رؤيتان محتملتان لمستقبل العمل
أدت سياسة "اقتصاد المشاركة" إلى وجود مستقبلين ممكنين لما يمكن أن يبدو عليه العمل في السنوات القادمة، أحدهما بائس، والآخر مثالي.
في الحالة الأولى، ستكون الطبقة العاملة مشغولة بين رحلات التسوق، ومشاركة المركبات، إصلاح المنازل الصغيرة، والقيام بالمهمات البسيطة حتى لا يكون على الأثرياء فعل ذلك، وسيعني "العمل" تجميع مهام الآخرين، دون وجود فوائد، والحصول على بضعة دولارات خلال ذلك.
أما في الحالة الثانية، فإن اقتصاد المشاركة سيحرر العمال من العمل من الساعة 9 وحتى 5، ويحول الأغلبية ليصبحوا من "أصحاب المشاريع الصغيرة" الذي يحددون ساعات عملهم ودخلهم الخاص تبعاً لرغباتهم، وأخيراً سيتيح هذا الأمر لنا إمكانية الاستفادة من أصولنا ووقتنا، ولن نكون بحاجة لوجود أرباب عمل تقليديين.
يعتقد أرون سنداراراجان بأن الحالة الثانية هي التي ستشكل مستقبل العمل في المستقبل على الأرجح، - أو على الأقل لن تكون الحالة الأولى حتمية، وسنعيد تصميم منافعنا وقوانين حماية العمال، الأمر الذي من شأنه أن يوصلنا إلى المرحلة الثانية من التحول الجذري الجيد القادم في الاقتصاد- ونظرته التفاؤلية هذه التي وصفها في كتابه الجديد، "اقتصاد المشاركة: نهاية التوظيف وظهور الرأسمالية القائمة على الحشد" مقنعة إلى حد كبير لأنها تأتي من شخص مختص في هذا المجال.
يهتم سنداراراجان، وهو أستاذ في جامعة نيويورك، في كيفية امتلاك وسائل الإنتاج أكثر من اهتمامه بكيفية خلق الانتماء أو المجتمع.
يشير سنداراراجان بأننا نشهد بداية تغيير جذري في كيفية تنظيم النشاط الاقتصادي، حيث أن "الحشد" سيحل مكان الشركات في مركز الرأسمالية، ولهذا، فعندما ستقوم بشراء شيء ما – شراء ثوب، استئجار سيارة لتقلك للمطار، أو حجز مكان في رحلة لقضاء عطلة - فقد تحصل عليها من سوق يتحكم به الأفراد وليس الشركات الكبيرة، وعندما تحصل على الدخل، فإن هذا الدخل قد يكون قادماً من سيارتك أو ورشتك المنزلية – التي ستكون متصلة عبر شبكة الانترنت بحشد من المستهلكين - وليس بشكل راتب يأتيك كل أسبوعين من صاحب العمل.
اليوم، فإن الغالبية العظمى من الأشخاص في الولايات المتحدة يعملون لحساب شخص آخر، ولكن تبعاً للتغيير الذي يتصوره سنداراراجان، فإن الأكثرية الغالبة ستعمل في المستقبل لصالح نفسها، سواء كسائقين يتم طلبهم عبر تطبيق على الهاتف الذكي، ككتاب يعملون لحسابهم، أو كأصحاب محلات، وعلى الرغم من أن بعض هذه الوظائف ليست جديدة، ولكن السهولة التي يمكن للأفراد من خلالها الاتصال بالأسواق الواسعة، والتي ستقدم مقابل هذه الخدمات، سيكون جديداً حتماً.
إذا كان هذا يبدو وكأنه عودة في الزمن لأكثر من قرن منذ التقدم في اقتصادات الحجم - العودة إلى عالم كان فيه الجميع عبارة عن أصاحب متاجر صغيرة – إلا أن سنداراراجان يقترح بإننا يمكن أن نحصل على أمرين على حد سواء في العصر الرقمي: الملايين من المساهمين الصغار والحجم (السعة) الاقتصادي.
يشير سنداراراجان بأن ما جعله متحمساً للتحول الذي نراه الآن هو أنه يحول دور الفرد من كونه شخصاً متلقٍ للأجور إلى صاحب نظام إنتاجي بطريق بسيطة، لذلك فإنه في الأساس تحول يمكّن الفرد من السلطة.
بالمقابل، فإن الأشخاص الذي يشككون في ذلك، يقومون بإجراء مقارنة غير عادلة بين هذا النوع الجديد من العمل، والعمل بدوام كامل الذي يعتبر المسيطر في يومنا هذا.
أضاف سنداراراجان بأننا نعمل بنظام العمل بدوام كامل في كل مكان منذ عقود، لذلك، فقد كان لدينا ما يكفي من الوقت لفهم الخلل الهائل في القدرة على المفاوضة بين الفرد والمؤسسة، والوقت اللازم لتصحيح ذلك بمجموعة واسعة من الطرق.
في الولايات المتحدة، كان هناك صعود للنقابات العمالية، مفاوضات العقود الجماعية، قوانين الحد الأدنى للأجور، وظهور شركات العمال والتأمين ضد البطالة، وقد تم تطوير نظام يتم خلاله توفير العديد من المزايا مثل الإجازات المدفوعة الأجر والرعاية الصحية من قبل أرباب العمل إلى حد كبير.
بعبارة أخرى، فإن العمل بدوام كامل يعني شيئاً أفضل بكثير مما يمكن أن يكون عليه الحال، وسنستغرق وقتاً طويلاً لمعرفة الكيفية التي يمكننا من خلالها تطبيق ذات الأمر في ظل الرأسمالية الجديدة القائمة على الحشد، ومستقبلا عندما ننتقل إلى نموذج يكون فيه المالك هو الفرد ذاته، فإننا سنبدأ في موقع أفضل أساساً.
تبعاً لسنداراراجان فإننا لا يجب أن نأسف لكون السائقين لا يحصلون على مزايا بدوام كامل، بل علينا أن نعيد النظر بالسبب الذي يجعل المزايا والأمن الوظيفي أمران متعلقان بالوظائف بدوام كامل فقط، فالتحدي، إذن، أصعب بكثير من جعل شركات تأجير السيارات مثل أوبر تعامل سائقيها كـ"موظفين"، حيث أن الأمر يستلزم إعادة تصميم شبكة الأمان بشكل كبير، وكيفية تصنيفنا للعمال والشركات.
هذا قد يعني إيجاد سبل لتمويل مزايا متنقلة من شأنها أن تغطي العمال الذين يعملون على بدء أعمال على حسابهم الخاص وللذين يعملون في شركات خاصة أيضاً، كما أنه قد يعني السماح للعمال المستقلين بالمفاوضة الجماعية على عقود العمل مع منصات مثل أوبر و إيستي (Etsy)، وقد يعني النظر في توفير ما يشبه الدخل الأساسي للجميع، الأمر الذي من شأنه مواجهة انعدام الأمان في العمل الحر.
يتصور سنداراراجان أيضاً بأنه سيتم تصنيع "ملاذات آمنة" لهذه المنصات ليتم تجربتها، فاليوم، تخاطر الشركة التي تقدم دورات تدريبية أو استقطاعات ضريبية للعمال المؤقتين المنفردين بالتعثر بعقبة الفرق القانوني بين وجود "المتعاقدين المستقلين" و"الموظفين"، فقانون العمل الحالي لا يشجعهم على تقديم المزيد من الفوائد التي تعود للعمال الذين يستخدمون برامجها.
ولكن مع ذلك، يبدو بأن سنداراراجان مقتنع بأننا سنقوم بإيجاد حل لهذه المشاكل في نهاية المطاف، حيث يضيف "سنفعل ذلك لأن الأفراد يطمحون إليه، فالأفراد يريدون الاستقرار".
ولكن هناك الكثير من المجال للشك أيضاً، فالعمال المستقلون لا يشكلون سوى أقلية صغيرة من القوى العاملة اليوم، وحتى إذا ارتفعت أعدادهم، فهل يمكنهم حقاً حشد ما يكفي من القوة لفرض تغييرات واسعة على شبكة الأمان الوظيفي؟ أنفق الأمريكيون سنوات في نقاش وطني محتدم حول كيفية إصلاح الرعاية الصحية، ولكن حتى مع صدور قانون الرعاية بأسعار معقولة، فإنهم ما يزالون غير قادرين على قطع الرابط بين التأمين والعمل بدوام كامل.
لذلك فإن الأسئلة التي تدور حول ما إذا كانت هذه الحلول حكيمة من الناحية الاقتصادية، أو ممكنة من الناحية اللوجستية، أو واقعية من الناحية السياسية، لا تزال موضع للنقاش.
قد يجد البعض أيضاً أن تفاؤل سنداراراجان وكأنه يفسح المجال أمام شركات مثل أوبر لحرية أن تفعل ما تشاء، فهذه الشركات تحصد الكثير من الأموال جرّاء ظهور هذا النوع الجديد من العمل مقارنة مع الأشخاص الذين يقومون بإدراة أعمالهم الخاصة، ومما لا شك فيه بأن أوبر ستفضل الوصول إلى حل حيث يتوصل فيه المجتمع إلى تأسيس شبكة أمان وظيفي حتى لا تضطر الشركة إلى تأمينها.
في النهاية، إذا كان سنداراراجان على حق، فإن هذا العهد الجديد من العمل الذي نتجه نحوه سيجعل الشركات مثل أوبر تستمر لفترة طويلة.
مترجم
اترك تعليقاً