سلسلة: فيروس كورونا المستجد سيغير وجه العالم كليّا - نستعرض هنا كيف سيحدث ذلك
أولا: تغيير المجتمع
يمكن لأزمة كبيرة بهذا الحجم أن تعيد ترتيب المجتمعات وتغير شكلها دراماتيكياً، قد يكون هذا التغيير للأفضل أو حتى للأسوأ.
في هذا التقرير الذي أعدته مجلة بوليتكو (Politico Magazine)، سنتحدث عن ٣٤ تغييرا هائلا يتوقعه المفكرون لما سيحدث في العالم بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد! اربط حزام الأمان، فالأمر كبير!
بالنسبة لدولة كبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن التغيير الذي يحدثه الآن فيروس كورونا المستجد في المجتمع الأمريكي، يذكرنا بما حصل بعد أحداث ١١ سبتمبر، والتغيير التي أحدثته الأزمة المالية عام ٢٠٠٨. هذه الأحداث الكبيرة هي التي أعادت تشكيل المجتمع بشكل كلي ودائم، ابتداء من تغير إجراءات السفر وآلية شراء المنازل وانتهاءً بمستويات الأمن والمراقبة وحتى اللغة المستخدمة بين الناس.
فيروس عالمي جديد اجتاح كوكب الأرض منذ بضعة أشهر، يجبرنا على الاحتجاز داخل منازلنا لربما لبضع أشهر قادمة، هذا الفيروس سيعيد ترتيب شكل العالم الخارجي وعلاقتنا معه، وسيغير علاقتنا بحكوماتنا، وحتى ببعضنا البعض! ومن ضمن التغييرات التي قد تبدو مربكة أو غير مألوفة ويتوقع المفكرون والخبراء رؤيتها في الأشهر والسنوات القادمة: هل ستظل دول العالم مغلقة؟ هل ستصبح عادة لمس الأشياء والأشخاص من المحرمات؟ ماذا سيحدث للمطاعم؟
يرى المفكرون أيضاً أن هذه الأزمة قد توفر العديد من الفرص الإيجابية الحالية: مثل استخدام التقنية بطريقة أكثر مرونة ورقيّاً وتطوراً، وتقليل الاستقطاب والاختلاف السياسي، وإعادة تقديرنا للأماكن الخارجية ومتع الحياة الصغيرة والبسيطة.
مازال المستقبل مجهولا كليا، ولا يوجد أحد يعلم ما تخفيه لنا الأيام، سنحاول هنا أن نلقي الضوء على التغييرات المتوقعة التي ستؤثر بشكل ما على المجتمع ومنظومات الرعاية الصحية والاقتصاد العالمي والصحة والطب والحكومة والانتخابات والتقنية ونمط الحياة وغيرها.
التغير داخل المجتمع
١. سيصبح الاقتراب من الناس أكثر خطرًا!
ديبرا تانن، وهي أستاذة لغويات في جامعة جورج تاون ومؤلفة كتاب "أنت الوحيدة التي يمكنني أخبارها، فحوى لغة الصداقة بين النساء" ستخبرنا برأيها حول التغيير الذي سيحدثه فيروس كوفيد-١٩:
" في الحادي عشر من شهر سبتمبر اكتشف الأمريكيون أن الكوارث التي كانوا يظنون أنها بمنأى عنهم وأنها لا تحدث إلا بأماكن بعيدة على كوكب الأرض قد أصابتهم في مقتل بنهاية المطاف، وأن الأزمة المالية التي حدثت عام ٢٠٠٨ جعلت المجتمع الأمريكي يدرك أن إصابته بكوارث العصور القديمة ليس شيئا مستبعداً، كالانهيار العالمي والكساد العظيم الذي حصل في زمن بعيد، ووباء الانفلونزا الاسبانية الذي اجتاح العالم عام ١٩١٨ قد جاء مجددا بهيئة فيروس كورونا المستجد وضرب كوكبنا الأرضي بدون أن تترك دولة لا تعاني منه.
إن فقدان النقاء وبراءة الروح، وشعور الرضا عن النفس، ليس إلا وسيلة جديدة للتعايش في عالم جديد نتوقع منه أن يغير أدائنا وطريقة عيشنا في العالم. ولكننا نعلم الآن أن التغيير سيحدث في أمور أخرى، حيث سيصبح لمسنا للأشياء والتحدث للأشخاص الآخرين من مسافة قريبة وتنفس الهواء في مكان مغلق قد يكون أمراً محفوفاً بالمخاطر، بالتأكيد فإن مدى السرعة التي قد يتراجع فيها هذا الوعي سيكون مختلفاً من شخص لآخر، ولكنه لن يختفي تماماً، فبالنسبة لنا كأشخاص عايشوا هذا التغيير العام، قد يصبح من الطبيعي أن نرى سلوكيات لا واعية تجعلنا نتجنب مصافحة الأيدي أو ملامسة وجوهنا، وقد نقع جميعنا ضحية الوسواس القهري الذي يجعلنا لا نستطيع التوقف عن غسل أيدينا.
قد يحل محل ذلك الشعور المريح في التواجد بين الآخرين، شعورًا أعظم من الارتياح في الابتعاد عنهم، وخاصة مع الأشخاص الغرباء وأولئك الذين لا تربطنا بهم علاقة وثيقة، وبدلا من أن نسأل أنفسنا: " هل هناك داعٍ لأن نقوم بهذا على شبكة الانترنت؟" سيصبح السؤال: هل هناك سبب وجيه للقيام بهذا الأمر وجها لوجه؟" وسيصبح من الضرورة بمكان إقناع الطرف الآخر بإمكانية التواصل عبر الانترنت. وبالتالي فإن الناس الذين لا يستطيعون الوصول للإنترنت سيزداد شعورهم بالحرمان.
هذا الأمر سيشكل ازدياد الفجوة بين مستخدمي شبكة الانترنت، بالتأكيد ذلك سيخلق مسافة أكبر، ولكن أيضا سينتج مزيدا من التواصل، نحن تواصل بشكل أكبر مع الأشخاص الذين يبعدون عنا مسافة أكبر، حيث يعطينا ذلك مزيدا من الأمان".
٢. ظهور نوع جديد من الوطنية!
مارك لورانس شراد وهو أستاذ العلوم السياسية ومؤلف كتاب "تحطيم آلة الخمور: تاريخ عالمي للتحريم" يدلو بدلوه بشأن التغيير:
" لطالما كانت دولة أمريكا تساوي الوطنية مع الجنود المحاربين، لكنهم للأسف لا يستطيعون إطلاق النار على فيروس، أولئك الذين يعملون في الخطوط الأمامية ضد فيروس كورونا المستجد ليسوا جنودا أو مجندين أو حتى مرتزقة، بل هم الأطباء والممرضين والممرضات والصيادلة والمعلمين ومقدمي الرعاية وموظفو المتاجر والعاملين في الخدمات العامة وأصحاب المشاريع الصغيرة والموظفون، مثل لي وينلانغ وجميع الأطباء في مدينة ووهان الصينية، حيث أن الكثير منهم يواجهون بشكل مفاجئ مهاماً تفوق طاقتهم، بالإضافة لزيادة خطر الإصابة بالفيروس أو الوفاة!
هذا ما يجعلنا نعترف بجميع تضحياتهم ونعتبرها وطنية حقيقية، سننحني احتراما لهم وسنحيي جهودهم بأن نقول لهم: "شكرا لما قدمتموه من خدمات"، وسنتعامل معهم كما نتعامل مع محاربينا العسكريين القدامى، حيث سنمنحهم العديد من المزايا الصحية والتخفيضات في المتاجر، وسنبني لهم النصب التذكارية بل وسنخصص لهم عطلة سنوية احتفاءً بهذه الفئة الجديدة من الجنود المجهولين الذين يضحون بصحتهم وراحتهم وحياتهم من أجل صحتنا.
ربما قد نبدأ بتغيير مفهوم الوطنية والتضحية من أجل الوطن لتشمل رعاية صحة وحياة مجتمعنا بدلا من تدمير مجتمع آخر عسكريا بالحروب! ربما يكون أحد أهم الإيجابيات التي سيصنعها فيروس كورونا المستجد رغم كل هذه الفوضى الرهيبة التي نعاني منها في المجتمع هي تغييرتعريف الوطنية، ليشمل حب المجتمع وجعل الأولوية للمصلحة العامة".
٣. انحسار الاختلاف في المواقف السياسية
يكتب لنا هذا التقرير بيتر كوليمان، أستاذ علم النفس بجامعة كولومبيا، وصاحب الكتاب الذي سيصدر في ٢٠٢١: " طريق الخلاص: كيفية التغلب على الاستقطاب السام":
"الصدمات المفاجئة وغير الاعتيادية التي افتعلتها جائحة فيروس كورونا المستجد، أدت لكسر القاعدة النمطية للمواقف السياسية والثقافية التي تجاوز عمرها الخمسين عاما، ولربما ستساعد المجتمع الأمريكي على تغيير وظيفة وفكرة التضامن الوطني والسياسي بسبب السيناريوهات التي صنعها الفيروس.
السيناريو الأول هو ظهور" العدو المشترك" حيث سيبدأ الناس في تجاوز اختلاف وآرائهم والتغاضي عن خلافاتهم عندما يواجهون عدوّاً مشتركاً، وهذا ما حصل مع هذا العدو الخفي الذي لا يفرق بين يمين أو يسار أو أحمر أو أزرق، حيث وحّد جميع الأطياف على اختلافاتها من أجل مواجهته ومحاربته بكل قدراتهم وقواهم، يذكرنا هذا الوضع، بما حصل في حملة بليتز، وهي حملة القصف النازي على لندن في عامي ١٩٤٠ و ١٩٤١ والتي استمرت ما يقارب ٥٦ يوماً، حيث خسر الألمان الذين اندهشوا من حكومة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل آنذاك الذي حث على التحالف والتكاتف من أجل إفشال مخططات العدو آنذاك!
أما السيناريو الثاني هو "موجة الصدمة السياسية" حيث أظهرت الدراسات أن العلاقات الطويلة والقوية والدائمة قد تكون الأكثر عرضة للتغيير عند التعرض للصدمات الكبرى، وبالتالي زعزعة استقرارها، قد لا يحدث هذا بشكل فوري، لكن هناك دراسة أجريت على ٨٥٠ شكلا من النزاعات المستمرة بين الدول والتي حدثت في الفترة ما بين ١٨١٦ و١٩٩٢ م، أظهر أن أكثر من٧٥٪ منها انتهت في غضون ١٠ سنوات بسبب صدمات كبيرة زعزعت الاستقرار. يمكن للصدمات المجتمعية أن تكسر العلاقات المختلفة بل وتغييرها جذريًا، مما يجعل الأمر يتحول بشكل عميق إما للأسوأ أو للأفضل، ولكن وبالنظر لمستوى التوتر في الوضع الحالي، فقد يبدأ عمل هذا السيناريو منذ الآن مما سينتج عنه لاحقا تغييراً، بل وإصلاحاً في خطاباتنا السياسية والثقافية، يبدو أنه قد حان وقت التغيير الحقيقي!".
٤. العودة للاعتماد على رأي الخبراء الحقيقين
يكتب لنا هذا التقرير توم نيكولز وهو أستاذ في كلية الحرب البحرية الأمريكية، ومؤلف كتاب: "اندثار التخصص":
"أصبحت الولايات المتحدة الامريكية في السنوات الأخيرة، دولة غير جادّة، ربما يعود ذلك للترف والرفاهية التي توفرت بسبب الأمان والثروة والتقنيات ذات المستويات العالية والتي صارت متوفرة بين أيدي المستهلكين بكل سهولة، لم تعد هناك حاجة للتفكير بالحرب اليوم كما كانت تفعل في الماضي، لم تعد تقلق بخصوص ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير، وقد تراجع الإرهاب ليصبح تهديدا نظرياً ترسل أمريكا من أجله المتطوعين من الجيش إلى الصحارى البعيدة باعتبارهم حراسا للوطن، حتى أننا جعلنا نجوم تلفزيون الواقع يرتقون لمستوى الرئيس وكأننا نعمل على خلق هجوم شعبي على البيروقراطية والتخصصية التي تحاول الحكومة العمل على تكريسها بشكل يومي.
يمكن لأزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-١٩) أن تغير هذا الأمر بطريقتين، الأول أن تجبر الناس على العودة للاستماع لآراء ذوي الخبرة الحقيقين، حيث رأينا كيف تغير الوضع حين كان الناس يسخرون من الخبراء حتى ظهر هذا الوباء وانتشر حول العالم، فتجدهم الآن يستمعون لآراء الأطباء أمثال توني فوسي. أما الطريقة الأخرى فهي أننا نأمل عودة الناس للتعامل مع جميع الأمور الحياتية بجدية، أو على الأقل أن يعيدهم إلى فكرة أن الأشخاص الذين يعملون في الحكومة هم أشخاص جادين. فالفشل الذريع لإدارة ترامب في الحفاظ على صحة الشعب الأمريكي ومنع انتشار الفيروس وإبطاء الانهيار الاقتصادي الذي يسببه هذا الوباء، قد صدم الشعب بما يكفي للوقوف في وجه الحكومة بدلا من إمطارها بمشاعر عاطفية إيجابية."
٥. النزعة الفردية تتراجع!
إريك كلينبرغ، وهو أستاذ علم الاجتماع ومدير معهد المعرفة العامة في جامعة نيويورك وصاحب كتاب " قصور من أجل الشعب: كيف يمكن للبنية التحتية الاجتماعية أن تساعد في محاربة عدم المساواة والاستقطاب وانحدار الحياة المدنية" يقول:
"يمثل جائحة فيروس كورونا المستجد نهاية علاقتنا العاطفية مع مجتمع السوق والتنظيم الاجتماعي، وقد تتحول لعلاقة استبداد، تخيلوا أن الرئيس دونالد ترامب يحاول تعليق انتخابات شهر نوفمبر، وأن يفرض إجراءات عسكرية صارمة، حسناً، إن هذا السيناريو البائس قد يصبح حقيقيا، ولكن يعتقد أننا سنتجه لسلوك طريق أخرى، نحن نشهد الآن فشل العديد من النماذج القائمة على التنظيم الاجتماعي، وهذا ينذر بكارثة في حال انهار النظام الاقتصادي، حيث يجعل الأزمة أكثر خطورة مما نتخيل".
٦. سيختلف تعاملنا مع العبادة الدينية.
آمي سوليفان وهي مديرة استراتيجية التصويت للصالح العام، تتحدث عن كيفية تعامل المجتمع الأمريكي في أعيادهم المسيحية، وكيف سيحتفل المسلمون بشهر رمضان المبارك إذا لم يتمكنوا من صلاة التراويح في المسجد والتجمع مع الأحباء والأهل على مائدة الإفطار، و ماذا سيحصل بطقوس العبادات لجميع الديانات.
"تتعامل جميع الأديان مع هذا التحدي بإحياء مشاعر الإيمان رغم ما قد تواجهه المجتمعات من حروب أو شتات او اضطهاد، ولكن أداء الشعائر الدينية في ظل ظروف جديدة مثل الحجر الصحي سيتحدى الآن العديد من المفاهيم، وسيصبح هناك معنى آخر عند وقوف الناس وراء الكاهن أو الراهب أو الإمام، ولكنه سيعطي فرصة لأولئك الذين لا يتبعون جماعة محلية، لأن يستمعوا إلى الدروس والمواعظ عن بعد". وربما سيصبح للتأمل الديني شعبية أكبر، وربنا ستتغير نظرتنا للمبشرين، وسنبحث عن ألقاب جديدة تذكرنا بضرورة العودة لإنسانية وضرورة الترابط فيما بيننا."
٧. أشكال جديدة لعملية الإصلاح!
جوناثان رواخ وهو كاتب مشارك في مجلة ذا أتلانتيك وكبير الأعضاء في معهد بروكينغز يخبرنا عن شكل التغيير بعد فيروس كورونا المستجد:
"في الآونة الأخيرة، ظهرت مجموعة من الشعب الأمريكي تحاول نشر وباء تحولي مختلف وغير مسبوق، إنه وباء المثلية، بالتأكيد يعتبر مرض نقص المناعة البشرية (الإيدز) واحدا من الفيروسات المكتسبة وهو يختلف بشكل كبير عن فيروس كورونا المستجد، إلا أن جميع الأوبئة تؤدبنا وتدفعنا للتغيير.
يمكن القول أن الحكومة الامريكية وإلى حد ما قد خذلت شعبها، عندما تركت المثليين يعملون ويجتهدون لبناء منظماتهم ومؤسساتهم الخاصة وصنعوا لهم مكانة خاصة في المجتمع. كما كشف الوباء عن عيوب مميتة في النظام الصحي وأيقظ الوعي والحاجة لحماية نظام الزواج، مما سيؤدي مستقبلاً للعديد من الإصلاحات التاريخية.
وفي ظل هذا الوباء، فقد وجد الناس طرقا جديدة للتواصل فيما بينهم، ودعم بعضهم البعض، ومن المؤكد أنهم سيطالبون لاحقا بتحسين نظم الرعاية الصحية والمنظومة الحكومية وسيصبحون أيضاً أكثر وعيا بضرورة التلاحم المجتمعي.
لا يمكننا التنبؤ بتلك التأثيرات الصغيرة، لكننا بالتأكيد سنشهد العديد من التغييرات في السنوات القادمة".
المصدر: politico
اعتقد راح يصير في وعي بأهمية الابحاث وخاصة شعوبنا العربية الي اعتقد انها متأخرة نوعاً ما في هالمجال ومو بس احنا كل العالم ينتظر علاج وصار يشوف شنو جديد الابحاث بشكل او بأخر