حان الوقت للتخلي عن ثقافة المكاتب

الوضع الليلي الوضع المضيء


مع تطور شبكة الإنترنت والهواتف الجوالة واندماجها المستمر في حياتنا اليومية، قامت المجتمعات بتقل أنماط عملها من الشكل المادي إلى الرقمي، وهذه العملية محت الخطوط الفاصلة بين العمل والحياة، خالقة بهذا مشكلة فريدة من نوعها، وهي أننا أصبحنا عالقين بين المطالب المتمثلة بوجود مساحات مكتبية تقليدية وحقيقة وجود المكاتب غير التقليدية.

فيما مضى، كان الأمر بسيطاً للغاية، فالعمل كان يتطلب وجود أدوات وعمليات معينة، وكان يتم وضع هذه الأدوات عادة في مكان العمل، وبالتالي، ومن أجل العمل، ننتقل يومياً من منازلنا إلى مكان العمل.

الآن، ووفقاً لتقرير إحصائي تم إجراؤه عن العمل من المنزل في عام2015، وتم نشره من قبل (GlobalWorkplaceAnalytics.com)، فإن عدد الموظفين الدائمين الذين يعملون من منازلهم قد نما بنسبة 103% في غضون عقد من الزمن، مع مايقرب من 4 ملايين شخص - أو 2.5% من القوى العاملة - يقومون بعملهم من منزلهم المريح معظم الوقت.

للوهلة الأولى، قد يفكر البعض بأن العمل من المنزل يجب أن يجعل الأمور أسهل، ولكن بدلاً من ذلك، أصبح الأشخاص يعملون لساعات أطول على الرغم من أنهم لا زالوا مجبرين على المحافظة على طقوس الذهاب إلى المكتب.

من خلال البحث في تقرير شركة (Hyper Island)،اكتشفنا بأن التهديدات الحالية الناتجة عن الإرهاق وتغيرات الحياة العملية قد لاتكون نتيجة لنمط حياتنا الذي أصبح متصلاً باستمرار مع العالم الخارجي، ولكن من حقيقة أننا لا نزال عالقين في مكان ما في الوسط، حيث أننا ما زلنا متشبثين بالطرق القديمة التي تصر على إحضار الأشخاص إلى المكتب لمدة 40 ساعة في الأسبوع، وتوقع أن يكونوا متاحين في جميع الأوقات أيضاً.

بدلاً من ذلك، نحن بحاجة للاعتراف بأن العمل، بالنسبة لمعظم البالغين، هو جزء لا يتجزأ من الحياة، وهذا التوازن بين العمل والحياة ربما يمكن أن يُدار بشكل أفضل إن لم يكن محصوراً في مساحة معينة.

إليك ثلاثة أسباب قد تجعلك تقتنع بأن الوقت قد حان لترك أماكن العمل ولتبني فكرة المرونة المطلقة في العمل.

١. المكاتب هي مجرد مضيعة للوقت والمال

حتى في العصر الرقمي، فإن ارتفاع تكلفة الآجارات وصيانة المكاتب المادية كان متقبلاً بشكل (خاطئ) كأمر مفروغ منه بالنسبة لمعظم الشركات، ولكن قلة من الأشخاص ساهموا أيضاً في ارتفاع التكاليف المرتبطة بضياع الوقت.

في ما يخص التنقل فقط، أشارت تقارير مكتب الإحصاء بأن 10.8 مليون عامل في الولايات المتحدة يسافر لأكثر من ساعة في طريق الذهاب إلى العمل، وأنه من بين هؤلاء، هناك حوالي 600,000 شخص يتحمل مشاق التنقل لمدة أكثر من 90 دقيقة ولمسافة 50 ميلاً على الأقل في كل مرة يود فيها الذهب إلى العمل.

تبعاً لـ(آلان بيسارسكي) مؤلف كتاب "Commuting in America"،فقد كان مقدار الوقت الذي يستغرقه العامل للوصول إلى عمله ثابتاً لمدة طويلة بشكل يبعث على السخرية، كما أنه يشير إلى أن متوسط الوقت الذي ينفقه الشخص للوصول إلى عمله بقي ما بين عامي 2000-2011 ذاته تقريباً، لهذا كانت تكلفة الوقود، وعوامل أخرى مثل التكاليف الطبية الناتجة عن السمنة التي تسببها التنقلات والكوليسترول والألم والتعب والقلق، أو فقدان الإنتاجية في مكان العمل تتزايد بسرعة.

من جانب آخر، فإن اقتران ما تقدم مع الشعور بالضيق من جراء الوجود في مكتب محدد، والنميمة المكتبية، والاجتماعات التي يتوجب عليك حضورها شخصياً، والتي عادة لا يكون لها داعٍ، ساهمت في زيادة كبيرة في ساعات الوقت الضائع، فضلاًعن فقدان حوالي 40% من الإنتاجية في المكتب، والكثير من هذه التكاليف يمكن التخلص منها أو تخفيضها بشكل هائل إذا عمل الأشخاص ببساطة من منازلهم أو قطعوا مسافات أقصر إلى عملهم.

٢. قلة المكاتب تعني زيادة في الإنتاجية

بما أن التكنولوجيا جعلتنا نصبح متصلين بشكل دائم مع العالم من حولنا ومتوفرين أكثر من أي وقت مضى، فإن هذا يدفع للاعتقاد بأن مستوى إنتاجيتنا سيكون هو ذاته سواء أكنا نعمل عن بعد أو نعمل في مكتب محدد.

في دراسة تم إجراؤها من قبل "SoftChoice"،إشار أكثر من 70% من الأشخاص بأنهم سيتركون وظائفهم الحالية للذهاب إلى شركات أخرى تقدم فرصة العمل خارج المكتب بشكل أكبر، كما أضاف 62% منهم أنهم في الواقع يكونون أكثر إنتاجية عندما يعملون خارج المكتب، مستشهدين بالتقدم الحاصل في مجال تكنولوجيا الهواتف المحمول وتكنولوجيا السحابة، كما أشارت دراسة أخرى من قبل المكتبة الوطنية الأمريكية للطب إلى أن العاملين في المناطق النائية يميلون للحصول على تقييم أداء أعلى من غيرهم.

لا يظهر هذا النمط أي علامة على التباطؤ، وهذ يشير إلى انخفاض متزايد في الحاجة إلى وجود مركزي مادي للعمال، وفي آخر إحصاء، تفاخر موقع (Slack)بأن هناك أكثر من 11 مليون مستخدم نشط عليه يومياً وبأنه يشهد نمواً يتراوح بين 3إلى 5% أسبوعياً.

٣. زيادة مرونة العمل تعزز التوازن بين العمل والحياة

في حين أن الابتكارات التكنولوجية المستمرة قد حفزت نمو سير العمل عن بعد، فقد ناصرت مجموعة من الشركات أيضاً نمط العمل غير التقليدي الذي يتضمن وجود عدد أقل من المكاتب لتعزيز التوازن الصحي بين العمل والحياة لموظفيها، كما أن هذه الشركات تتعامل مع موظفيها بطريقة أشبه بشركات مصغرة، حيث أنها تقيّمهم تبعاً لانتاجهم.

أصبح التوازن بين العمل والحياة محوراً أساسياً ضمن ثقافة المكاتب والرضا العام، ففي دراسة حديثة ضمت حوالي 1700 موظف أجرتها (SoftChoice)، أشار 75% من الذين شملهم الاستطلاع أيضاً، أن العمل عن بعد يسمح لهم بالحفاظ على التزاماتهم الاجتماعية والشخصية بطريقة أكبر، وهذا يؤدي إلى تحسين التوازن بين العمل والحياة.

إلى جانب ذلك، أكدت دراسة مشتركة بين مركز (وركينغ ماذرز) وشركة(مورغان ستانلي) على هذا الأمر، حيث وجدت بأن النساء اللواتي لم يكن لديهن المرونة في عملهن، كن من أقل الفرق تفائلاً في استطلاع للرأي حول فرصهن الوظيفية، بغض النظر عن الأرباح، أو الألقاب أو مركزهن الوظيفي.

من جهة ثانية، بدأت العديد من الشركات الكبرى والشخصيات العامة بالاهتمام بهذا الأمر، فكل من شركات (هيومانا)، و(أبل)، و(جنرال الكتريك)، و(آي بيإم) وغيرها من الشركات الكبيرة بدأت تسمح للموظفيها بالعمل عن بعد، في حين أصبح كل من رئيس مجلس النواب (بول ريان) و(مارك زوكربيرج) صاحب موقع الفيسبوك المتحدثين غير المعتمدين حول مطالب العمل وأهمية قضاء الوقت مع الأسرة.

مثال آخر على نمط العمل هذا هو شبكة (Netflix)التي أثارت مؤخراً ضجة عندما قدمت إجازة أمومة مدفوعة الأجر وغير محدودة لموظفيها،وهذا دفع دعامة وادي السيليكون (Adobe)  لتحذو حذوها، كما بدأت شركة (Fast Retailing)،وهي الشركة الأم لسلاسل التجزئة العالمية بما في ذلك (UNIQLO)،مؤخراً باختبار جعل أيام العمل لنسبة كبيرة من القوة العاملة لديها أربعة أيام فقط في الأسبوع، وتأثير الدومينو هذا هو نتيجة طبيعية لإدراك العلامات التجارية الكبرى بأن قيمتها الأساسية لا توجد في الهيكل المادي الذي تقدمه المكاتب، ولكن في موظفيها.

٤. مستقبل المكاتب

من الممكن أن لا تختفي المكاتب أبداً بشكل تام، فبعد كل شيء، يمكن لثقافة المؤسسات التي تمتلك أنشطة تتضمن تعاون الفريق وتقديم تقارير التقدم بالعمل أن تساعد الموظفين على الشعور بأنهم متصلون بشكل أكبر مع أعضاء فريقهم، وتجعلهم شركاء في أهداف الشركة وقيمها، كما قد تبقى المساحات المكتبية لأننا بحاجة إلى مكان لنتبادل فيه النكات والضحكات، ونتشارك وجباتنا ونتحدث عن التحديات التي نواجهها، أو ببساطة لأننا لا نعرف حقاً ما الذي يجب علينا القيام به.

ولكن طريقة سير العمل الأساسية تم تعديلها إلى الأبد من خلال التطور السريع للتكنولوجيا وتحسين طريقتنا في الإنتاجية وحياتنا الشخصية التي تعتمد على القدرة على التكيف مع نمط عمل أكثر مرونة وأقل محدودية، الأمر الذي قد يدفعنا للتخلي عن مكاتبنا.

مترجم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *