أمازون الضخمة

الوضع الليلي الوضع المضيء

بائع الكتب الذي أصبح  تكتّلاً تجارياً

يصعب على الكثير من المتسوّقين في عام 2017 تذكُّر "كيف كانت الحياة في بداية التسعينات". كانت هناك طلبات بريدية، لكنك في الأغلب ستذهب إلى المحلات التجارية إن أردت شراء شيء ما. لاحظ مؤسس أمازون؛ جيف بيزوس” Jeff Bezos” – الذي كان يعمل في وقت سابق لدى صندوق استثماري في نيويورك– النمو الهائل للانترنت. وكانت فكرته تتمثّل في إنشاء شركة على الانترنت من شأنها أن تجمع المتسوقين والمصنعين في جميع أنحاء العالم، وابتدأها بالكتب.

لم يكن الجميع مقتنعين. وكُتبت قصة عن مشروعه عام 1999 في مجلة بارونز “Barron’s” الأسبوعية للأعمال بعنوان "قنبلة أمازون"/"Amazon.bomb" والتي تناقش كفاح الشركة من أجل التنافس مع وول مارت “Walmart” و بارنز ونوبل “Barnes & Noble”. ولكنها فشلت مثل العديد من منافسي أمازون في التنبؤ  بمستقبل الشركة المتوسّعة النطاق باستمرار، والإنفاق السخي، والدعم المتحمس من المستثمرين.

تكبّدت أمازون خسارات كثيرة في جزء كبير من حياتها. ففي الآونة الأخيرة حيث فقدت حوالي 241 مليون دولار خلال عام 2014 من المبيعات التي يقدّر إجماليها حوالي 89 مليار دولار. وعلى الرغم من أن جانب التجارة الإلكترونية يدرّ الآن دخلاً مالياً، إلا أن أعمال الحوسبة السحابية تعدّ ذراعها الأكثر ربحية، والتي حققت في العام الماضي حوالي 74٪ من دخلها التشغيلي. ويفضّل السيد بيزوس النمو طويل الأجل أكثر من الأرباح قصيرة الأجل. كما يتوقع بنك مورغان ستانلي “Morgan Stanly” أن تنمو أمازون بمعدل 20٪ سنوياً تقريباً من الآن وعام 2025. وقد جذب إعلان الشركة في سبتمبر بناء مقرها الثاني في أمريكا الشمالية بالإضافة إلى قاعدة سياتل (في الصورة) العديد من رؤساء البلديات. لاسيّما وأن الشركة في سياتل توظّف الآن أكثر من40 ألف عامل، وأكثر من 340 ألف أخرين عالمياً.

رسالة أمازون، لتكون "الشركة الأكثر تركيزاً على العملاء في الأرض"، تضع حدوداً قليلة على ما قد تفعله مستقبلاً. يقول جيف ويلك "“Jeff Wilke –مدير الأعمال التجارة الإلكترونية للشركة– :"نريد أن نخترع نيابة عن العملاء". "سنقوم بتجربة مجموعة من الطرق ومحاولة عدد من الأمور. بعضهم سيفشل، وكثير منها سينجح ".

لقد سعت الشركة حيثياً إلى اتباع استراتيجية من الاستثمارات لكسب عملاء جدد وتوليد المزيد من المكاسب المالية حتى تتمكن من جذب المزيد من الزبائن، وقد كان مقياس هذا الجهد ملحوظاً. وبناءً على غولدمان ساكس “Goldman Sachs”؛ فقد أنفقت أمازون –خلال عام من شهر يونيو الماضي– حوالي 13 مليار دولار على منتجات تقنية جديدة لأعمال الحوسبة السحابية والتجارة الإلكترونية، والذي يعدّ أكثر من 20% مما أنفقته جوجل وأكثر بثلاث مرات من فيسبوك.

وتهدف أمازون إلى أكثر من تلبية توقعات العملاء بالتفوق على ذلك. وقد سهّل تقديمها للاشتراك السنوي للدرجة الأولى (99 دولاراً في أمريكا) التسوّق عبر الانترنت بما في ذلك الشحن، كما شمِلت الآن الاشتراك لخدمات البث السمعية والمرئية.

من جهة أخرى؛ أنشأت أمازون في العام 2006 من خلال الأعمال السحابية طريقة جديدة لتغطية احتياجاتها الحوسبية، واحتياجات الشركات الأخرى. فبدلاً من استثمار تلك الشركات في منشآتها الخاصة، يمكنها استئجار الطاقة الحاسوبية من أمازون، حيث توفر شركة أمازون ويب سيرفيسز “Amazon Web Services – AWS” الآن البنية التحتية للشركات الناشئة ولعددٍ متزايد من الشركات الكبيرة. فيما تعدّ أعمال الحوسبة الأساسية التي تملكها أمازون أضخم من أقرب منافسيها الثلاث مجتمعة.

لكن أكبر تأثير لأمازون لا يزال في التجارة الإلكترونية، لاسيّما وأنه يشكّل في أمريكا أكثر من النصف في نمو الإنفاق على الانترنت خلال العام الماضي. وأكثر عمليات البحث عن المنتجات تبدأ في أمازون مقارنة بجوجل. كما وجدت الشركة أن عروضها الترفيهية تكمل أعمالها التجارة الإلكترونية، وهو ما يحتّم الحفاظ على مشتركيها الرئيسيين. وهو أمر مهم، حيث أنهم ينفقون أكثر من أربعة أضعاف عدد المتسوقين الآخرين على أمازون، وذلك حسب تقديرات براين نواك "Brian Nowak" من مورغان ستانلي “Morgan Stanly”. ويُعتقد أنه أكثر من ثلث الأسر في أمريكا لديها حساب اشتراك رئيسي في أمازون، والتي يعتمد نجاحها جزئياً على سرعة التسليم، والذي يصل عادة في غضون يوم أو يومين دون تكاليف شحن إضافية. والنتيجة هي شراء المستهلكين المزيد من السلع عبر الانترنت.

تُستثنى محلات البقالة على الأقل في أمريكا، حيث لا يزال معظم الناس يذهبون إلى محلات السوبرماركت، إلا أنّ الأمر قد يتغيّر. فقد انخفضت أسعار أسهم هول فودز “Whole Foods” –محلات السوبرماكت الراقية– في شهر يونيو، عندما أعلنت أمازون شراءها 13,7 مليار دولار.

وقد أقنعت استثمارات الشركة في مستودعاتها البائعين الأكثر استقلالية من أي وقت مضى لاستخدام خدماتها أيضاً، حيث يشكّل المخزون الخاص بأمازون الآن أقل من نصف المبيعات على موقعها، فيما بلغت العائدات من التجار المستقلين –الذين يضعون منتجاتهم على أمازون– حوالي 23 مليار دولار في العام 2016، والذي يشكّل حوالي ضعف ما كان عليه العامين الماضيَين. وبينما يتمكّن المستهلكون من التمتع باختيارات أوسع فإن أمازون تجني المزيد من الأرباح لإعادة الاستثمار.

كما أنها تعدّ وسيلة مذهلة للقيام بأعمال تجارية. مصادر أمازون العديدة من الإيرادات، والبيانات الضخمة ونظام التوزيع الشامل، تجعل من الصعب على المنافسين مواكبتها. وعندما ظهر منافسوها بأشكال جديدة، انتهى الأمر بشرائها من قِبَل أمازون في كثير من الأحيان، كما فعلت مع كيدسي “Quidsi” –الشركة التجارية الالكترونية المتخصصة في بيع حفائض الأطفال–، وزابوس “Zappos”، وشو سيلر “Shoeseller”.

الأمر الآخر الذي يمكن عمله هو إعادة اختراع محلات تقليدية سواء كانت هول فودز أو غيرها. ففي متجر أمازون التجريبي في سياتل، يمكن للعملاء اختيار مشترياتهم والدفع تلقائياً، دون التوقف عند الخروج من المتجر، وذلك بفضل أجهزة الاستشعار، التي يمكنها رصد السرقات والإعلام عنها.

من بين المنتجات الأكثر إثارة للاهتمام في الشركة هو مساعدها الصوتي، اليكسا “Alexa”، المتاحة من خلال الجهاز الصوتي المتحدّث إيكو “Echo”. فهو يتيح للعملاء طلب السلع من أمازون. ولكن الشركة مكّنت المساعد الصوتي من عمل ذلك مع الشركات الأخرى حيث أتاحت لهم تمكين اليكسا لتشغيل منتجاتهم. في هذا المجال، فإن أمازون تنافس ضد جوجل ومايكروسوفت وآبل. ويتوقع التقنيون أن المساعدين الصوتيين يمكنهم أن يقوموا مقام الهواتف والأجهزة اللوحية لتكون واجهة للعالم الرقمي. وتتفوّق أمازون بشكل كبير في الوقت الحالي حيث تملك 76٪ من السوق الأمريكية لأجهزة التحدث الصوتية المنزلية.

من جهة أخرى؛ مازالت أمازون تبحث عن طرق جديدة لإشراك نفسها في حياة عملائها. حيث ينفق المستهلكون في البلدان الغنية بشكل خاص على الخدمات، والرعاية الصحية، والترفيه بدلاً من السلع، وتعتزم أمازون متابعة ذلك النشاط. ففي أمريكا مثلاً، يستخدم عملاء الشركة بالفعل طلب توصيل الوجبات الصينية إلى منازلهم، توظيف شخص لتجميع حزمة فلاتباك “Flatpack”، إدارة اشتراكات الصحف أو البحث عن طبيب محلي للأمراض الجلدية.

في الواقع، أصبحت أمازون تكتلاً بحد ذاته –وهو النموذج الذي سُجِّل له صعود وهبوط. لم يتحول كل شيء تلمسه إلى ذهب، مثلما حدث مع الهاتف “Fire Phone” حيث عاد بنتائج كارثية بعد وقت قصير من إطلاقه في عام 2014. ولكن الشركة على رضىً ببعض مشاريعها المتخبّطة طالما أنها قادرة على النجاح في مشاريع أخرى. لذلك فإنه من المرجح أن تستمر في التوسع، والتغلغل إلى أبعد من أي وقت مضى في حياة الناس اليومية. قد يبدو هذا مفرطاً في الطموح، ولكن سابقة موجودة بالفعل: علي بابا في الصين.

المصدر: الايكونوميست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *