهم، ومنع أطفالهم من الخروج حتى إلى مدارسهم، بالإضافة إلى لجوء الكثيرين إلى العزل الذاتي، وامتناعهم عن اكتناز البضائع ودعمهم لبعضهم البعض، وحتى توجيه دعمهم إلى الإمدادات الطبية والعاملين في المجال الصحي. مما يجعلنا ننظر إلى هذه الجائحة التي تشكّل أعظم خطر يواجه البشرية جمعاء منذ قرون، على أنها فرصة لإعادة إحياء مشاعر التضامن والإيثار والتعاون، الأمر الذي سيمكنّنا من مواجهة التحديات الهائلة المقبلة مثل التغير المناخي وجعل هذا العصر نقطة تحول لتغيير ما يميز مجتمعاتنا من عدم المساواة التاريخية إلى عصر الاندماج الاقتصادي".
٥. تراجع دور القواعد التي كانت تحكم مجتمعاتنا
أسترا تايلور المخرجة السينمائية ومؤلفة كتاب "قد لا تكون الديمقراطية موجودة، لكننا سنفتقدها عندما تختفي بالفعل"، تحدثنا عن رأيها قائلة:
"لقد كشفت استجابة أمريكا لجائحة فيروس كورونا المستجد عن حقيقة بسيطة، هي أن الكثير من السياسات التي أخبرنا قادتنا منذ فترة طويلة أنها مستحيلة وغير عملية، كانت ممكنة وعملية بشكل بارز طوال الوقت. ففي عام ٢٠١١، عندما طالب نشطاء حركة (احتلوا وول ستريت) بإلغاء الديون لقروض الطلاب والديون الطبية، سخر الكثيرون منهم في وسائل الإعلام الرئيسية. وطوال سنوات الصراع تم اتهام هذه المطالب بعدم الواقعية. أما الآن وبفضل هذه الجائحة اكتشفنا أن هذه "القواعد" التي تم فرضها علينا كانت غير ضرورية، وأنها ببساطة جعلت مجتمعاتنا أكثر هشاشة وغير متكافئة.
كما اتضح لنا أنه كان بالإمكان تجنب الكثير من العواقب طوال الوقت ومنذ البداية، فقد كان بالإمكان تجنب عمليات الإخلاء؛ وإيواء المشردين في المباني الحكومية؛ ولم يكن هناك ضرورة لقطع الماء والكهرباء على المتخلفين عن الدفع؛ وكان من الممكن تحقيق مطلب الإجازة المرضية مدفوعة الأجر لجميع العمال؛ وتجنب طرد المتأخرين في تسديد قروضهم، وتقديم الدعم المالي للمكبلين بالديون. فقد تمكن الرئيس دونالد ترامب بالفعل من تجميد الفوائد على قروض الطلاب الفيدرالية، في حين أوقف حاكم نيويورك أندرو كومو مؤقتًا جميع الديون الطبية وديون الطلاب المستحقة لولاية نيويورك. ويناقش الديمقراطيون والجمهوريون الآن إمكانية تعليق التحصيل على قروض الطلاب - أو إلغائها بالكامل - كجزء من مجموعة تحفيزات اقتصادية أكبر.
وقد أصبح واضحاً لنا أنه يمكننا إلغاء القواعد السائدة في الأزمات، مما يجعلنا نتساءل عن سبب كونها قواعد في المقام الأول. لذا فقد قدّمت لنا هذه الأزمة فرصة غير مسبوقة، ليس فقط للضغط على زر الإيقاف المؤقت وتخفيف الصدمة، بل أيضًا لتغيير القواعد بشكل دائم بحيث لا يكون الملايين عرضة للأذى أو الخطر في مثل هذه الظروف".
٦. استعادة الثقة في المؤسسات
يقول ميتشيكو كاكوتاني مؤلف "موت الحقيقة"، الكتاب الأكثر مبيعًا في عام ٢٠١٨، والرئيس السابق لقسم النقد الأدبي في صحيفة نيويورك تايمز:
"يأمل المرء أن تؤدي هذه الجائحة إلى توعية الأمريكيين لأهمية وضرورة دور المؤسسات والقيم التي أمضى دونالد ترامب رئاسته في مهاجمتها في مهمة تحقيق الديمقراطية، على قدرتها على التصدي بفعالية للأزمات الوطنية، وإدراكهم أن المؤسسات الحكومية - بما فيها تلك المكلفة بحماية صحتنا، والحفاظ على حرياتنا والإشراف على أمننا القومي - تحتاج إلى أن تكون مزودة بخبراء (وليس موالين سياسيين)، وأن القرارات يجب أن تتخذ من خلال عملية سياسية منطقية ومبنية على الأدلة العلمية القائمة على المعرفة التاريخية والجيوسياسية (وليس على "الحقائق البديلة" كما يروج ترامب وداعميه، أو على النفعية السياسية أو ما أسماه توماس بينشون، في كتابه (قوس قزح الجاذبية: فوضى من النزوات، والأهواء، والهلوسة، والفتور الشامل). وأنه بدلاً من سياسة ترامب الخارجية "أمريكا أولاً"، نحتاج إلى العودة إلى الدبلوماسية متعددة الأطراف، وإلى فهم أن التعاون مع الحلفاء - والأعداء أيضًا - ضروري بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المشكلات العالمية مثل تغير المناخ والأوبئة.
والأهم من ذلك كله، علينا أن نتذكر أن ثقة الرعية أمر بالغ الأهمية لنجاح أي حكم - وأن هذه الثقة تعتمد على قول الحقيقة. وكما كتب المؤرخ جون م.باري في كتابه الذي صدر عام ٢٠٠٤ (الانفلونزا الكبرى - وقائع مروعة لوباء انفلونزا عام ١٩١٨) الذي أودى بحياة نحو ٥٠ مليون شخص في جميع أنحاء العالم، حيث يقول أن الدرس الرئيسي من هذه الكارثة هو أن على صناع القرار والمتحكمين بالسلطة بذل جهودهم للحفاظ على ثقة جمهورهم من خلال عدم التلاعب بشيء، تسخير أفضل السمات لكل شيء أفضل وجه على لا شيء وعدم محاولة التلاعب بأحد".
٧. توقع انتفاضة سياسية
كاثي أونيل، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة التدقيق الحسابي ORCAA ومؤلفة "كتاب أسلحة الدمار الرياضية: كيف تزيد البيانات الضخمة عدم المساواة وتهدد الديمقراطية" تتوقع هي الأخرى تغيرا أخراً:
"من المرجح أن تشمل آثار الجائحة الوبائية انطلاق انتفاضة سياسية جديدة - احتلال وول ستريت بنسختها الثانية - ولكن هذه المرة أكثر ضخامة وغضبًا. وبمجرد انتهاء حالة الطوارئ الصحية، سوف نرى مدى نجاح المجتمعات الغنية التي تمتاز بالتضامن وتوزيع الموارد في معالجة الأزمة، بينما سيتم تدمير المجتمعات الفقيرة بشكل كامل. علاوة على ذلك، فقد رأينا كيف يمكن اتخاذ إجراءات سياسي لإنقاذ الموقف - حيث يمكن دعم عمليات الإنقاذ والمشاريع التي تقدر بمليارات الدولارات بسرعة- ولكن فقط إذا كانت الأسباب طارئة.
إن حالة عدم التوازن هذه بين السكان المهملين منذ فترة طويلة والذين فهموا أخيراً أن احتياجاتهم ليست فقط غير متابعة بشكل حثيث، ولكن أيضًا يتم رفضها بشكل قاهر على أنها مطلوبة سياسيًا، من المحتمل أن تكون لها عواقب وخيم".
الجزء الأول: التغيير في المجتمع
الجزء الثاني: التغيير في التقنية
الجزء الثالث: التغيير في الطب والصحة
المصدر: politico
اترك تعليقاً