قصة ساتوشي ناكاموتو

الوضع الليلي الوضع المضيء
أندرو أوهاغن يكتب عن حياة ساتوشي ناكاموتو
المداهمة

قام 10 رجال باقتحام منزل في غردون، إحدى ضواحي شمال ساحل سيدني، وكان ذلك يوم الأربعاء 9 كانون الأول/ديسمبر سنة 2015، على الساعة الواحدة بعد الزوال. وكان هؤلاء الرجال من العملاء الفيدراليين، حيث اقتحموا المنزل مرتدين قمصان كتب عليها "علوم الحاسوب" وكان أحدهم يحمل مذكرة تفتيش صادرة تحت قانون الجرائم لسنة 1914. وقاموا باقتحام المنزل بحثا عن رجل يدعى غريغ ستيفن رايت، الذي يعيش مع زوجته رامونا في منزل كائن بشارع سانت جونز. وقد صدرت مذكرة التفتيش عن مكتب الضرائب الأسترالي. أما رايت فهو عالم كمبيوتر ورجل أعمال سبق أن ترأس مجموعة من الشركات المرتبطة بالعملة المشفرة وأمن الانترنت.

وخلال عملية التفتيش، قام أحد العملاء بتفتيش خزائن المطبخ وإفراغ مرآب المنزل بينما قام عميل آخر بتفتيش مقر شركة رايت الكائن في 32 شارع دلهي في شمال رايد. وكان كل العملاء بصدد البحث عن وثائق "أصلية أو نسخ" مسجلة في الأقراص الصلبة للحواسيب، حيث أرادوا إيجاد بيانات مصرفية، وسجلات الهاتف المحمول، وبحوث وصور فوتوغرافية... وقد احتوت مذكرة التفتيش على قائمة لعشرات الشركات التي يجب التدقيق في وثائقها، بالإضافة إلى 32 شخصا، يحمل البعض منهم أسماء بديلة، أو لهم أسماء ذات تهجئة بديلة. وقد ورد اسم "ساتوشي ناكاموتو" في المرتبة السادسة من آخر القائمة.

وقال بعض جيران رايت إن عائلته كانت منعزلة قليلا. كما صرّحوا أيضا أن زوجته كانت ودودة، إلا أنه كان غريب الأطوار، وأكد أحد الجيران أن غريغ عادة ما يتجاهل الآخرين. وقد تساءل مالك المنزل الذي يقطنونه عن سبب حاجتهم للكثير من القوة الكهربائية الإضافية، حيث يملك غريغ ما يبدو أنه غرفة مليئة بمولدات الكهرباء في الجزء الخلفي من المنزل. وتعمل هذه المولدات على تشغيل عدد من أجهزة الكمبيوتر التي يعتبرها رايت "ألعابه"، لكن الكمبيوتر الحقيقي، والذي أنفق عليه قدرا كبيرا من المال، يبعد حوالي تسعة آلاف ميل، ويوجد تحديدا في بنما. وكان غريغ قد أخذ أجهزة الكمبيوتر إلى مكان آخر قبل يوم واحد من عملية المداهمة نظرا لأن أحد المراسلين أخبر غريغ عن عملية المداهمة. لذلك، قام غريغ بالاتصال بستيفان، وهو الرجل الذي يقدم المشورة لعائلة رايت فيما يسمونه "بالصفقة". وقرر ستيفان أخذ رايت وزوجته لشقة فاخرة في برج ميريتون بسيدني لكي يختبآ هناك قبل أن يسافرا للاستقرار في إنجلترا.

أما في 32 شارع دلهي، فقد كانت أشجار النخيل تظلل الممرات الخرسانية وكانت هناك لوحة كتب عليها "تايلور مايد أوفيس سولوشنز". أما داخل المبنى، كان العديد من الناس يشربون القهوة في الطابق الأرضي. وويقع مكتب رايت، المطلي باللون الأحمر، في الطابق الخامس ويطل على مقبرة "ماكوراي بارك"، التي عرف عنها أنها مكان هادئ للموتى والأحياء على حد سواء.

وعند اقتحام الشرطة لمقر الشركة، لم يدرك العاملون هناك ما يجب فعله. فتجمعوا في وسط الغرفة وطلبوا من أعوان الشرطة عدم الاقتراب من حواسيبهم أو هواتفهم. وفي هذا السياق، قال أحد الموظفين وهو دنمركي يدعى ألان بيدرسن؛ "حاولت التدخل... وأخبرتهم أننا نريد الاتصال بالمحامي".

أما رامونا، فلم يكن من السهل عليها إخبار عائلتها بما يحصل. لذلك قامت بإخبار الجميع أن الرطوبة أجبرتهم على الرحيل عن المنزل الذي كانا يقطنانه. وقد انتقل كل من رامونا وغريغ إلى شقة في مبنى سكني شاهق في وسط المدينة، الأمر الذي جعل رايت يشعر وكأنه في عطلة. وبعد أول ليلة قضاها الثنائي في الشقة الجديدة، استيقظ رايت في الصباح ليجد أن موقع غيزمودو ومجلة وايرد قاما بنشر خبر يتعلق به حيث قام كلا المصدرين باتهامه بكونه الشخص الذي يحمل الاسم المستعار "ساتوشي ناكاموتو" والذي قام سنة 2007 بنشر ورقة بيضاء فسر من خلالها "نظام الدفع النقدي الند للند"، وهي تقنية قام ساتوشي بتطويرها لتصبح ما يسمى اليوم بالبيتكوين. وعندما قرأ رايت الخبرين، أدرك أن حياته القديمة انتهت. وبعد انتشار الخبر، توجه المراسلون إلى منزله السابق وإلى مكتبه. مع العلم أن مثل هذه الإشاعات انتشرت سابقا، لكن غيزمودو ووايرد أكدا هذه الشكوك، الأمر الذي أثار ردود فعل عديدة من قبل وسائل الإعلام الأسترالية. ولم يتضح بعد سبب حصول المداهمة وانتشار الخبر في اليوم نفسه.

وفي حوالي الساعة الخامسة مساء من ذلك اليوم، اتصل موظف الاستقبال الذي يعمل في المبنى الذي يقطن فيه رايت ليعلمه أن الشرطة قد وصلت. لذلك قامت رامونا بإخبار رايت بأن يغادر الشقة على الفور. فنظر رايت إلى مكتب موجود أمام النافذة، وكان فوقه جهازي حاسوب يبلغ وزنهما بضعة كيلوغرامات وسعة الواحد منهما 64 غيغابايت من ذاكرة الوصول العشوائي. فقام رايت بأخذ الحاسوب الذي لم يتم تشفيره بالكامل وأخذ هاتف زوجته ثم توجه إلى الباب. وكان رايت يقطن في الطابق 63، وتوقع بأن تكون الشرطة قد استخدمت المصعد للوصول إلى الشقة، لذلك قام بالنزول إلي الطابق 61 أين توجد المكاتب وحمام السباحة. ووقف هناك لدقيقة قبل أن يدرك أنه قد غادر دون أخذ جواز سفره.

أما رامونا فقد غادرت الشقة بعد رايت بوقت قصير وتوجهت إلى موقف السيارات في الطابق السفلي، ثم تنفست الصعداء عندما أدركت أن الشرطة لم تكن بصدد حراسة البوابة. وخلال خروجها من المرآب في سيارتها المستأجرة، اصطدمت بحاجز الخروج، وكانت تشعر بالذعر  لكنها لم تتوقف وتوجهت إلى الطريق السريعة وقادت السيارة في اتجاه شمال سيدني. فقد أرادت فقط التواجد في مكان تعرفه حتى تتمكن من التفكير، لكنها أحست بالعجز لأن هاتفها لم يكن بحوزتها. لذلك قررت التوجه إلى منزل صديق لها وطلبت منه أن يعطيها هاتفه وأخبرته أنها لا تستطيع أن تفسر سبب ذلك لأنها لا تريد أن تورطه.

وفي الأثناء، بقي رايت واقفا قرب حمام السباحة حاملا جهاز الحاسوب في يده ثم سمع صوت أناس يصعدون الدرج، فقام بالركض في اتجاه دورة المياه حيث كان هناك مجموعة من المراهقين لكنهم لم يلاحظوا وجوده. دخل رايت إحدى المراحيض وترك الباب مفتوحا عمدا ووقف فوق المرحاض. وقد دخل شرطي وسأل المراهقين عما كانوا يفعلونه فأجابوا "لا شيء"، ثم غادر الشرطي دورة المياه على إثر ذلك. لكن رايت بقي في المرحاض لبعض الدقائق ثم خرج واستعمل بطاقة شقته للاختباء في الدرج. وأخيرا، تلقى مكالمة من زوجته، التي أصيبت بالرعب عندما أخبرها أنه لا زال في البناية. بعد ذلك، استعمل رايت الدرج لينزل 60 طابقا بهدف الوصول إلى موقف السيارات، أين استقل سيارته المستأجرة ووضع الحاسوب في الصندوق الخلفي تحت العجلة الاحتياطية، ثم قاد السيارة في اتجاه جسر هاربور.

بعد ذلك، قامت رامونا بإرسال رسائل نصية لستيفان الغامض، الذي كان في مطار سيدني، وقام بشراء تذكرة سفر لمانيلا. بعد ذلك، قام ستيفان بإثارة ضجة داخل المطار ليتم إخراج حقيبته من الطائرة، ثم تحدث إلى رامونا وأخبرها أنه على غريغ مغادرة البلاد فوافقته وقامت على إثر ذلك بالاتصال بمركز الطيران وسألت عن الرحلات المغادرة في ذلك اليوم. وعندما سألتها المتحدثة من مركز الطيران عن وجهتها، أجابت رامونا "إلى أي مكان". وفي غضون عشرة دقائق، قامت رامونا بحجز تذكرة لزوجها في طائرة متوجهة لأوكلاند في نيوزيلاندا.

وفي الأثناء، وصل رايت لتشاتسوود وقام بالاتصال برامونا لتأتي إلى هناك للقائه، لكنها أخبرته أنه عليه أن يتجه مباشرة للمطار. فأعلمها أن جواز سفره ليس بحوزته. وكانت رامونا خائفة من أن يقبض عليها إذا ما عادت للمنزل لجلب جواز السفر، لكن صديقا لها أعرب عن استعداده للذهاب وإحضاره. فانتظرا إلى حين مغادرة الشرطة للمبنى وتوجه الصديق إلى هناك وعاد بعد بضعة دقائق حاملا جواز السفر والحاسوب الآخر ومزود الطاقة.

والتقى كل من رامونا وصديقها برايت في موقف سيارات المطار. ولم يسبق لرامونا أن رأت زوجها متوترا إلى تلك الدرجة حيث قال رايت؛ "كنت تحت هول الصدمة، لم أتوقع أن يتم كشفي بتلك الطريقة في الإعلام وأن تتم مطاردتي من قبل الشرطة. فعادة ما أكون جاهزا وتكون لي حقيبة مجهزة للرحيل". أما رامونا فقد أحست بالقلق، إذ لا تعرف متى ستتمكن من رؤية زوجها مرة أخرى. فقال رايت أن نيوزيلندا تعتبر قريبة جدا، وتساءل في نفس الوقت عما يمكن فعله حيال المال. وقد توجهت رامونا إلى صراف آلي ومنحته 600 دولار، اشترى بها حقيبة صفراء من متجر في المطار لكي يضع فيها أجهزة الحاسوب نظرا لأنه لم يكن له أية ملابس. بعد ذلك، عند توديعه، قالت رامونا إنه "من المروع توديع غريغ".

وعند مروره بأمن المطار، أحس بالتوتر بسبب حمله لأجهزة الكمبيوتر. وعندما أوشكت بوابة الطيران أن تغلق، تم أخذ غريغ لإجراء مقابلة معه. وفي نفس الوقت، بدأ رجل هندي بالصراخ نظرا لأنه تم حجز زوجته بسبب ارتدائها "لساري"، وكان ذلك بعد تفجيرات باريس. لذلك ركض جميع موظفي الأمن للتعامل مع الوضع وأمروا غريغ بالمغادرة. لم يصدق رايت ما حصل. أما في مكتبه، فكانت الشرطة تقوم باستجواب آلان بيدرسن الذي قال إنه سمع أحدهم يسأل "هل تم الإمساك برايت؟" فأجابه زميله "لقد استقل للتو طائرة متجهة إلى نيوزيلندا".

وكان رايت على ارتفاع 30 ألف قدم فوق بحر تاسمان وكان يشاهد عملية المطاردة لتوماس أندرسون (كيانو ريفز) من قبل عملاء مجهولين في فيلم "ماتريكس". ووجد رايت أن القصة مطمئنة بشكل غريب، فقد كان من الجيد أن يدرك أنه لم يكن وحده. وعند وصوله للمطار في أوكلاند، أبقى رايت هاتفه في وضع الطيران، لكن قام بعد ذلك بتشغيله لكي يتحدث مع ستيفان على السكايب باستخدام حساب جديد. ولسوء حظ غريغ، كان هناك حفل روك كبير في تلك الليلة في أوكلاند ولم يجد أي غرفة شاغرة في أي فندق، لكنه تجول عبر المدينة في سيارة أجرة إلى أن وجد غرفة في فندق الهيلتون فقام بحجز لليلتين باستخدام النقود التي بحوزته. وكونه يعرف كيفية الحصول على أموال من الصراف الآلي تتعدى الحد اليومي السموح به، فقد تمكن من سحب 5000 دولار. وطلب الحصول على خدمة الغرف في تلك الليلة. توجه رايت في اليوم الموالي إلى متجر "بيلابونج" الكائن في شارع "كوين" لشراء بعض الملابس. وقد شعر بالارتباك لأنه عادة ما يرتدي بدلة وربطة عنق. لكنه قرر شراء قميص وسروال جينز وبعض الجوارب. وفي طريق العودة إلى الفندق، اشترى مجموعة من بطاقات الهاتف حتى لا يتم رصد مكالماته. وبعد عودته للهيلتون، كان يقوم بوضع حواسيبه في الحقيبة عندما اتصل به ستيفان على السكايب وأخبره بأن يتوجه إلى المطار لأنه حجز له تذكرة إلى مانيلا. وفي ذلك الوقت، انتشرت صورة رايت في كل الصحف وانتشرت قصته التي أفادت أنه يحاول الهروب. وفي غضون ساعات من ظهور اسم رايت في الصحافة، هددت عديد الرسائل المجهولة المصدر بفضحه وبكشف "تاريخه الحقيقي" حيث قال البعض إنه كان أحد مستعملي موقع "آشلي ماديسون" وهو موقع لإنشاء علاقات خارج إطار الزواج، وزعم البعض الآخر أنه أحد مستخدمي موقع غريندر وهو موقع للمثليين جنسيا.

وخلال توقفه في مطار هونغ كونغ لست ساعات، قام رايت بفسخ حساب بريده الالكتروني كما قام بمسح حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أدرك أنها مليئة بمعلومات لم يكن مستعدا لنشرها. وعندما وصل لمطار مانيلا، كان ستيفان في استقباله ليقله إلى شقته حيث قامت الخادمة بغسل ملابس رايت، الذي قام بوضع حواسيبه على طاولة غرفة الطعام. وقضى كل من رايت وستيفان بقية يوم السبت في محو حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي فقد أراد ستيفان قطع أي طريقة للتواصل مع رايت. وفي اليوم التالي، استقل رايت طائرة متجهة إلى لندن.

حي ميرفار

إن التكنولوجيا تغير حياة الناس الذين لا يفهمونها، فنحن نقود سياراتنا دون أن نهتم بالاحتراق الداخلي، لكننا قد نسمع بعض القصص من هنا وهناك. فأنا كنت أحد أولئك الذين لم يسمعوا بساتوشي ناكاموتو أو بسلسلة البلوكات التي تعتمد عليها البيتكوين، وهي التي تمكن من القيام بمعاملات مالية دون الحاجة إلى أي سلطة مركزية. ولم أكن أعرف أن سلسلة البلوكات كانت من أهم اكتشافات علوم الحاسوب. فقد كان أمرا جديدا بالنسبة لي أن أعرف أن البنوك تحاول اعتماد سلسلة "البلوكات" كأساس لمستقبل يضيف قيمة للانترنت. وكانت قصة عالم الكمبيوتر الأسطورية  أمرا غريبا بالنسبة لي عندما سمعت بها، فأنا لست مهتما بنماذج الحاسوب الجديدة. لكن أولئك المهتمين بعالم الغد يعتبرون أن قصة ساتوشي لديها ملامح من قصص الأخلاق المستقلة تماما عن الأوراق النقدية. توجد دائما أشياء لا يعتبرها الآخرون مركز الكون لكنها أيضا لا تترك أي أثر في حياتك اليومية وهو ما كانت عليه قصة هاتشيكو بالنسبة لي، فقد اعتبرتها لغزا لم أجد له حلا.

قبل بضعة أسابيع من عملية اقتحام منزل رايت وقبل أن يصبح اسمه مرتبطا بساتوشي ناكاموتو، تلقيت رسالة الكترونية من محام في لوس أنجلوس يدعى جيمي نجوين يعمل في شركة "ديفيز رايت تريمين" (يصفون أنفسهم بكونهم "محطة" لشركات الترفيه، والتكنولوجيا، والإعلانات، والرياضة، وغيرها من الصناعات). أخبرني نجوين أنهم يريدون التعاقد معي لكي أقوم بكتابة قصة حياة ساتوشي ناكاموتو، كما أخبرني المحامي أن موكله حصل على حقوق كتابة القصة من قبل الشخص الحقيقي وراء الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو والذي أنشأ بروتوكول بيتكوين. وأضاف المحامي "ستكون القصة مهمة جدا للقراء، ونتوقع أن يكون الكتاب محل اهتمام الدعاية والتغطية الإعلامية بمجرد الكشف عن الهوية الحقيقية لساتوشي".

وتبين أن الصحفيين أمضوا سنوات للتعرف على الشخصية الحقيقية لساتوشي. فقد كانت شخصيته إحدى أكبر أسرار الانترنت أو "الكأس المقدسة" للتحقيقات الصحفية، خاصة وأن الكتاب الذين لم يتمكنوا من اكتشاف أدلة حوله، عمدوا إلى خلق أدلة جديدة خاصة بهم.

وقد قال الكاتب في مجلة نيويوركز جاشوا ديفيس إن الحاجة لاكتشاف ساتوشي بدت أمرا مؤلما. وقد كتب جاشوا في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2011: قبل بداية البيتكوين، لم يكن هناك أي وجود لمبرمج يحمل ذلك الاسم، فقد استعمل بريدا الكترونيا وموقعا على شبكة الانترنت لا يمكن تعقبهما. وفي سنتي 2009 و2010، كتب عديد المشاركات بلغة إنجليزية خالية من الأخطاء. وعلى الرغم من أنه دعا مطوري البرامج الآخرين لمساعدته على تحسين المصدر البرمجي وقام بالفعل بالتواصل معهم، إلا أنه لم يكشف عن أية تفاصيل شخصية. وفي سنة 2011، أرسل رسالة لأحد مطوري البرامج وأخبره أنه "انتقل للاهتمام بأشياء أخرى". ولم يتواصل مع أي أحد منذ ذلك الوقت.

وقرر دافيس أن يدرس كتابات ساتوشي بشكل دقيق جدا، واستنتج أنه يستعمل الهجاء البريطاني كما أنه مولع بكلمة "تبا"، فأصبحت الشكوك تحوم حينها حول ميشال كلير وهو طالب دراسات عليا في كلية تيرينيتي، لكنه سرعان ما أنكر ذلك.

وبعد ذلك، كتب ليا ماكغراث غودمان تقريرا في مجلة "نيوزويك" مدعيا أن ساتوشي هو دوريان ناكاموتو القاطن في مدينة تامبل سيتي من ولاية كاليفورنيا. لكن ناكاماتو لم يتمكن حتى من نطق كلمة بيتكوين بالشكل السليم. وعندما تم نشر تقرير غودمان، توجه مراسلون من كامل أنحاء العالم إلى منزل دوريان، الذي قال إنه سيمنح فرصة للصحفي الأول الذي يأخذه لتناول طعام الغذاء. وتبين في آخر المطاف أن هوايته لم تكن تتعلق بالعملات. وفي تلك الفترة، قام شخص أطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو، واستخدم البريد الالكتروني الأصلي لساتوشي،  بزيارة إحدى المنتديات التي تهدف إلى التعرف على هوية ساتوشي الحقيقة. وكتب هذا الشخص "أنا لست دوريان ناكاموتو".

وكتب عديد المعلقين، بما في ذلك ناثانيل بوبر من صحيفة نيويورك تايمز عن نيك زابو، المولع بالعملات المشفرة أنه مخترع "بت غولد"، لكنه نفى بشدة أن يكون ساتوشي. وقالت مجلة فوربس أنها تعتقد أن ساتوشي هو هال فيني، وهو أول شخص تلقى بيتكوين من قبل ساتوشي. وتجدر الإشارة إلى أن فيني هو أصيل ولاية كاليفورنيا وهو عالم تشفير كان له دور حيوي في اختراع البيتكوين لكن فيني توفي سنة 2014 بعد أن أصيب بمرض عصبي سنة 2009. لذلك فإنه يبدو أن "الكأس المقدس" لم يكن من نصيب أي أحد وهو ما كتب عنه بوبر في صحيفة نيويورك تايمز حيث قال إن "كثيرون من مستعملي البيتكوين لا يريدون أن يتم الكشف عن الهوية الحقيقية لساتوشي... لكن حتى هؤلاء لا يمكنهم أن يقاوموا مناقشة الأدلة التي تركها مؤسس البيتكوين".

أما ستيفان، وهو ستيفان ماثيوز، الخبير في تكنولوجيا المعلومات، تعرف على رايت منذ 10 سنوات، أي منذ أن عملا معا على إنشاء موقع القمار "سنتربات". وفي تلك الفترة، وتحديدا سنة 2007، كان ستيفان يعمل كمحلل أمن في شركات مشابهة لموقع القمار، فهو يستعمل مهاراته بصفته عالم كمبيوتر (وتجربته في القرصنة الالكترونية) لكي يجعل مهمة المحتالين صعبة. وعلى الرغم من أن رايت كان غريب الأطوار، إلا أن ستيفان ماثيوز يعدّ شخصا يمكن الوثوق فيه. وقد قال ستيفان إن رايت مدّه، سنة 2008، بوثيقة كتبها شخص يدعى ساتوشي ناكاموتو، لكن ستيفان كان مشغولا في تلك الفترة فلم يقم بقراءتها. كما قال إن رايت كان دائما ما يحاول لفت انتباهه إلى المشروع الجديد الذي يدعى بيتكوين. وأخبرني ماثيوز أيضا أن رايت حاول بيعه 50 ألف قطعة بيتكوين دون أي مقابل، إلا أن ماثيوز لم يكن مهتما لأن رايت بدا غريب الأطوار، كما أن المسألة ككل بدت مثيرة للريبة. لكن بعد سنوات قليلة، أدرك ستيفان أن الوثيقة التي أعطاه إياها رايت كانت المسودة الأصلية للورقة البيضاء التي نشرها ساتوشي ناكاموتو. وتجدر الإشارة إلى أن مستعملي البيتكوين يتعاملون بالورقة البيضاء مثلهم مثل الحكومات التي يكرهونها، وكأنهم يصدرون القوانين.

في السنة الماضية، عندما كان رايت يمر بأزمة مالية، حاول طلب المساعدة من ماثيوز مرات عديدة. وفي تلك الفترة، كان ماثيوز أحد أصدقاء روبرت ماكغريغور، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة تحويل الأموال الكندية "أنتراست". وكان ماثيوز حينها بصدد إقناع ماكغريغور بالقدوم إلى أستراليا وتقييم ممتلكات رايت كفرصة استثمارية. وكان رايت في ذلك الوقت مؤسسا لعدة شركات تمر بأزمة مالية كما كان له عدة نزاعات مع مكتب الضرائب الأسترالي.

وقال ماثيوز إنه منذ اختفاء ساتوشي في سنة 2011، كان رايت يعمل على تطوير تطبيقات جديدة لتكنولوجيا سلسلة البلوكات التي اخترعها ساتوشي، إذ كان، بعبارة أخرى، يستعمل تكنولوجيا البيتكوين لخلق تطبيقات جديدة من شأنها أن تعوض الأنظمة التي يتم استعمالها في المحاسبة والتسجيل والسلطة المركزية التي تعتمد في البنوك وفي الحكومات.  لذلك، كان رايت وفريقه بصدد إعداد العشرات من براءات الاختراع. وكان رايت يأمل، من خلال كل اختراع، أن يعيد صياغة الخدمات المالية والاجتماعية والقانونية والطبية وأن يتوسع في فكرة "السجل العام" التي تعتمد عليها تكنولوجيا سلسلة البلوكات. لكن هذا يعتبر خيالا، حتى بالنسبة للخبراء، لكنه يعتبر أمرا مهما للغاية في علوم الكمبيوتر والمصرفية في الوقت الراهن، ويتم إنفاق ملايين الدولارات لتطوير مثل هذه الأفكار.

بعد تردد ونفور بسبب سلوك رايت، وافق ماكغريغور وتوصل إلى اتفاق مع رايت في 29 شباط/ فبراير سنة 2015. وقال ماكغريغور إنه "كان متأكدا من أن رايت هو مخترع البيتكوين الأسطوري"، كما أخبرني أنه "أصر على أن تكون "حقوق نشر حياة" ساتوشي جزءا من الاتفاق الذي قام بتوقيعه مع رايت". وكانت الأزمة المالية التي يمر بها غريغ في أشدها في تلك الفترة، لذلك اضطر إلى الموافقة على بنود الاتفاق.

وبعد أشهر قليلة، ووفقا لأدلة تم منحي إياها من قبل ماثيوز وماكغريغور، كلف الاتفاق الشركة الكندية 15 مليون دولار. وقال لي ماثيوز إنه "عند توقيع الاتفاق، تم منح محامي رايت 1.5 مليون دولار، لكن مهمتي الرئيسية كانت التنسيق مع المحامين الجدد ونقل الملكية الفكرية لرايت لتصبح على ملك أنكريبت، وهي شركة فرعية جديدة تابعة لأنتراست... وقد احتوى الاتفاق على العناصر التالية: التخلص من الديون التي منعت مشاريع رايت من العودة للعمل، والعمل مع المحامين الجدد لإبرام اتفاق يتم على إثره نقل الملكية الفكرية لرايت. وفي نفس الوقت، الحصول على حقوق نشر قصة حياته. ولذلك فإن الكشف عن حقيقة ساتوشي كانت جزءا من الاتفاق. وأضاف ماثيوز "كان ذلك أهم عنصر في الاتفاق، وساهم في التخلص من نحو 10 ملايين دولار من الديون وتم أيضا، بفضل ذلك العنصر، الاتفاق على توفير إقامة لرايت في لندن".

وكانت الخطة واضحة وجلية؛ فقد أرادوا إحضار رايت إلى لندن وإقامة مركز للبحث والتطوير يعمل فيه ويكون حوالي 30 موظف تحت إمرته. وذلك ليكمل العمل على اختراعاته وأيضا على براءات الاختراع، التي تعد بالمئات ثم يتم بيع كل الاختراعات تحت اسم ساتوشي ناكاموتو، الذي سيكشف عنه كجزء من المشروع.

بعد الانتهاء من الاتفاق، أراد ماثيوز وماكغريغور بيع الملكية الفكرية بمبلغ يفوق المليار دولار. وأخبرني ماكغريغور أنه تحدث مع شركتي "غوغل" و"أوبر"، فضلا عن عدد من البنوك السويسرية. كما أفادني ماثيوز أن "الخطة كانت أن يتم تجهيز كل الاختراعات وبيعها، ولم نكن ننوي تشغيلها".

منذ أن عملت مع جوليان أسانج، تم اختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بي عدة مرات. وليس من الغريب بالنسبة لي أن أكتشف أنه قد تم مسح كل شيء من الكمبيوتر. لذلك كنت حريصا على التأكد من أن رسالة المحامي الالكترونية ليست جزء من عملية غش. لكنني رغبت في معرفة ما يريده المحامي. وقد أدركت أن ماكغريغور، أو شخصا من معارفه، هو من أشار إليه المحامي بكلمة "عميل" في الرسالة الالكترونية. لذلك ذهبت يوم 12 تشرين الثاني/ فبراير، إلى مكتب ماكغريغور قرب أوكسفورد سيركس، وقمت بالتوقيع باستعمال اسم مستعار ثم توجهت إلى مكتب مجلس الإدارة المليء بورق جدران يحتوي على معادلات رياضية. وقد دخل ماكغريغر مرتديا سترة مصممة وجينز. وكان في سترته جيبا أزرق اللون، وكان أيضا مرتديا وشاحا وحذاء بنيا. وعلى الرغم من أنه يبلغ من العمر 47 سنة، إلا أنه بدا وكأنه لم يتجاوز 29 من عمره.

كان كل شيء فيه مدروسا بشكل جيد، فوشاحه كان من طراز ألكسندر ماكوين وسلوكه كان راق جدا. لم يسبق لي أن قابلت شخصا يتحدث بسهولة عن ملايين الدولارات. عندما سألته عن سبب ما يفعله، أجابني قائلا؛ "شراء وبيع، نريد جني بعض الأصفار". حينما تحدث عن رايت، جعله يبدو وكأنه "الإوزة التي تبيض الذهب"، وأخبرني أني إذا ما وافقت على العرض، فإنه سيكون بإمكاني الحصول، حصريا، على تفاصيل القصة وتفاصيل حياة أولئك المحيطين برايت. كما أخبرني أن كتابة القصة ستنتهي بإثبات أن رايت هو ساتوشي وذلك من خلال استخدام مفاتيح التشفير التي لا يمكن إلا لساتوشي الوصول إليها، فهذه المفاتيح مرتبطة بالبلوكات الأولى في سلسلة البلوكات. وأضاف ماكغريغور أن ذلك قد يحدث في إحدى مؤتمرات "تيد" وسيكون ذلك نهاية اللعبة. وبعد ذلك سيتم بيع براءات اختراع رايت الذي سيتمكن من مواصلة حياته بشكل طبيعي. وقال ماكغريغور "رايت يريد فقط السلام لكي يتمكن من مواصلة عمله وأفضل نهاية بالنسبة لي هي عمل ماكغريغور لفائدة غوغل مع 400 باحث".

لكنني أخبرت ماكغريغور أنه سيتم التحقق من ذلك، كما تحدثنا عن المال وتفاوضنا قليلا. لكن بعد عديد المقابلات، قررت أن لا أقبل أي مبلغ مالي. كما سأكتب القصة مثل أي قصة أخرى كتبتها في السابق، أي من خلال المراقبة وإجراء عديد المقابلات وتدوين الملاحظات وجمع الأدلة. لقد طلب مني ماكغريغور أن تحتوي القصة على كل التفاصيل، حتى تلك التي قد تعتبر غير مفيدة، وقد كرر ذلك على مسامعي عدة مرات، لكنني لم أكن متأكدا من مدى فهم ما قصده. فهي قصة تشهد عديد التغيرات وكنت أراقب هذه التغيرات وحدي. فماكغريغور وزملاؤه كانوا مقتنعين أن رايت هو ساتوشي، وكانوا يتصرفون على ذلك الأساس وكأن ذلك الاكتشاف هو نهاية القصة، بدل أن يكون البداية.

وكانت شركة المحاماة جد متحمسة للفكرة، وأنا أيضا كنت متحمسا للغاية. وسرعان ما بدأنا العمل معا وكنت أحاول اكتشاف مزيد من التفاصيل. وإلى تلك المرحلة، لم يعلم أحد من هو غريغ رايت لكن كل الأدلة كانت تشير إلى أنه ساتوشي، فهو يملك القدرة التقنية وله أيضا تاريخ اجتماعي وعملي قد يثبت صحة هذه الشكوك.

واصلت العمل على المشروع ورفضت أي مقترح قد يضيق الخناق على استقلاليتي. فذلك قد يسبب لي مشاكل مع كل من ماكغريغور وماثيوز أو "الرجال أصحاب البدلات السوداء" كما يحلو لي أن أسميهم. في الحقيقة، في الأشهر القليلة الأولى، لم يطلب مني أحد أن أقوم بالتوقيع على أي شيء. كما كانت لي حرية الحصول إلى أي معلومة أردتها. وقد تمكنت من حل بعض الألغاز، لكن بعضها الآخر بقي مبهما. لم يكن هناك شيء أوضح من حقيقة أن ما يحصل كان أمرا مهما للغاية، لذلك يجب أن يتم تسجيل وتوثيق العملية برمتها. قد تكون الرسائل الالكترونية بيني وبين ماكغريغور كافية كأداة إثبات، لكنني شعرت بالضيق لأنني لم أحذره من احتمال عدم انتهاء القصة إذا ما انتهى الاتفاق، فمصالح الإنسان لا تتوقف عند النجاح.

بعد أربعة أسابيع من لقائي الأول مع ماكغريغور، نشر موقع غيزمودو ومجلة وايرد الخبر الذي يفيد بأن رايت هو نفسه ساتوشي. وقد شككت ردود الفعل في مصداقية غريغ رايت. فهل يمكن أن يكون قد ترك "بصمة" زائفة لكي يتم كشفه؟ هل يمكن أن يكون قد زيف شهاداته التي تحصل عليها من عدة جامعات؟ لماذا أنكرت إحدى الشركات ادعائه أنه اشترى منها حاسوبا باستعمال عملة البيتكوين؟. لقد انزعجت شركة أنكريبت من التشهير الذي حصل معتبرة  أن كل واحدة من التهم الموجهة ضد رايت يمكن دحضها بسهولة. ولذلك، نشر رايت ورقة أثبت من خلالها أن "البصمة" لم تكن مزورة وأن أدلة "التشفير" ضده وهمية (لا زال العديد من الأشخاص يناقشون هذه النقطة). كما قام بنشر وثيقة تثبت شرائه لكمبيوتر من الشركة التي أنكرت ذلك. والجدير بالذكر أن جامعة تشارلز ستورت قدمت ما يثبت أنه درس في تلك الجامعة. وقد أرسل لي رايت أيضا نسخة من أطروحته التي قدمها في الدكتوراه، لكن العديد ادّعوا أنها ليست أطروحته.

كنت قد وصلت مبكرا بخمس دقائق إلى مطعم في مايفار. وكان ذلك قبل الساعة الواحدة بعد الزوال يوم 16 كانون الأول/ ديسمبر. كان المطعم مزدحما برجال يرتدون سترات زرقاء وقمصان بيضاء ويأكلون المحار ويشربون النبيذ الراقي. ثم وصل ماكغريغور رفقة كل من رامونا وغريغ رايت البالغ من العمر 45 سنة. وكان رايت يرتدى قميصا أبيضا تحت سترة سوداء وسروال أزرق اللون وحزاما مع مشبك كتب عليه "أرماني" وجوارب خضراء. جلس رايت على الجانب الآخر من الطاولة وطأطأ رأسه، ثم بدأ ماكغريغور بالحديث. أما رامونا فقد كانت ودودة للغاية وكانت تحدثنا عن حياتها في لندن وكأنهم من السياح. ثم طلبنا كلنا، ما عدا رامونا، كأسا من المالباك.

عندما رفع رايت رأسه مبتسما، أدركت أن له ابتسامة لطيفة، لكن أسنانه لم تكن متساوية. وكان هناك ندبة في أعلى أنفه إلى المنطقة التي فقط فوق حاجبه الأيسر. كما يبدو أنه لم يحلق ذقنه منذ أن غادر سيدني. وقد أخبرني رايت أنه، هو أيضا، يريد أن تتضمن القصة كل التفاصيل، حتى تلك التي لا تبدو مهمة؛ فقد كان يشعر أن الجميع سيسيء فهمه. في العادة، لا يزعجه ذلك، إلا أن سوء الفهم قد يهدد عمله في تلك الفترة. أخبرني أيضا أن جيرانه في غوردن لم يكونوا ودودين. وفي هذا السياق، قالت رامونا "إنهم بالكاد يعرفون اسمك"، فأجابها "الآن، أصبحوا يعرفونه جيدا".

وجدت أنه من السهل الحديث معه، فقد أخبرني أن والده عمل في وكالة الأمن القومي (آن آس آي) لكن والدته لا زالت تعتقد أنه عمل مع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). قال غريغ؛ "الأشخاص الذين أهتم بهم، أهتم بهم بشدة وأهتم أيضا بأحوال الناس". كما عبّر عن سعادته لأني سأقوم بكتابة قصته لأنه أراد "أن يدخل التاريخ" ولأنه يريد أن يروي قصة العباقرة الذين تعاونوا معه. كما بدا واضحا أن غريغ ورامونا كانا يعانيان من تعب السفر كما كانا قلقان حيال ما يحصل في سيدني، فقالت رامونا "كنا سنحتفل بعيد الميلاد في الشركة اليوم". سأل ماكغريغور رايت عما إذا كان صحيحا أن الليبرالية تؤثر على عمله أو ما إذا جعله العمل ليبراليا. فأجابه رايت "لطالما كنت ليبراليا". ثم أخبرني أن والده اختطفه بعد طلاقه من والدته.

وكان رايت يكره أن يخبره أحد ما عليه فعله، فهو يؤمن بالحرية، التي كانت إحدى دوافعه الرئيسية التي لطالما حفّزته. وأضاف أن الحوسبة سمحت له أن يبدأ من جديد وتلك هي الحرية بالنسبة له. ولم يتوقف رايت أبدا عن تخيل حياة مختلفة لنفسه.

وفي ظهر ذلك اليوم، بدا رايت منشغلا بقضية اتهامه بأنه ساتوشي وأخبرته رامونا "إذا كنت ترغب في المحافظة على سلامة عقلك، عليك أن تتجاهل ما يشاع في موقع 'رادت'". أما في اليوم الموالي، أي في 17 كانون الأول/ ديسمبر، التقينا مرة أخرى في غرفة خاصة في كلاريدج ودخلت رامونا وكان يبدو عليها الإرهاق والضجر ثم قالت لي "لقد قمنا ببيع أنفسنا".

أما ماكغريغور، فقد قال أنه سيقضي المساء في إعداد الأوراق التي سيقوم رايت بتوقيعها في اليوم التالي وبذلك ستنتقل الملكية الفكرية من رايت إلى شركة أنكريبت، وسيتم إنهاء أهم جزء من الاتفاق. وكان ماكغريغور واثقا أن هذه الصفقة "ستدخل التاريخ" وستغير طريقة عيشنا. كما أنه دائما ما وصف سلسلة البلوكات قائلا: "إنها أعظم اختراع في تاريخ الانترنت". وكان يعتبر أنها ستضيف قيمة للانترنت، تماما كما أفادت الانترنت مجال التواصل.

وفسر ماكغريغور أن شركات رايت الأسترالية سيتم بيعها لأنكريبت وسيتم أيضا حل كل النزاعات مع مكتب الضرائب الأسترالي. وقد كانت أغلب الصراعات مع مكتب الضرائب الاسترالي تتعلق بما إذا كان البيتكوين سلعة أو عملة، وكيف يمكن أن تخضع للقوانين الضريبية. كما كان لمكتب الضرائب شكوكا عما إذا قامت شركات رايت بالقيام بالكثير من البحث والتطوير، كما زعموا، وإذا ما يحق لهم الحصول على الحسومات الضريبية التي طلبتها شركات رايت. وقد زعم بعض النقاد أن غريغ ينشأ الشركات فقط لكي يتمتع بالحسومات الضريبية.

أخبرني رايت أنه كان على شركاته أن تكثف البحوث التي يقومون بها، وذلك للحصول على براءات الاختراع، الأمر الذي كان مفيدا لأن فريق أنكريبت كان على عجلة من أمره، لأن البنوك بعد أن أدركت أهمية العملة المشفرة وسلسلة البلوكات، أصبحت تسارع للحصول على نسخة خاصة بهم من المشروع. في تلك الفترة، كان "بنك أوف أمريكا" يقوم بتسجيل 10 براءات اختراع قال عنها غريغ وفريقه أنهم طالبوا "بحالة التقنية الصناعية السابقة". أما الحكومات فقد أنكرت قيمة البيتكوين واعتبروها غير مستقرة، أو عملة للمجرمين. لكنهم يشيدون الآن بالإمكانيات التقنية التي تقوم عليها البيتكوين. وأخبرني رايت، متحدثا عن مكتب الضرائب الاسترالي "إنهم يتصرفون مثل الأطفال".

ثم نظر ماكغريغور إلى ساعته وقال "أرى أن هذا الاتفاق هو بمثابة لحظة محورية في التاريخ... وكأنه بإمكاننا العودة في التاريخ ومشاهدة بيل غايتس يعمل في مرآبه"، ثم التفت إلى رايت وأضاف "أنت قمت بإصدار اختراعك إلى العالم؛ البعض فهمه بالطريقة الصحيحة والبعض الآخر أخطأ في فهمه. لكن كانت لك رؤية واضحة عن المراحل التالية". فأجابه رايت "لا يمكن لشيء من هذا أن يحصل دون البيتكوين... لكنها ليست إلا العجلة، وأنا أريد بناء السيارة".

وبدت رامونا وكأنها تعاني من الاكتئاب؛ فقد أعربت عن قلقها من أن يتحمل رايت مسؤولية أولئك الذين استخدموا البيتكوين لأغراض مشبوهة. لكن ماكغريغور حاول طمأنتها قائلا "لكنه لم يصدر عملة، إنها تكنولوجيا فقط، ليست أموالا". لكن ذلك لم يجد نفعا. وفي هذا السياق، أضاف ماكغريغور "أنت تحدثت عن المخاطر القانونية، وأنا قدمت لك جوابا قانونيا... أنا متأكد من أن البيتكوين لن يتم ملاحقتها قضائيا". كما عبّر كل من غريغ ورامونا عن قلقهما حيال عديد الأشياء التي قام بها غريغ منذ سنوات بصفته عالم حاسوب. فماضيه المهني بدا مشكوكا فيه، لكنه لم يتحدث كثيرا عن ماضيه خلال اجتماعات الكلاريدج واكتفى فقط بالقول "ما يهم هو ما أفعله الآن، فأنا لست مثاليا، ولن أكون مثاليا أبدا. الكل يتحدث عما ينبغي على ساتوشي أن يكون في الوقت الراهن".

النينجوتسو

كان فريديريك بايدج رايت، والد غريغ، يعمل في الفييتنام مع الكتيبة الثامنة من الجيش الأسترالي. لقد أخبرني غريغ أنه "خسر كل أصدقائه، كلهم! لذلك أصبح عنيفا مع أمي التي تركته في نهاية المطاف. وعندما قابلتها مرة في بريسبان في آذار/ مارس الماضي، أخبرتني أن والده أيضا كان عنيفا مع زوجته". وصرّح غريغ أيضا أن والده كان يحلم في أن يصبح لاعب كرة قدم لكن حلمه لم يتحقق... "أنا لي كسر في الكتف، لكن والدي له كسر أكبر". ثم سألته "هل أنت معجب به؟" فأجابني "لم يكن معجبا بي أبدا، لم أكن أبدا جيدا بما فيه الكفاية بالنسبة إليه. كنا نلعب الشطرنج عندما كنت في سن الثالثة أو الرابعة وكان يلكمني إذا ما قمت بخطوة خاطئة. لم نكن على علاقة جيدة منذ البداية". لكن رايت، خلال طفولته، كان يؤثر عليه شخصين فقط؛ الشخص الأول هو جده رونالد ليمان والذي تدعي عائلته أنه أول شخص تحصل على درجة علمية من كلية ماركوني في أستراليا، كما أنه خدم في الجيش بصفة ضابط إشارات. ويشاع أيضا أنه أصبح لاحقا جاسوسا مع الأجهزة الأمنية الأسترالية. كان غريغ دائما ما يفضل البقاء في الطابق السفلي في منزل جده، إذ يعتبر ذلك المكان جنة من علوم الكمبيوتر البدائية.

وقال، متحدثا عن مكانه المفضل: "كنا نجلس هناك وننظر للكتب المليئة بجداول التسجيل وكنت أحب فعل ذلك". وكان الكابتن ليمان يملك هايز من طراز "80 ـــ 103أ" وكانت تستعمل لتشغيل شبكة جامعة ملبورن. ولكي يبقي غريغ هادئا خلال عمله، كان بوب، كما يناديه الأطفال، يسمح له بكتابة تعليمات برمجية. وقد أبلغني رايت قائلا "وجدت مجموعة من القراصنة وعملت على أن أتمكن من التواصل معهم؛ وبدأت بإنشاء ألعاب وقرصنة ألعاب أناس آخرين ثم بدأت بالعمل مع شركات لمساعدتهم على حماية شبكاتهم من القرصنة".

كما أعلمتني والدته أنه لم يكن مجتهدا في المدرسة وقالت "قمت بإرساله لكلية بادوا، وهي كلية كاثوليكية خاصة تقع في بريسبان، وأصبح مجتهدا هناك، وأصبح مختلفا أيضا. واعتاد أن يرتدي ملابس جميلة وأصبح مهووسا بالثقافة اليابانية وكانت له سيوف ساموراي كبيرة". سألتها "هل كان ذلك في فترة المراهقة؟"، فأجابت "كان يرتدي ملابس الساموراي، مع أحذية خشبية غريبة، وكان يصدر أصواتا تزعج شقيقاته اللاتي عادة ما يتذمرن لأنه يسبب لهن الإحراج... نحن نقطن بالقرب من الحديقة ولنا العديد من الأصدقاء في تلك الحديقة. وكان غريغ يذهب إلى هناك بملابسه الغريبة وكانت له مجموعة من الأصدقاء الأذكياء والمولعين بالعلوم في الثمانينات. كما كانوا عادة ما يأتون لزيارتنا مرتدين نظاراتهم، ويلعبون لعبة "دانجيون ودراغون" لساعات". كما أخبرني غريغ أنه "كانت له مدربة كاراتيه قامت بنقله بسرعة من الكاراتيه إلى الجودو ثم إلى النينجوتسو". وكان غريغ قد كسر أصابعه عدة مرات و"أصبح أقوى" لأن "الألم جعله شخصا مختلفا" بإمكانه تحمل المزيد. إن ما جعله مهتما حقا بالفنون القتالية هو الانضباط حيث تعلم أن تصبح نينجا يشمل 18 قاعدة بما في ذلك: بوجوتسو (تكتيكات) وهنسوجوتسو (التمويه والتمثيل) وإنتنجوتسو (الهروب والتستر) وشينوبي إيري (التسلل). وكل هذه الدروس جعلته أقوى.

وفي عمر الثمانية عشر، انضم رايت لسلاح الجو وأخبرني عن ذلك قائلا "قاموا بوضعي في قبو وطلبوا مني العمل على صنع نظام تفجير وقنابل ذكية، لقد كنا بحاجة لنظام تشفير وبسرعة. نجحت في فعل ذلك". أما عندما أصبح في عمر العشرين، ظهرت عوارض سرطان الجلد على ظهره واضطر للقيام بعدة ترقيعات لجلده. وحين تعافى، ذهب للجامعة وتحصل على شهادات علمية عديدة. لقد ارتاد غريغ جامعة كوينزلاند ليدرس هندسة نظم الحاسوب. أما في السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان ينهي، وأحيانا لا ينهي، دراسته في العلوم الرقمية، والفيزياء النووية، وعلم اللاهوت، وإدارة الأعمال، وأمن الشبكات، والقانون التجاري الدولي والإحصائيات. وخلال أول مقابلة معه، اضطر إلى الرحيل ليذهب إلى منزله حتى يجهز لدرس جديد كان سيبدؤه في جامعة لندن؛ حيث كان ينوي الحصول على ماجستير في التمويل الكمي.

ولاحظت خلال الأشهر التي قضيتها معه، أنه يحب فكرة البطولة وأنه مغرم بالأساطير. وأول وثيقة أرسلها لي كانت أطروحته التي قدمها في الدكتوراه والتي تحمل عنوان "الأصول المعقدة لأساطير الخلق". ولاحظت أن الأطروحة كانت مهداة لماس، مدربة الكاراتيه.

أما أسطورة ساتوشي، فلم يتوقع رايت أن تلقى صدى واسعا. وفي هذا السياق صرّح "لقد تعودنا على استخدام أسماء مستعارة، تلك طبيعة عملنا... أما الآن فالكل يريد أن يكشف ساتوشي عن شخصيته الحقيقية. وفي الواقع نحن لم نتوقع أن يصبح ساتوشي أسطورة شهيرة". لكن مستعملي البيتكوين أعجبوا بساتوشي الذي اخترع شيئا جميلا، والذي اختفى لاحقا. فهم لم يريدوا أن يكون ساتوشي متناقضا أو متبجحا أو سريع الغضب. كما أنهم لا يريدونه أن يكون الرجل الأسترالي الذي يبلغ من العمر 45 سنة والذي يدعى غريغ.

وكنت لطالما أفكر في مدربة الكاراتيه وفي الأثر الذي تركته في حياة غريغ عندما كان شابا. كنت أتذكر دائما ما قاله لي ذات مرة حيث تحدثنا عن فن القص وعن أن معنى الحرية لا يوجد فقط في فنون القتال أو في القدرة على الدفاع على أنفسنا، بل أيضا في القدرة على تغيير أنفسنا. أضاف حينها "علمتني ماس الكثير عن الفلسفة الشرقية وعلمتني كيف أكوّن ذاتي". كما أخبرته ماس عن توميناغا ناكاموتو، والذي اعتبره رايت "فيلسوفا وتاجرا يابانيا، خاصة وأنه قرأ العديد من الترجمات لأعماله التي تعود لأربعينات القرن الثامن عشر".

بعد عدة أسابيع، كنت في مطبخ المنزل الذي يقطن فيه رايت في لندن وكنت بصدد شرب الشاي معه عندما لاحظت وجود كتاب على مائدة المطبخ. وكان الكتاب يحمل عنوان "رؤى الفضيلة في توكوغاوا اليابان". فتوجهت بالسؤال لرايت قائلا "إذن لذلك استعملت كلمة ناكاموتو؟ هل هي الشخصية الثائرة التي تعود للقرن الثامن عشر والتي انتقدت جميع أنواع المعتقدات في تلك الفترة؟" فأجاب بنعم. فسألته "وماذا عن ساتوشي؟" فكانت إجابته "معنى ذلك هو آش أو "الرماد".... في الحقيقة، يجب إحداث تغيير جذري في نظامنا الحالي وهذا ما تفعله العملة المشفرة؛ وكأنها العَنْقَاء."

ـــ إذن ساتوشي هو الرماد الذي خلقت منه العَنْقَاء..

ـــ وآش هو أيضا اسم شخصية سخيفة في الكرتون المسمى "بوكيمون"، إنه اسم ذلك الشخص الذي يملك بيكاتشو.. في اللغة اليابانية، اسم آش يعني ساتوشي

ــ إذن قمت بتسمية مخترع البيتكوين على اسم صاحب البوكيمون؟

ـــ نعم

وينتمي رايت إلى ذلك الجيل الذي أصبحت أعمارهم في أواسط وأواخر الأربعينات والذين يريدون تنفيذ أفكارهم التي راودتهم في عمر المراهقة. أما بالنسبة لرايت، فمثله مثل جيف بيزوس، يؤمن أن طريقة التسوق وطريقة التفكير والعيش ليست إلا قراءة لأحلام راودتهم خلال جلوسهم في إحدى الغرف المربعة الشكل. ففي كتاب رايت المفضل خلال فترة المراهقة، كتب المؤلف فرانك هيربرت "الشخص الذي يجرب العظمة يجب أن يشعر بالأسطورة التي يعيش فيها". وكان رايت قد أخبرني عن هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "دون" قائلا "كانت الرواية تتحدث عن الناس وعن فكرة أننا قد لا نريد أن نترك الأشياء للآلات وأن نقوم بتطوير أنفسنا. لكنني  أختلف مع السيد هيربيرت قليلا. لا يتعلق الأمر بالاختيار بين الإنسان أو الآلة، بل يجب أن نحاول أن نصبح شيئا مختلفا معا". مثل هذه الأفكار هي التي دفعت أبناء جيل رايت من علماء الكمبيوتر أن يسعوا إلى مستقبل أفضل.

بعد أن تحصل رايت على أول شهادة علمية، شغل عدة مناصب في مجال تكنولوجيا المعلومات في عدد من الشركات. كما أصبح معروفا لدى الشركات الناشئة وشركات الأمن وكان دائما قادرا على حل المشاكل وهو ما تحدث عنه زميله السابق روب جنكينز، الذي عمل مع رايت في تلك الفترة ويشغل الآن منصبا رفيعا في واستباك الأسترالي، حيث قال "عندما كنت أقدم غريغ للزملاء والأصدقاء، كنت دائما ما أصفه أنه الشخص الأكثر تأهيلا. عملت مع أشخاص آخرين أذكياء لكن غريغ كان لديه شغف وكان مشروع بيتكوين إحدى الأفكار المشرقة التي كان يتحدث عنها".

وكنت قد طلبت من رايت أن يحدثني عن حياته قبل البيتكوين وما الذي يمكن أي يكون قد أثر فيه لاحقا؟ فقد أردت أن أعرف كل التفاصيل عن الماضي، وعن محاولاته السابقة.

بالعودة إلى سنة 1997، أنشأ تيم ماي ما يسمى بالدارك نت. وكان ماي عالما في التشفير يعمل على نشر علم التشفير في منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر. كما كتب ماي سنة 1988 "إن تكنولوجيا المعلومات ستوفر إمكانية تواصل الناس مع بعضهم البعض بطريقة خفية ودون الكشف عن هوياتهم". وكان الدارك نت إحدى العناصر التي أدت إلى انتشار تسريبات الويكيليكس. فهي التي سهلت عملية الحصول على معلومات سرية. وأخبرني رايت قائلا "كلنا لدينا غطرسة نرجسية". كما أفادني رايت أنه كان يأمل في أن يطور فكرة ماي المتعلقة بالبلاك نت. وكان أيضا متحمسا لذلك. لكنه أصبح مهتما أكثر بالهاش كاش والبي ماني. فالفكرة وراء الهاش كاش تتعلق بخوارزميات تسمح بأن تُنفذ مجموعة صغيرة من الحواسيب مهمة صغيرة يمكن التحقق من صحتها على الفور. (الأمر الذي يجعل مهمة القراصنة مستحيلة فهم يعتمدون على عملية إرسال عديد الرسائل الاكترونية). وتجدر الاشارة إلى أن الهاش كاش كان عنصرا أساسيا في عملية إنشاء البيتكوين. وأخبرني رايت أنه تحدث مع آدام باك والذي اقترح العمل بالهاش كاش سنة 1997 وأيضا في سنة 2008، حين كان رايت يقوم بالمحاولات الأولى بإطلاق البيتكوين. 

أما "البي ماني" فقد اخترعه واي داي. وفي فترة إنشاء البي ماني، كتب داي ورقة افترض فيها احتمال "إنشاء شبكة لا يمكن تعقبها تمكّن المرسلين والمستقبلين من اختيار أسماء رقمية مستعارة (المفتاح المعلن). كما أن كل رسالة يتم إرفاقها بتوقيع من المرسل. وعندما تصل للمتقبل، تكون مشفرة".

وقد قال جون لانشيستر متحدثا "للندن ريفيو أوف بوكس"؛ إن المفتاح العلني "شبيه بمفتاح خاص يمكنك من الدخول إلى عنوان معين". والمفتاح هو عبارة عن سلسلة من الأرقام والأعداد. ويشير إلى ملكية شخص ما لعنوان معين. ويستعمل المفتاح الواحد من قبل شخص واحد. كما قام واي أيضا باقتراح نظام لتبادل ونقل الأموال، وقال إنه "بإمكان أي شخص الحصول على المال من خلال اقتراح حل لأي مشكلة تتعلق بالحاسوب". كما لهذا النظام طرق لمكافأة العمل الذي يتم القيام به. وتحدث رايت عن هذا النظام قائلا "لقد أعجبني البي ماني كثيرا. وكان ملهما لي خلال وضعي لرمز التشفير الخاص ببتكوين". وكان رايت عادة ما يتوخى الحذرعند ذكر أسماء مطورين آخرين، لكنه أخبرني أن واي ساعده كثيرا. وأضاف أن واي قد يعتبر أن البيتكوين مجرّد هراء وأن المشروع ككل غير متماسك رياضيا.

ـــ هل قال وي ذلك؟

ـــ وي كان مهذبا جدا لكن آخرين قالوا ذلك؛ مثل آدام باك ونيك زابو. فهم يريدون الأناقة إذا ما تعلق الأمر بإيجاد حلول للمشاكل خاصة وأنهم يعتبرون أن نظام التنقيب في البيتكوين غير مجد.

ـــ هل أن هؤلاء المختصون في العملة المشفرة يشعرون أنهم يخوضون منافسة؟

ـــ نعم، لكن لا يهم!

كليمان

كانت الشقة الكائنة في مارليبون والتي قابلت فيها رايت تحتوي على ستائر خشبية وزخرفات عصرية  وعديد الصور خاصة صور للغربان. عندما وصلت للشقة، كان غريغ ورامونا في المدينة للتوقيع على نقل الملكية الفكرية لآنتراست ثم وصلا للشقة بعد ساعتين من وصولي. وسألته خلال تلك المقابلة "متى أدركت أن مسألة ساتوشي لم تظل سرا للأبد؟".

ـــ في الآونة الأخيرة. لم أعتقد أنه هناك حاجة لكشف الشخصية الحقيقية التي تقف وراء ساتوشي. فقد كنت أعتقد أنه بإمكاني تركه كتخمين. فلم نكن بحاجة للتوقيع باستعمال مفاتيح ساتوشي. ولدينا الآن عديد المئات من براءات الاختراع التي يتم دراستها. سنبدأ السنة المقبلة في إطلاقها للعلن. لقد آمنا أنه سيتم طرح عديد الأسئلة، لكننا اعتقدنا أن إخفاء الأمر سيكون سهلا.

ـــ ما الذي تغير إذن؟

أجابت رامونا بكلمة واحدة: "روب"

في ذلك اليوم، قمنا بإحضار قهوة ثم عدنا للشقة. وحاولنا التعمق فيما فعله رايت وما قال أنه فعله. فقمنا بوضع لوحات بيضاء وبدأ يربكني بمعادلاته الرياضية. قد يقضي رايت ساعات يكتب على اللوحة ثم يقوم بإحضار الكتاب والإشارة إلى بعض النظريات والبراهين .في الحقيقة، يبدو أن رايت يجد صعوبة في تفسير وجهة نظره، وذلك عكس عديد العلماء الذي عملوا معه.

ومن أهم ما لاحظته في رايت أنه كان يكره الاعتراف بأنه ساتوشي. فقد كان يقضي ساعات يتحدث عن أولئك الذي ساعدوه في إنشاء البيتكوين. وكان ذلك غريبا، فقد كنا لوحدنا في الغرفة عندما اعترف أنه ساتوشي، وبدا واضحا أنه كان يشعر بالخجل. لكنه كان أيضا يستمتع بالأضواء المسلطة عليه، الأمر الذي قد يوقعه في مشاكل. لكن فكرة التحدث بصفته ساتوشي عادة ما تجعله يشعر بالفزع. فقد قال "أخشى أن يدققوا في أعمالي لأنني الشخصية الحقيقية لساتوشي... كما أريد أن يعجب الناس بمشروعي لا بما أنا عليه".

وكان دايفيد كليمان أهم شخص في حياة رايت الشخصية، فهو الرجل الذي قال عنه رايت أنه ساعده في إنهاء عمل ساتوشي. وكانا قد تعرفا على الانترنت، حيث كانا يرتادان نفس المنتديات التي تعنى بالتشفير .ثم بدآ التواصل منذ سنة 2003. وكان كلاهما مهتمان بمجال الأمن الرقمي، وعلوم الحاسوب ومستقبل المالية. كان كليمان مقاتلا سابقا في الجيش ومولعا بالرياضة وبالتكنولوجيا، وعاش في ريفيرا بيتش في ولاية فلوريدا. كما عمل بين سنتي 1986 و1990 فني مروحيات في الجيش. اكتشفت، عندما دققت في حياة كليمان، أنه عمل أيضا في مجال علوم الحاسوب لفائدة وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة ثم أصبح نائبا في مكتب الشريف في مقاطعة بالم بيتش. لكنه أصبح مقعدا سنة 1995 بعد أن تعرض لحادث. وعُرف كليمان باستهلاكه للمخدرات. كما كان مولعا بلعب القمار على الانترنت وبعديد الأنشطة غير المشروعة. هناك أدلة تشير إلى علاقته بموقع "سيلك روود"، وهو عبارة عن سوق الكترونية لبيع منتجات غير مشروعة. وبعد تعرضه للحادث، كرس نفسه لعلم الحاسوب وقام بإنشاء شركة أطلق عليها إسم "كبيوتر فورانسيكس".

ثم ظهر موقع "نابستر" (من بنات أفكار مراهق يدعى شون فانينغ) سنة 1999. وقد مكن هذا الموقع مستخديه من مشاركة ملفات موسيقية عبر الانترنت دون الحاجة لخادم مركزي حيث كانت عملية المشاركة "الند للند" وكان هذا النظام مألوفا فقط بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون حقا بقيمة الانترنت. وكان موقع نابستر سهل الاستخدام، كما جعل عملية تبادل الملفات أمرا سهلا للغاية مما جعل النموذج القديم لحقوق المؤلفين أمرا غير مهم. لذلك توقف الناس عن شراء الأقراص المضغوطة خاصة عملية الحصول على الموسيقى أصبحت مجانية. لذلك، أصبح مجال صناعة الموسيقى أمام خيارين: إما التجديد أو الاضمحلال.

وقد أخبرني رايت أن له محادثات مع كليمان كانت حول نظام تبادل الملفات. ثم كتبا سنة 2007 كتيبا حول القرصنة. وقال رايت "كنت أعرض أفكاري عليه... فقد كنت بارعا جدا في الرياضيات. لكني لم أحسن التعامل مع الناس". كان كليمان الشخص الوحيد الذي تحمله، على الرغم من أن عديد الناس عجزوا عن ذلك. وبعد فترة بدأ كليمان ورايت في الحديث عن طرق جديدة لاستعمال نابستر في مجالات أخرى كما أرادوا إيجاد حلول لبعض المشاكل المتعلقة بالتشفير.

كان ينبغي عليّ أن أوضح أن رايت لم يتحدث أبدا بشكل كامل عن كيفية إنشائه للبيتكوين، لكنني واصلت طرح أسئلة عليه حول ذلك الموضوع، إلا أنه لم يكن صريحا.

ـــ أخبرني كيف راودتك فكرة ساتوشي؟

ـــ أعتقد أن الفكرة الأولية تعلقت برغبتي في وجود أسماء مستعارة لا يمكن الكشف عنها

ـــ إذن، هل كانت فكرتك أنت؟

ــ أعتقد ذلك

ـــ هل أدركت في وقت ما أنك بحاجة للكشف عن شخصية ساتوشي؟

ـــ أردت أن يتواصل الناس معنا لكنني لم أرد أن يتواصلوا معي شخصيا. فقد تحدثت مع بعض الناس الذي انزعجوا عندما عرفوا أنني ساتوشي... بدأت سلسلة البلوكات كفكرة شبيهة بفكرة "دفتر الحسابات"، لكن كانت هناك عديد النقائص التي يجب التعامل معها. إذ أدركنا أنه يجب توزيع بعض المهام على بعض الناس، على الرغم من وجود مخاوف من أن لا يتعاونوا معنا. أليس أمرا مروعا أن لا تتمكن من أن تكسب ثقة الآخرين؟ عليك دائما أن تحفز الناس لكي يتعاملوا معك وذلك من خلال منحهم الفرصة لكسب شيء ما. وكما قال آدام سميث: الأمر لا يتعلق بطيبة القلب، أو باهتمام الجزار أو الخباز بك. بل هم يهتمون بعائلاتهم. فالأيادي الخفية هي التي تحرك المجتمع.

ثم طلبت منه أن يشرح بداية سلسلة البلوكات بكلام عامي يمكن فهمه، لكنه بدأ في التفسير باستعمال مفردات معقدة. فلنتجاهل كل ذلك، فسلسلة البلوكات بدأت أشبه "بدفتر الحسابات" حيث يمكن لعديد الأشخاص أن يطّلعوا عليه وأن يكون لهم نسخة منه. ولا توجد أية سلطة مركزية مسؤولة عن ذلك الدفتر، لكن لا يمكن الجدال حول أي تغيير قد يطرأ عليه.

كنت قد أحضرت عديد ألواح الكتابة البيضاء، حيث كان رايت يتوجه، خلال حديثنا، إلى إحدى هذه اللوحات ويشرع في كتابة صيغ رياضية ورسم أسهم وأقواس ومنحنيات. وقد أخبرتني زوجته رامونا أنه، خلال الاستحمام، قد يقف عاريا ويقوم بكتابة صيغ على الزجاج المغطى بالبخار.

ـــ هل هناك شخص أساسي مسؤول عن الرياضيات؟

ــ كنت أنا، لم يكن دايف عالم رياضيات. كان فقط حريصا على أن أبسط كل ما يتعلق بالرياضيات.

ـــ كيف جعلك تبسطها؟

ـــ كان هناك جزء في الورقة البيضاء قال عنه الناس أنه يصعب فهمه

ــــ هل أرادك أن تستعمل لغة أسهل؟

ــــ أسهل بكثير. إنه أمر بسيط. فعديد العناصر لم يتم التطرق إليها في الورقة، إلا أنها موجودة وواضحة.

ثم طلبت منه أن يطلعني على تسلسل الأفكار الذي أدى إلى تعاونهم، فأشار إلى أطروحة تحتوي على 337 صفحة كان قد قدمها مؤخرا لينال شهادة الدكتوراه في مجال الفلسفة من جامعة تشارلز ستورت.

أما سنة 2008، فقد كانت "خليطا" حيث قال، عندما سألته عما إذا كان تطور البيتكوين نتيجة للأزمة المالية: "إن الأزمة كانت 'عاصفة مثالية' نوعا ما... تحدثت خلال السنة الماضية إلى واي داي. وأخبرني أنه كان له ولهال فيني عديد الأفكار المتعلقة بالمال. لكن فيني كان الوحيد الذي آمن بما قلته، وكان أول من حصل على البيتكوين"

بعد فترة، خلال مقابلاتنا، أصبح غريغ يرتدي بدلات ذات ثلاث قطع. وكانت ربطات عنقه من طراز السبعينات ولها ألوان غريبة. كما كان مشتت الأفكار وعادة ما يتوقف عن الحديث عن نقطة ما ولا يعود إليها أبدا. لم يكن يمثل ساتوشي الذي تخيله الناس. بل بالعكس، كان عكس ساتوشيتماما. فهو عادة ما يروي قصصا ضد نفسه حتى وإن كانت غير صحيحة. كما كان مهووسا بوجهات نظر خصومه، لكن لم تكن له أي إجابة شافية عن تساؤلاتهم. وقد أعاد عبارة "أنا أحمق"عدة مرات. لكن ذلك غير صحيح، فقط كان لطيفا لكنه كان متغطرسا نوعا ما إذا ما تعلق الأمر بالرياضيات وعلوم الحاسوب وهو أمر يمكن تفهمه. كما كانت له عادة الإخفاء والكذب حول أشياء صغيرة بهدف تسليط الضوء على أشياء أكبر. وقد طلبت منه ذات مرة أن يرسل لي رسالة الكترونية من حساب ساتوشي الأصلي:

ــ أيمكنك فعل ذلك؟

ـــ نعم. لكنني بحاجة لاستشارة روب.

لكن عندما سألت ماكغريغور، أخبرني أن ذلك غير صحيح. فهو، بكل بساطة، لم يرد إرسال تلك الرسالة الالكترونية أو لم يرد أن يقدم مثل تلك المعلومات. وذلك يعتبر أمرا مؤسفا خاصة وأنه قد بدر من شخص وافق على مقابلة كاتب بشكل يومي. بدا أن لديه معرفة كاملة حول الحساب الالكتروني لساتوشي لكنه كان يبدي رفضه لإثبات ذلك. اعتقدت في البداية أنه يعاني من أزمة وجودية حيث بدا شبيها ببطل "بيلوز دانغلينغ مان"، فهو ذكي لكنه غير اجتماعي. لكن مع مرور الأيام، بدا لي وكأنه بطل روسي رومانسي يعيش في خمسينيات القرن التاسع عشر. بطل لديه أسرار ولا يثبت نفسه إلا من خلال الكلام. كان رايت يتحدث كل يوم وكان يدعوني صديقه حيث بكى وصرخ وتحدث عن طفولته وعن والده. كما ادعى أنه ساتوشي وتحدث عن ساتوشي وعن أفكاره وعما فعل. وذكر أولئك الذي أساؤوا فهم اختراعه وأين يجب أن يتوجه مشروع البيتكوين الآن.

بعد فترة، انتقلت لمكتب في بيكاديللي وواصلت القيام بعديد المقابلات وواصل رايت التحدث دون توقف ودون أي توجيه. كان دائما ما يجد صعوبة في إيجاد إجابة واضحة لأسئلتي. فعندما طلبت منه أن أطلع على الرسائل الالكترونية التي تبادلها مع كليمان، تجاهلني وادعى أن علاقته مع زوجته الأولى لم تكن جيدة. فهمت أنهما ربما تحدثا عنها في تلك الرسائل فطلبت منه أن يقوم بتعديل الرسائل من أجلي. فأجابني "لا أعرف إن كان بإمكاني العثور عليهم". لكن في نهاية المطاف، أرسل لي مجموعة من الرسائل التي بدت أصلية. وقد أثبتت بعض هذه الرسائل ما جاء في المقالات التي نشرتها غيزمو ووايرد. لكن رايت كان دائما ما يقول أن ما نشره هذين المصدرين كان نتيجة "تسريب" نفذه موظف قام بسرقة قرص صلب. لكن في كل الأحوال، بينت الرسائل رجلين لهما عادات غامضة لكن لهما أيضا درجة عالية من القدرات الفكرية. وتعود أول رسالة الكترونية أرسلها رايت لكليمان إلى تاريخ 27 تشرين التاني/ نوفمبر من سنة 2007. وكان رايت يعمل في تلك الفترة لفائدة شركة المحاسبة الاسترالية "بي دي أو كيندالز". وفي إحدى الرسائل، قال رايت "سنقوم باختراع شيء عظيم في السنة القادمة يا ديف، سأخبرك عن التفاصيل، لكن ليس الآن". وقد أرسل رايت هذه الرسالة بتاريخ 22 كانون الأول / ديسمبر 2007. فأجابه ديف قائلا "آمل أن نتمكن من أن نتقابل حتى نتمكن من تقاسم ممتلكاتنا ومن إجراء محادثة غير رسمية عوض تبادل الرسائل الالكترونية". تم الحديث عن البيتكوين لأول مرة بتاريخ 12 آذار/مارس من سنة 2008. فقد طلب رايت من ديف أن يتم مساعدته في تحرير ورقة سيقوم بنشرها في تلك السنة. كما أخبره أنه بصدد العمل على عملة الكترونية.

أخبرني رايت أنه كان مسؤولا عن الترميز وقام ديف بمساعدته في تحرير الورقة البيضاء وجعل اللغة المستعملة أسهل. وقد نتخيل أن ذلك أمر صعب للغاية لكن رايت أخبرني أنهم تحدثوا فقط عن طريق الهاتف والرسائل ثم قام رايت بنشر الورقة البيضاء بتاريخ 31 تشرين الأول / أكتوبر سنة 2008.

وفي 27 كانون الأول / ديسمبر سنة 2008، بعد أن طرد رايت من عمله، أرسل رسالة إلكترونية لكليمان قال فيها "قد تغضب زوجتي، لكني لن أعود للعمل. فأنا أحتاج لمزيد من الوقت لتنظيم أفكاري... فقد قمنا بنشر الورقة. وبدأت ردود الفعل. على الناس أن يتمسكوا بالعلم وأن يتخلوا عن مواقفهم المُسّيسة، فقد أخبرني رايت أن عملية إطلاق البروتوكول التي تمت في كانون الثاني/يناير، لم تكن سهلة".

وأضاف رايت "كان هال فيني أول من حصل على معاملة بيتكوين. وتشير إحدى سلسلات البلوكات إلى تلك المعاملة التي تمت في 12 كانون الثاني/يناير سنة 2009 وهي المعاملة الوحيدة التي قام بها ساتوشي والتي يمكن الاطلاع عليها. وقد قام ساتوشي أيضا بأربعة معاملات أخرى في نفس ذلك اليوم. وعندما سألت رايت عن الأشخاص الذين استفادوا من تلك المعاملات أجاب قائلا "هال، ديف وأنا... وشخص آخر لا يمكنني الحديث عنه لأنه لا يحق لي ذلك". وكنت أيضا قد طلبت من رايت أن يطلعني على الرسائل التي تبادلها مع واي داي وغافن أندرسن ومايك هيرن الذي كان يعمل مهندسا لفائدة شركة غوغل. لكن رايت أخبرني أنه قام بحذف كل الرسائل خوفا من مكتب الضرائب الاسترالي. وكان واضحا أن رايت لا يريد الكشف عن كل المعلومات المتعلقة بماضيه.

وفي إحدى الرسائل الالكترونية، كتب كليمان لرايت "غريغ، تعلم أنني سأكون معك دائما. لقد نجحت في إحداث تغيير في نموذج وضعه بعض الأكاديميين منذ أكثر من عقد. هل تعتقد أن ذلك سيجعلهم سعداء؟ أعلم أنك قد ترفض ما سأقوله، لكن حاول أن تأخذ آرائهم على محمل الجد." وبدا كليمان وكأنه ذلك الرجل المريض الذي يقضي ساعات أمام شاشة الحاسوب في مزرعته الصغيرة في ريفيرا بيتش في ولاية فلوريدا. وبعد أن أرسل تلك الرسالة الإلكترونية، قضى كليمان فترة طويلة في المستشفى.

بعد ذلك، اتفق رايت وكليمان أن يلتقيا في مؤتمر عقد يوم 11 آذار/ مارس سنة 2009. وخلال فترة بقائهما في فلوريدا، نزل رايت ولين في فندق "ديزني كورونادو سبرينغز".

وخلال زيارتي لأستراليا، التقيت بلين سي تشاتسوود. وأخبرتني أنها تعرفت على غريغ على الانترنت. وكانت تعمل مديرة تمريض في وحدة العناية المركزة في مستشفى عسكري في أوتاوا. وأضافت أن رايت طلب يدها للزواج بعد 6 أسابيع من لقائهما على الانترنت. وعندما ذهبت لسيدني لزيارته، أحضر معه خاتما للمطار. وقالت لين "كان عمري حينها 44 سنة وكان هو في 26" وقد كان ذلك أول زواج لكليهما.

كما قالت لين "كان شخصا ناضجا جدا رغم أنه كان يبلغ من العمر 26 سنة. وكان دائما يأمل أن يكون الأفضل حتى وإن كلفه ذلك إلحاق الضرر بالغير". وقد عملت لين لفائدة رايت في فترة ما. وقد أخبرتني لين أنه كان خائفا من أن ينقلب السحر على الساحر وأن يتم محاسبته على عمله في مجال الأمن الرقمي. وذلك الخوف ليس من فراغ، فقد أعلمتني بعض المصادر أن رايت وكليمان كانا متورطين في ألعاب قمار غير مشروعة. كما أعلمتني لين أنها كانت متفطنة إلى أن رايت كان يعمل على مشروع ما لكنها لم تطرح عليه أي أسئلة فهو عادة ما يغضب إن لم تفهمه.  كما قالت إن له شخصية مضطربة اجتماعيا لكنه كان معجبا جدا بكليمان وهي أيضا كانت معجبة به. وقالت، متحدثة عن كليمان "كان يحب الحياة، وكان له عقل لامع. كما أنه لطيف جدا" ثم تذكرت رحلتها لأورلاندو مع رايت؛ فقالت "التقينا مع كليمان في إحدى الحانات. كان رجلا شابا، في الثلاثينات أو في بداية الأربعينات وله شعر بني وشوارب. كان يحب أن يقضي وقتا رائعا وأن يستمتع بوقته. وقد بدا رايت وكأنه شخص آخر عندما كان برفقة كليمان. أنا حقا أتمنى أن أصبح مثل كليمان، فقد نجح في تغيير شخصية غريغ. وأعتقد أن رايت أيضا يطمح إلى أن يصبح مثله".

ـــ هل أراد ذلك لأنه معجب بمزاج ديف؟

ـــ نعم! فقد كان كليمان يعامل رايت معاملة جيدة. كما جعله يدرك أن الحياة لا يمكن أن تمنحك دائما ما تتمنى. كما أدرك رايت أنه أخطأ عدة مرات وأنه ليس شخصا مثاليا".

ويقال إن التحكم في عناصر البيتكوين أصبح من مهمة أندرسون. وكان رايت قد أرسل رسالة إلكترونية إلي كليمان بتاريخ 10 أيلول /سبتمبر سنة 2011، أخبره فيها أنه لن يتمكن من أن يواصل العمل على البيتكوين. فالاسم المستعار أصبح مشهورا بطريقة لم يتوقعها. وربما انسحب رايت خوفا من مكتب الضرائب الأسترالي. وقام رايت بتأسيس شركة "توليب تراست" وذلك في حزيران/يونيو 2011. كما طلب رايت من كليمان أن يوقع على اتفاق ينص على أنه يملك 1.100.111 بيتكوين (أي ما يعادل 100 ألف جنيه استرليني). وفي الحقيقة، لا يوجد أي دليل يشير إلى أن كليمان كان يملك ذلك المبلغ حقا. مع ذلك، كان هناك اتفاق آخر يقضي بأن يتلقى كليمان 350 ألف بيتكوين وقد تم تنفيذ الاتفاق. كما يمكن لرايت أن يطلب الحصول على قرض من البيتكوين للأسباب التالية: تعزيز البحث في أنظمة الند للند، والأنشطة التجارية التي تعزز قيمة ومكانة البيتكوين. وفي جميع الأحوال، سيتم منح هذه القروض خارج أستراليا والولايات المتحدة إلى أن يتم الاعتراف رسميا بالبيتكوين.

كتب، في رسالة البريد الإلكتروني التي سيرسلها لرايت  في 24 من يونيو/حزيران 2011، محاولا التنصل من الرقابة القانونية أنه "أظن أن هذا ضرب من الجنون والمجازفة لكنني أؤمن حق الإيمان بالذي نقوم به". وفي الأثناء ، كان من الجلي أن رايت ازداد إحباطا. فقد أراد نيل الشهرة لكنه في نفس الوقت كان يتنصل منها وكان يتحرق شوقا إلى الاعتراف بما أنجزه لكنه كان يدعي أن أمنيته الوحيدة تكمن في العودة إلى طاولة مكتبه. كتب لكلاينمان في 23 أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام أنه "هناك أشخاص تروق لهم هويتي السرية ولكنهم في الواقع يكرهونني". كما أضاف قائلا أنه "لدي المئات من الدراسات بينما لا يملك ساتوشي سوى ورقة لعينة واحدة ولا أستطيع أن أجد صلة تربطني مع نفسي. لقد تعبت حقا من كل هذا الهراء يا دايف، لقد سئمت من الهجمات الأكاديمية، ومن التتبعات الضريبية، ومن كل المراوغات والخدع، ومن فكرة نقل أشيائي عبر البحار في حالة نجاحي.

لقد بدأت أشعر أن هناك أسرارا دفينة بين رايت وكلايمان من الممكن أن لا تُكشف أبدا. في العادة يلتزم رايت الصمت عندما تُوجّه إليه أسئلة حول كلايمان والأموال. في يوم من الأيام، أراني جزءا من برمجيات قال أن الأمن الداخلي الأمريكي قد صادرها منهما (هو وكلايمان). ابتسم عندما سألته عما إذا كان ما فعلته السلطات الأمنية الأمريكية يندرج ضمن خصوصيات عملها. أول ما يسأل عنه معظم الناس عندما يذكر اسم ساتوشي هو كنز البيتكوين المزعوم: لقد اخترع هذا الشيء وقام بخلق سلسلة التكوين والتنقيب عن البيتكوين منذ البداية. إذن في هذه الحالة أين تقبع أموال رايت وكلايمان؟ كنت أقوم بمسح جميع الرسائل الواردة من كلاين عند استلامها لكن في غضون العشرات من الساعات المتواصلة من المحادثة مع رايت لم يذكر لي كم  يبلغ عدد عملات البيتكوين التي تم التنقيب عنها. لقد كنت واعيا آنذاك وقد كان رايت على علم بما أعي لأنني أخبرته مرات عدة أنه لم يعطنا حسابا كاملا عن كل شيء قد حصل بينه وبين كلاينمان. قال أن الأمر معقد  نوعا ما، وستتم مناقشته في دقائق معدودة خلال الوقت المحدد للاجتماع المنعقد بين مكتب الضريبة الأسترالي والممثلين عن شركة رايت الأسترالية في سيدني في 26 فبراير / شباط سنة 2014. وخلال هذه الدقائق تعمق ممثل رايت، جون تشيشاير، في تفاصيل التعاون المالي بين رايت وكلاين، وتكتم عن إخباري بهذه القصة لسبب من الأسباب. قال تشيشاير أن رايت وكلايمان قد أنشآ شركة تدعى دابليو كاي اينفو ديفانس، وهي شركة أُسست بهدف التنقيب عن البيتكوين. وقد وضعت البعض من عملات البيتكوين تحت توكيل السيشال والبعض الآخر في سنغافورة. ووفقا لتشيشاير، فقد امتلك رايت قرابة 1.1 مليون بيتكوين. وفي وقت من الأوقات كان يمتلك 10 بالمائة من إجمالي البيتكوين الموجودة في عهدة تلك البلدان وامتلك السيد كلايمان  في المقابل نفس النصيب.

سألت رايت وقد أكد لي صحة هذه المعطيات التي أدت بأعمال التنقيب إلى مرحلة معقدة من التوكيل. تواصل السؤال عن مسألة التوكيل الغامضة، فالسؤال المطروح لم يكن فقط عن عدد التوكيلات بل عن أسماء الموكلين وتاريخ تكوينهم. الحقيقة الوحيدة التي لا تتغير كانت الكم الهائل من عملات البيتكوين الذي قال رايت أنه امتلكه في يوم من الأيام، أي 1.1 مليون بيتكوين. قال أن عملات البيتكوين من المحتمل أن لا يتم نقلها إلا بموافقة الموكلين. وقال أيضا أن كلايمان قد أعطى 350 ألف بيتكوين لكنه لم يقم بنقلها بل احتفظ بها في قرص صلب شخصي.

قام رايت أيضا بتأسيس شركة وهمية في المملكة المتحدة. وكتب كلايمان في 10 ديسمبر/ كانون الأول سنة 2012 "إنني أعلم ما تريد وأعلم حجم الصبر الذي تتحلى به لكن نحتاج حقا لتطبيق هذا الحق وإن فشلت يمكنك البداية من جديد". من الممكن أن كلايمان كان يشير إلى قدرتهما على التنقيب عن البيتكوين وإرسالها بعيدا. لكن من المؤكد أنه كان قلقا حول إمكانية رايت في التأقلم مع كل هذه الاتهامات وقلقا أيضا حول سلوكه الانتحاري الذي يعتمده تجاه سلطات الجباية. وأضاف "إني أحبك مثل أخي يا غريغ لكنك حقا شخص صعب المراس ومن الصعب التقرب منه، إنك تحتاج إلى أن يكون هناك أناس في حياتك وكفاك صدا لهم. لديك الآن أكثر من مليون بيتكون في الوكالة إذن ابدأ بالتخطيط لحياتك ومستقبل عائلتك".

في هذه الأثناء، بدأت الهاوية في مجال التكنولوجيا يويان نغويان، والبالغة من العمر 18 ربيعا بالعمل معهم وقد بدت متحمسة حول الفكرة الجديدة. وسرعان ما وكلها كلايمان مديرة مساعدة في شركتهم وأصبحت شخصية ذات سلطة ونفوذ في الوكالة. ولم يكن واضحا كم يمكن لشخص فتي ولا يمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال أن يكون له هذا القدر من التأثير. أخبرني رايت أنها كانت "متقلبة المزاج وخارجة عن السيطرة" وأضاف كلايمان أنه قد أعجب بقدرات هذه الشابة خاصة ولاءها وأحقيتها بالثقة لكنها "أرادت أن تمد يد المساعدة وهو ما أدّى دائما إلى حدوث مشاكل".

بينما كنت أعد هذه القصة بدا لي رايت قلقا بشأن نغويان. لطالما شعرت أنه عالق وسط كذبة معقدة لا مناص منها عندما يتحدث عنها. قال لي في أحد الأيام أن "طريقتي في الكذب تجعلك تعتقد في شيء وإن توقفت عن التساؤل، وبعدها ذهبت ولم أصلح الخطأ الذي ارتكبته، فهنا تكمن كذبتي".

في نهاية سنة 2012، بدأ دايف يواجه الفشل  وكما أخبرتني ممرضته، لين رايت ،"فقد أصابه شلل نصفي وتعكرت حالته الصحية"، كما أن "تقرحات الفراش قد ازدادت سوءا ولم يعد في استطاعة الأطباء معالجة الإلتهابات". كان دايف يدخل ويخرج من المشفى مرارا وتكرارا ولم أعرف حقا ما نوع الحياة التي كان يعيشها. أخبرني رايت أن كلايمان كانت له العديد من الصديقات لكنه جزم أنه لا يعرف الكثير عن عائلتهن. فمثلا التقى كل من رايت وزوجته الأولى، في إحدى غرف الدردشة ولم يلتقيا وجها لوجه سوى مرات قليلة. من البديهي أن كلايمان كان يلازم الجلوس أمام حاسوبه ليلا نهارا وكلما ازدادت صحته سوءا ازدادت عزلته وانزواءه عن العالم الخارجي. بعيد الساعة السادسة مساءا وتحديدا في 27 أبريل/ نيسان سنة 2013 وجد دايف كلايمان ميتا؛ لقد كان جالسا في كرسيه المتحرك ورأسه فوق يده، وبالقرب منه وجد فوق السرير مسدس نصف أوتوماتيكي عيار0.45 وزجاجة ويسكي وذخيرة كاملة. وفي الفراش على بعد بضعة أقدام من مكان جلوسه، وجد ثقب رصاصة، لكن كلايمان مات جراء مرض القلب المزمن فقد بيّنت التحاليل فيما بعد أنه تم العثور على نسب عالية من الأدوية في دمه ونسب معتدلة من مخدر الكوكايين.

قال لي رايت مرة  "لم نعرف أبدا أننا نحن من ابتكر شخصية ساتوشي، لقد كان جيدا لقد انتهى وقد كان أمرا رائع لكن لا أظن أننا فكرنا مليّا في مدى الشهرة التي يمكن أن تصل إليه هذه الشخصية الوهمية".

-ألم يكن بينكما أي نوع من المحادثات حول كيفية إنهاء هذه العملية التي جعلت من ساتوشي المعلم الأكبر؟

-فأجابه رايت "لقد اعتقدنا أنه أمر ممتع". أخذ استراحة قصيرة، هز رأسه ثم انهار باكيا "لقد أحببت دايف ووددت لو رأيته مرة أخرى وتحدثت معه أكثر وسعيت جاهدا أن ينال قدرا من المال يسمح له بالمعالجة في إحدى المستشفيات المحترمة. لا أعتقد أنه كان له الحق في إخفاء مرضه".

سأله أندرو اوهغان: ما الذي كان يحدث معه؟

أجابه غريغ رايت: "لم يكن بعهدة كلاينا المال، أقصد هنا أوراقا نقدية، لقد كانت لدينا أموال في ليبيرتي و تبادل في كوستا ريكا لكن السلطات الأمريكية ضيقت الخناق علينا وجمدت أرصدتنا ولم تترك أي مجال لعمليات غسيل الأموال. كان لدايف كلاينمان حوالي 350 ألف عملة بيتكوين كان يحتفظ بها في قرص صلب".

لقد أمل في أن....

"كما قلت سابقا، لم تكن تلك العملة في ذلك الوقت ذات قيمة تُذكر، فقد تضاعفت قيمتها 25 مرة بعد مرور أسبوع على وفاته".

واصل رايت هز رأسه ومسح الدموع التي انسكبت من عينيه. وأصر على قول أن المعلقين لم يفهموا أبدا أن البيتكوين كانت عديمة القيمة لفترة طويلة من الزمن ولقد احتاجا مبلغا قارا من المال للحفاظ على انسابية العمليات المالية. لقد خشيا من مضاعفة ثروتهما من البيتكوين التي يمكن أن تغرق السوق وبالتالي تضعف العملة وتقلل من قيمتها. ومن الأمور المشتركة بين رايت وكلاين هي مشاكلهما في تحويل أفكارهما إلى أوراق نقدية حقيقية وكانا دائما مطاردين من قبل الدائنين. مات كلايمان وهو يشعر بفشل ذريع ولم يكن لأحد من أفراد عائلته أدنى فكرة عن كلمات السر التي كان يستخدمها لاستخراج البيتكوين الموجودة في حاسوبه الخاص. بعد موته لم تفتح عائلته الوصية المتعلقة بعقاره لأنهم يؤمنون بقيمته التي لا تقدر بثمن. ومن المفترض أن تبلغ البيتكوين التي بحوزته ما يقارب 260 مليون دولار حسب معايير اليوم.

مكتب لندن

في يناير / كانون الثاني من هذه السنة، في مساء ممطر في لندن اصطحبني رايت لرؤية المكتب الكبير الذي أعد خصيصا له كجزء من الاتفاق مع أنكريبت. لم يمض وقت طويل قبل أن ينسى العالم أنه ظن في يوم من الأيام أن غريغ ستيفان رايت هو نفسه ساتوشي ناكاموتو. وقد أطلق رايت صيحات فزع عندما اتهمته واحدة أو اثنتين من المنظمات الإعلامية بالاحتيال وبسرقة المقالات الأصلية من مواقعهم في ديسمبر/تشرين الأول. بعد عدة أيام، لم يعد معظمهم يجدون صلة منطقية بين ساتوشي ورايت. ولم يدل رايت في ظل الإجراءات المشددة بأي تصريح ولم يقم بأية ردة فعل تذكر حول ما يتعلّق بالاتهامات الموجهة إليه كمحتال مختل. لكن عندما نكون بمفردنا في أغلب الأحيان، كان يعقد مناظرة يناقش فيها ما قاله النقاد. وفي النهاية كان يهز كتفه بلا مبالاة وكأن أغلب الأمور الغامضة كانت واضحة.

يشترك رايت والتغطية الصحفية التي صحبته في كونهما نجحا في جعله أقل عقلانية مما هو عليه، أما بالنسبة لي فقد كانت تلك حقيقة مطلقة عن محترفي الحاسوب. فهم يكتفون باستيعاب ما يعلمون دون أن تكون لهم نية تفسيره. قطعا ستحتوي إجابتهم على خوارزميات مبهمة أو سيفشلون في الإدعاء بأمر جلل بدل قضاء ليلة بأكملها وهم ممتنون لقيامهم بأمر متواضع.

طالت الكثير من الأكاذيب رايت في الآونة الأخيرة أي في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول، ومن قام باتهامه هم بالأساس المبرمجون. وهذا ما هم عليه في الحقيقة مجرد مفترون ويمكنكم أن تتحققوا من ذلك من خلال منتديات "ريديت" وغيرها من منتديات البيتكوين الأخرى. جل ما يفعله هؤلاء الأشخاص يتمّ في الخفاء بعيدا عن التمحيص والتدقيق وفقط كما هو منافي للطبيعة تجريم أنفسهم، فإنه بطبيعة الحال أمر غير طبيعي حتى لو تم ذلك تحت الضغط، عدم تجريم أنفسهم، والاكتفاء بالشعور باللامبالاة.

يستحضر المبرمجون أكاذيب أخرى بينما كل ما يعنونه هو التعبير عن عدم اتفاقهم على برمجية معينة من المفترض أن تعمل. أثناء ذلك الوقت كنت أعمل مع رايت على أمر سري حيث أرسلت رسالة إلى زميلي جون لانشيستار الذي أعلم أنه أهل بالثقة ليكتم سرنا وأن يستوعب ما كان على المحك في هذه القصة. وهذا ما ورد في الرسالة التي كتبتها لجون: "تخيل الحالة التي كنا عليها في عالم يُستأجر فيه الرواة لإنكار مصداقية كتب بعضهم البعض. لا يوجد دليل قطعي يؤكد صحة ما يقال من عدمه لكنهم لا يتوانون لحظة واحدة عن الجدال بشراسة وتبادل جميع أنواع التهم بينما هم في حقيقة الأمر لا يحلون المسألة بل يزيدونها تعقيدا".

وكان رد جون على رسالتي كالآتي: "قال إيدموند ويلسون في مكان ما أن السبب وراء كره الشعراء لأعمال بعضهم البعض هو لأنها تبدو خاطئة وبعيدة كل البعد عن الصواب". وأضاف "إذا كنت صادقا، لكنت قد كتبت نفس القصائد مثلي".

وفي اليوم الذي زرنا فيه مكتبه بدا لي كأنه استسلم للأمر الواقع دون أدنى مقاومة، وأخبرني لاحقا أن هذه الأشهر ستكون  بمثابة منعرج هام في مسيرته بصفة مبرمج، فقد كان يعمل بسرية تامة على مواد من الجلي أنها ستخرج في صورة بهية ومربحة. انزعج رايت كثيرا من الأشخاص الذين يدعونه بالمحتال وما أزعجه أكثر هو أن تعاقده مع أنكريبت يتطلب منه إثبات أنه فعلا ساتوشي. لقد كره التهم الموجة إليه كمخادع وأنه مجبر على إثبات العكس. فحياته بمثابة وجهين لعملة واحدة، حياة تشترط الشعور بالخزي والعار وفي الآن نفسه التحلي بالشجاعة الكافية لمواجهة العالم وهذا ما كان يعيشه رايت: حياة مزدوجة إلى أبعد الحدود.

قدمني رايت لمدير أعماله بسيدني، ألان بادرسون. لقد كنا في ورشة عمل على بعد طابق من مكتب ماكغريغور بالقرب من أوكسفورد سوركس، كان يقف عند طاولة المكتب بجانب صبورة بيضاء تحتوي على كتابات ومعادلات. وعلى الجدار المقابل كتبت مقولة لهنري فورد  "سواءا استطعت أم لم تستطع فأنت على حق". أخبرني بيديرسون أنه تم إحضاره ليوجه مجموعة تعد دفعة أولى تتكون من 32 براءة اختراع في مختلف التطبيقات التي يجب الانتهاء منها بحلولأبريل/نيسان. (حدث هذا في يناير/كانون الثاني). وقد كان هناك ما يفوق عن أربعمائة براءة اختراع"، من بينها أفكار تتعلق بسلسلة البلوكات لإعداد عقود ستكون حيز التنفيذ في تواريخ محددة في السنوات المقبلة أو استخدام سلسلة البلوكات لتمكين السيارات من إخبار مالكيها بملأ خزان الوقود وبحساب سعر الوقود. تكلم رايت عن نفسه بضمير الغائب قائلا "لقد تلقى غريغ ضربة قوية على مؤخرته" لأن غريغ قام بدل تكديس أطنان من الأوراق والقيام بمئات الأبحاث والدراسات ووضعها على الرف، بإكمال مهمته وتحويلها إلى شيء ذو قيمة".

سألت بيدرسان: كيف تنظمه؟

فرد قائلا "أنا شخص أحب النظام وعندما قدم غريغ إلى المكتب كان شخصا كتوما قليل الكلام، وفي كل مرة كان ينطق بجملة أو أقل، فكنت أحاول استنباط ما يريد إيصاله من معان وفهم ما يجول في خاطره وتحويل أفكاره إلى ما يعود بالنفع على عملنا نظرا لأنني أعمل وسيطا بينه وبين المطورين".

لقد أصبح من الجليّ خاصة ممّا قاله غريغ أن رايت لا يستطيع إقامة علاقات مع الآخرين، فهو يستشيط غضبا عندما يقترحون أفكارا لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع أو عندما يكونون تقليديّي التفكير أو أغبياء في على حدّ تعبيره. أخبرتني رامونا أن 40 بالمائة من العاملين في شركة سيدني هم في حالة تمرد. وقال لي غريغ مرة أخرى "يا لي من شخص أخرق". يتمثل عمل بيديرسون في جعل العلاقات بين غريغ والمطورين جيدة قدر المستطاع والذين يتمثل دورهم بالتالي في تحويل أفكار رايت إلى براءات اختراع سيتم المصادقة عليها في نهاية المطاف. وأضاف قائلا "إنني أتأكد من سير تنفيذ أفكاره فغريغ لا يولي اهتماما لهذه التفاصيل فهو دائما على عجلة من أمره".

قال رايت مخاطبا نفسه: "غريغ بارع في البحث لكنه لا يسعى إلى تطويره، فهو يبتكر فكرة ما دون أن يطالب بحقه في الحصول على براءة الاختراع".

- هل فقدت حماسك واهتمامك به؟

- لقد فقدت الاهتمام بأي شيء ولقد أثبت ذلك حينما ابتعدت.

قال بيديرسون وقد ارتسمت ابتسامة على ثغره: "أصبحت الأمور أكثر سهولة بعد أن كانت جد معقدة في البداية". يمتلك رايت أفكارا هامة حول تطوير التكنولوجيا وكيفية ارتقاءها في السلم العالمي حتى تستجيب للطلب الكبير عليها. لقد قمت باختبار ما يفوق عن 340 غيغابايت من البلوكات والذي يعد أكبر بمئات آلاف المرات مما هي عليه الآن. إنها كل عملية تداول للأسهم والبيانات التي يتمّ تجميعها وتخزينها في ملف واحد.

وتجدر الإشارة إلى أن برنامج البيتكوين، يعود إلى الثمانينات لأنه كان من ضمن البرامج التي تلقيت فيها تدريبا... الفكرة جيدة، والشيفرة متينة وتقوم بعملها على أكمل وجه لكن هذا لا ينفي بطأها  وتعقيدها. ومنذ البداية كان هناك أمور تحتاج إلى التعديل، لكنها لم تكن مثالية كما تصورها الجميع. ففي نهاية المطاف، يجب أن يتم تحويلها إلى شيفرة محترفة، ويجب أن تخرج عن محيط شبكة المستخدم إلى محيط مزود الشبكة". هناك من يظن أن البيتكوين يجب أن تبقى رهينة المحدودية وأن تضخيمها يعتبر في حد ذاته خيانة للمبادئ الأولية التي قامت عليها منذ البداية.

قال بيديرسون: "هنا يكمن مستقبل سلسلة البلوكات. ويعتبر البعض مثل رايت، أنه لا يمكن لنا إدارتها بعد لكن آن الأوان لأن ترى البيتكوين النور وتصبح أكثر إحترافية".

هز بيديرسون رأسه قائلا: "نحن لا نعمل في مجال لا نعي فيه شيئا، لكن كيف يجب علينا أن نتصرف؟". كان غريغ مصدر الأفكار وكنت أنا مؤسس القواعد الأساسية وبدأنا بحفظ السجلات. كنت أعمل على جعل الأفراد يصبون تركيزهم على مسار واحد بينما أواصل العودة مرارا وتكرارا إلى غريغ، قائلا إنه يجب أن نخرج هذه الأفكار بأية طريقة ممكنة. وأنا دائما ما أبقيه وإياهم تحت المجهر. إن الأمر الجيد فيما يتعلّق بغريغ هو أنه يريدني دائما أن أستشيره في جميع الأمور، لذلك تعتبر علاقتنا غريبة جدا. أنقل له تقريبا كل شيء، لكنني في الوقت ذاته كنت أختبره وكان بيننا تناغم جميل". لقد كان هو والفريق متعبون لكنهم كانوا يشعرون بالثقة لأن براءات الاختراع سيتم تسجيلها قريبا.

عندما غادر غريغ الغرفة ليرد على مكالمة هاتفية قام بيديرسان بإغلاق الباب بإحكام . قال لي: "أنه حقا شخص لطيف لكنه بمثابة كابوس لعين. عندما يأتي كل صباح أسال نفسي ما الذي يثرثر به هذا الشخص؟" أخبرني بيديرسون كيف كان يحاول التأقلم معه، وعمل جاهدا على جعله يسير على المنوال الصحيح. وقال "عندما أصبح لدي عملاء جدد في العمل، كنت في كل مرة أضطر إلى تدريبهم حول كيفية التعامل مع غريغ... في الواقع هذا ما توجب علي فعله.

وأكثر ما كان يثير غضبه  هو عدم قدرته على تفسير أفكاره.

إنه الجزء المهم، لا يمكنك أن تبقى معه في نفس الغرفة نظرا لأنه في كل الأحوال سيضل يخبرك بأفكاره المتداخلة وغير الواضحة، فهو يشبه ستيف جوبز بل حتى إنه أسوأ منه.

ونحن في طريقنا إلى المكتب في ذلك اليوم، قدم رايت نفسه على أنه رجل مستعد للقيام بأي شيء.

كان يرتدي بدلة وربطة عنق وكان أشبه بتاجر سندات لعين من حقبة الثمانينات على الرغم من بريق التشفير في عينيه الذي كان يوحي بجموح مخيلته بعيدا عن موضوعنا. لم يكن ملك الاستعراض بل كان مهرجا، وبينما كنا نقطع شارع أكسفورد قال مازحا أنه "موسى الذي وجد سبيلا للمرور في زحمة السير والسيارات نحو أرض الميعاد".

وبعد برهة من مجيئه، قال بيديرسون "هكذا تتم الأمور في هذه الشركة، ستظل في فانكوفر، مقر شركة أنتراست، حتى حلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول..." وعلى حين غرة قاطعه روب ماكغريغور قائلا "نحن نحتاج فعلا للثلاثين براءة اختراع الفردية بحلول شهر أبريل/نيسان.

ومتى يمكنك السفر إلى لندن؟" إن السبب وراء الاستعجال في طلب براءات الاختراع يكمن في المساعدة على تحقيق نسب مبيعات كبرى سواء تم ذلك مع غوغل أو غيرها من الشركات.

إن الرجلين الذين كانا السبب الرئيسي وراء إبرام الاتفاق، كانا جد حريصين على هزيمة غيرهم من المنافسين المتخصصين في تطوير سلسلة البلوكات هزيمة ساحقة خاصة  إتحاد البنوك الثلاثي (آر3) والمؤسسات المالية التي بدأت في أواخر العام الفارط بإنفاق ثروة على أمل نشر وحشد هذه التكنولوجيا الجديدة. لقد كنا صحبة الشابة الأيرلندية التي كُلّفت بتصميم المكتب الجديد. استثمرت شركة ماكغريغور الملايين في رايت، فشركة آنكريبت الجديدة تتمحور بالأساس حول رايت خاصة وأنه قد حظي بمكتب واسع مع إطلالة شاملة لشارع أكسفورد.

لقد كان من الواضح أن ماكغريغور آمن كل الإيمان بقدرات رايت وأفكاره، لكن رايت كان شخصا بغيضا وذميما ولم أفهم أبدا لما لم يتساءل حول شكوكه قبل أن ينفق ماله. لقد كان محاميا وشخصا ذكيا ولم يخطر لي يوما أنه سيقارن بين الثقة والمثابرة. لم يستعمل معي ماكغريغور حتى بمحض الصدفة  كلمات من قبيل "خارج عن الموضوع"، ما عدا مرة واحدة فقط، وإذا وظفها ذات مرة وأخبرته بذلك فسيطلب مني التغاضي عنها، إنه حقا مصدر سخي للمعلومات حتى أنه أخبرني دون سبب عن مصدر تمويل الشركة. وعندما كنت أتبادل أطراف الحديث مع الشابة الأيرلندية، مصممة المكتب، لوحت بساعة في يدها مشيرة إلى الوقت وقالت "لقد تبادلنا نظرات أكثر ما يقال عنها أنها بسيطة، نظرات اسكندينافية".

قال رايت، عندما كنا نقوم بنزهة خارج المكتب: "سيكون هذا المكتب شاهدا على نجاحاتي عندما يتعلق الأمر بالتحديد بحمايتي من نفسي". وفي وسط ضجة أشغال البناء القائمة، وقف رايت في موقع المكتب الذي يبلغ كل من طوله وعرضه 20 قدما والذي كانت نوافذه تطل على ساحة سوهو.

سألته "أتتذكر جي آر إيوينغ في دالاس؟". ضحك رايت وكان ذلك أكثر ما نال إعجابه حيث ردّ قائلا أن "كل ما يخص حياته كان يحدث في كنف السرية بينما العالم يفتري عليه وينعته  بالسارق والطوباوي". إذا سنحت الفرصة لساتوشي بأن يكشف هويته فسيخرج في أبهى حلله. وعاد يتوجه بالكلام إلى المصممة لإخبارها عن كيفية استعمال الزجاج المطرق في  تصميم قاعة الاجتماعات. وقال "نحن نعمل بجهد فيما يتعلق بالصبورات البيضاء" ثم ضمّ شفتيه وقال مبتسما "هل سيتم وضع لوحات تفاعلية رقمية تمكنني من التواصل مع فريق العمل في سيدني؟".

قضينا نحو ساعة في موقع أشغال بناء المكتب الجديد. قال رايت عندما كنا عائدين أدراجنا إلى المصعد؛ "إنهم بصدد مواصلة إخباري بعدم سير الأشغال على نفس الوتيرة التي أرغب بها. أنا لست ساتوشي وكل ما يتعلق بي هو من نسج الخيال". وفي الخارج عندما عدنا إلى الطريق العام أخبرني أنه نال الأموال التي يمكن أن يحتاجها، وقال "سأرتاح من أولئك القردة المتطفلين وسأتخلص منهم إلى الأبد وسأسعى جاهدا إلى التفوق في عملي الذي لا أجيد غيره، فأنا لست بارعا في التجارة ولا في الإدارة ولا أجيد سوى القيام بالأبحاث  وتزكية ما قمنا به كفريق". كان رايت يستمتع بما حققه من نجاحات بينما كان المسؤولون في شركة أنكريبت، كما أعلمني ماكغريغور في وقت سابق، يتشاورون حول تقديم تخفيض في المناقصة للذي يقدم أعلى سعر، وكما كان يقول ماكغريغور دائما وأبدا: "تبيع وتشتري وتضاعف أرباحك". وهو لطالما كان صريحا فيما يتعلق بهذا الهدف، لكن رايت لم يكن على علم بل لم يكن حتى مقتنعا بفلسفة ماكغريغور.

في مرة أخرى مررت بمكتبه الذي اكتملت أشغال بنائه والذي تم تجهيزه بتشكيلة مرموقة من الأثاث مثل؛ الكراسي والأرائك المغلفة بالجلد الأحمر القاني والمستوردة من سيدني. لقد بدا لي المكان، كما أسلفت في مزحة سابقة،  كمكتب قطب من أقطاب النفط في تكساس. وقد كانت مجموعة من الشهادات والإجازات معلقة على الحائط بجانب صورة موقعة من الملاكم المشهور محمد علي كلاي.

أخبرت بيديرسون عند مغادرتي أن رايت لا يستطيع تقبل فكرة الغرامة المالية المفروضة عليه في العقد. وقال بيديرسون "لقد باع روحه بكل بساطة إلى الشيطان. أيظنّ كل من رايت ورامونا أنهما سيمضيان على جميع أوراق العقد القانونية ويمضيا في حال سبيلها وكأن شيئا لم يكن؟ لا الأمور في هذه الشركة لا تسير على هذه الشاكلة. يجب عليهم الآن  المضي قدما حتى النهاية حسب ما تمليه عليهما شروط العقد الجزائية. إنهما لا يأخذان الأمور على محمل الجد وكأنها ليست من أولوياتهما. عندما خرج موضوع ساتوشي إلى الملأ لاحظت أن كل شيء قد انقلب رأسا على عقب ولم يكن أي منهما على أهبة الاستعداد".

فقلت "إنني أهتم لأمره".

فرد بيديرسون "للأسف لم تكن نهاية قصتهما سعيدة".

- "هل تكرر ما حصل في أستراليا؟"

فأجابني "هذا ما حصل بالضبط  باستثناء أنه كان ممسكا بزمام الأمور. وبطبيعة الحال لم يتعلم أي شيء يذكر وكأنه محاصر في علبة ولا يجد سبيلا للهروب، لا يستطيع التحرك ولا القيام بأي حركة بينما تضيّق عليه العلبة الخناق وتصغر شيئا فشيء".

- أتظن أنه يود أن يخرج للعالم في صورة ساتوشي؟

- نعم أظن ذلك، إنها رغبة راسخة في شخصيته وهو يود بشدة أن يتمّ الاعتراف به بصفة مخترع البيتكوين الأصلي، خاصة وأنه دائما ما يفصح عما يخلج في ذهنه. وقد علمت برغباته الدفينة بعد أسبوعين من العمل معه. لقد أخبرني هو ورامونا أن بينهما ميثاقا يقضي بعدم الإفصاح عن هويته الحقيقية. ويخالجني شعور أنه أراد أن يكشف عن هويته رغم إصرارها على التزام الصمت فيما يتعلق بهذا الموضوع، أظن أنه قد اغتنم الفرصة حتى تسير الأمور بهذا المنحى.

لقد تحدثت مع أحد العلماء، وهو رجل في آخر الخمسينات يعمل على هذه التكنولوجيا منذ عدة أعوام. وقد صرّح لي أنه هو وبيديرسون كانا زميلين في مقاعد الدراسة واعتقد كلاهما في اختلاف  مستوى عمل رايت عن بقيته من المبرمجين. ولقد اشترط هذا العالم منذ البداية أن تظل هويته سرية وأن لا يذكر اسمه في هذا المقال لأنه يعلم علم اليقين أن انتباه رايت بالتفاصيل وإيمانه بنظرية المؤامرة ستخول له اكتشاف هويته بسهولة، لكنه لا يملك أدنى شك في قيادة رايت بشكل عام. ساعدني العالم في عملي الاستقصائي من خلال جلب كل الدراسات الأولية والنسخ الحائزة على براءة الاختراع وأيضا من خلال التعامل مع فريق كبير من المختصين في علم الخوارزميات والرياضيات. لقد سألته إن كان متخوفا من عمل إتحاد البنوك الثلاثي "آر3" على سلسلة البلوكات التقنية، فأضاف قائلا "سيفشلون لأن ساتوشي ليس معهم في الفريق. لقد كانوا يعيشون في حالة من الهلع وكان الخلاف يسود العلاقة بينهم بسبب سلسلة البلوكات والبيتكوين الذين كانوا يحاولون البيع من خلالها بدل تجاوزها. لقد قرأت  بعض التطبيقات المؤجلة التي تم تقديمها إلى البنك الأمريكي وما رأيته كان عديم القيمة وغير مثير للاهتمام مقارنة بما كان غريغ يحاول العمل عليه بخصوص سلسلة البلوكات".

وصف لي العالم محاولات فريق العمل الجاهدة لمحاولة استنباط أفكار رايت التي كان يصعب عليه تفسيرها أو إيصالها. لا تستطيع أن تستفسر عمّا يقوله "ولا يتجرأ أحد على طلب ذلك منه". وإذا سبق وسأله أحد سؤال من هذا القبيل فسيحيد فورا عن سياق الموضوع ويبدأ بالمراوغة في الإجابة. أولا، سيواجه صعوبة في تفسير ما يجول في خاطره من أفكار فهو دائما ما يتحفنا بأفكار جديدة ومبتكرة لكنه يكتفي فقط بذكرها لنا بكل إيجاز أثناء الأجتماع. ستفعل ما بوسعك لتنال نعم أو لا كإجابة لكنك لن تتوصل لأية إجابة واضحة تشفي الغليل. ولكي نجد حلا لهذه المشكلة العويصة، نقوم بتسجيل محادثاته ثم نعرض الفيلم على الفريق حتى يحاول أحدهم كتابة ما يقوله.

لقد وصف لي أيضا لحظات مر بها فريق العمل ظنوا فيها أن ما يفكر فيه رايت ليس سوى ضربا من الجنون. فما يدعوهم لفعله من المستحيل أن يتحقق خاصة وأن البرنامج لم يرتق لمستوى توقعات رايت وسلسلة البلوكات لم تكن تعمل على المستوى المطلوب. وبين ليلة وضحاها، أصبح كل من في الفريق متحمسا ومقدرا لأفكاره المبتكرة. وقد أخبرني العالم وهو يستشيط غضبا أنه "كان يتوجب عليّ في كل مرة أتحاور فيها مع رايت أن أقرأ ما بين السطور وذلك لفهم ما يقصده بالتحديد وفي حال عدم الفهم، سينتهي بي المطاف في محاولة تخمين ما كان يقصده. كان يجب علي أن أدرب الفريق على التأقلم والتصرف مع هذا الوضع المزري ليكونوا على دراية بكيفية التعامل مع رايت. يجب عليهم أن يكونوا من نخبة الباحثين  ويفهموا جيدا خصائص هذه التقنية الحديثة ويكونوا قادرين على العمل عليها".

كما ذكر العالم، أنه غالبا ما كان فريق العمل منبهرا بالنقلة النوعية التي شهدها نمط تفكير رايت. كما عبّر عن انبهاره بثغرات معينة في معارف رايت التقنية. لقد خال الجميع أن رايت يتمتع بمعرفة شاملة وتمكُّن تام من برمجية سلسلة البلوكات التي تعتبر من أعظم اختراعاته وأنه ملم بجميع تفاصيلها. لكن تبين العكس خاصة عندما ينجز معادلة لا تمت للبرمجية بصلة أو لا يتفطن لتفصيل معين لا يملك عنه أدنى فكرة بينما يسلم الفريق بمعارفه التي لا تحتمل التشكيك. كل من تحدثت معهم لم يكونوا قادرين على  تفسير حالة التناقض القائمة في المكتب. وقد صرّح العالم أن "عدم القدرة على التواصل مع الآخرين تعتبر من أبرز العراقيل التي تعترض مسيرته المهنية". لقد إبتكر فكرة البيتكوين التي شكلت منعرجا هاما في تاريخ الإنترنت. في بعض الأحيان، يظل يثرثر بشأن المعادلات والخوارزميات لكنه ليس مستعدا ليفسر أي تفصيل متعلّق بمحتوى التطبيقات. من الممكن أن تكون أخطاؤه بسبب الكسل أو قلة الإنتباه لأدق التفاصيل.

كنت، إلى حد ما، متحيرا بشأن امتلاك التقنيين لنفس خبرته. وفي نفس الوقت، كنت معجبا بأولئك الأشخاص مثل العالم وبيديرسون وكيف بإمكانهما أن يكنا مشاعر متناقضة تجاه رئيسهم في العمل. عندما سألت بيدرسون إذا ما كان يظن أن العمل كان حقا ثائرا، أجابني بنظرات كلها تصنع ومراوغة أنا "أظن ذلك لكنني لا أعتقد أنه سينال جائزة نوبل بسبب ميولاته السياسية. فمظهره وتصرفاته توحي بأنه مقاتل شوارع وسينتهي به المطاف في السجن أو في أي مكان آخر".

لقد كانت شخصيات هذه القصة مستعدة لمساعدتي والإفصاح عمّا تعلمه وتمكيني من إلقاء نظرة على الملفات، لكن في كل قضية كانوا يتجنبون الخوض في مواضيع معينة ولم أستطع أن أقنعهم عن العدول عن قرارهم عبر التكتم عن بعض الأمور. وكان ستيفان ماثيوز من أكثر الشخصيات التي ساعدتني في كتابة قصتي. ولقد وجهني عند عملية إنتقاء الأشخاص الذين سأستجوبهم من حياة رايت وعلاقاته الشخصية وأرسل لي أيضا تقريرا يحتوي على تاريخه المفصل حول التعاون الذي قام بينه وبين  المدعو "ساتوشي".

لاحظ ماثيوز عندما أمضى على عقد ماكغريغور أن رايت لا يمتلك أدنى خطة عمل لأي شركة من شركاته. كان وضع رايت المالي يرثى له، فلم يكن قادرا على دفع مستحقات العاملين في شركته الذين غادر عدد هام منهم العمل. ظل بيدرسون وآخرون ممن كانوا يعملون معه دون رواتب  ورايت نفسه كان مدينا لبيديرسون بحوالي مليون دولار.

كانت التحويلات الموجهة لصندوق التقاعد متأخرة كما تلتها أزمة أقساط القروض غير المسددة، فضلا عن ذلك كانت الشركة في أمس الحاجة لحوالي 200 ألف جنيه إسترليني لتعمل بالكاد لمدة أسبوع آخر، لقد كان وضع المؤسسة المالي مزريا. باع رامونا وغريغ سياراتهما. وبعد إغلاق المكتب الأسترالي الضريبي لأبواب المساعدة كانت "وحدات الشركة رهينة الإنهيار". قبل أن يمضي على العقد وحسب مصادر موثوقة، حاول ماكغريعور تثمين أبحاث رايت آملا بذلك الترفيع من مستوى الشركة بشكل عام. كلّف ماغريغور ماثيوز بالسفر إلى سيدني في 24 يونيو/حزيران سنة 2015، بهدف إجراء التقييم النهائي للشركات والتفاوض حول مشروع آنتراست وذلك "لاكتساب الملكية الفكرية للشركات".

في إحدى الليالي، اتفقت مع ماثيوز للقائه في أحد المطاعم. التقينا في المطعم الواقع وراء ساحة فورتنام وماسون في شارع جيرمين، بدى مظهره غير لائق مقارنة بفخامة المطعم، فهو رجل أسترالي ضخم وأصلع وذو ضحكة خشنة ويرتدي قميصا منقوشا، كان مستعدا ليخبرني بكل ما يظن أنه مفيد في كتابة قصتي. كانت رفقة ماثيوز أكثر أنسا من رفقة ماغريغور، كلاهما صريح ووفي بغض النظر عن محاولتهما إقصاء بعضهما البعض. إن إحدى مهام رجل الأعمال التواقين إلى النجاح والتألق، هي التشبث بمركزه والمحافظة عليه  مهما كلف الثمن. وقد أمضى ماثيوز وقتا طويلا كما فعل ماكغريغور يسوق ويبيع فكرة رايت على أنه ساتوشي عوض البحث في الأمر. لقد صغت تفاصيل قصة رايت وفقا لما أخبروني به رغم أنني لا أملك أدنى فكرة عن إذا كانت رواياتهم صحيحة أو إذا كانوا هم أنفسهم مقتنعين بمصداقية ما يروونه عن رايت ولا أدري إذا كانت آراءهم ستأثر على وجهة  نظري. يبدو الأمر غريبا فهم يطلبون من الكاتب أن يحتفل بالحقيقة دون مدّي بالبرهان. إن الحقيقة تحتاج الى إثبات أو أدلة مهما كان المصدر موثوقا. وقد تعاملت مع الأمر بروية وهدوء في معظم الأحيان واستمتعت بالشكوك التي كانت تساورني متأملا التحصل على مزيد من الإيضاحات بخصوص قصته (رايت) .

شرب ماثيوز بضع كؤوس من النبيذ وكان يتحدث عن الليلة التي تم فيها إمضاء العقد في سيدني وقال " خرجنا من فندق روب متسائلا أتدرك ما فعلته للتو؟ لقد وقعت على صفقة أحلامك، صفقة تساوي مليون دولار بل أكثر من مليون دولار".

لما روب مقتنع تمام الإقناع بهوية ساتوشي الحقيقية؟

بصراحة لا أملك أدنى فكرة. (أخبرني ماكغريغور لاحقا أنه كان مقتنعا بما فعله لأن رايت أطلع ماثيوز على ورقة مشروع البحث الأولى التي تثبت أنه فعلا ساتوشي) "إذا تبين لاحقا أنه مخادع ومحتال، لا أعلم حتى كيف أمكنه تزوير الأبحاث لأن الأمر ليس بالسهولة التي يتخيلها الجميع".

أخبرني ماثيوز عن أمر إجتماع عقد في نادي بوندي آيسبارغ بين غريغ رايت ومؤسس شركة سيلك رود، روس أولبرخت المحكوم عليه بالمؤبد مرتين. استخدمت شركة سيلك رود عملة البيتكوين بهدف التجارة في جميع السلع المهربة لأنها تضمن له السرية التامة من خلال جعل المعاملات مجهولة الهوية. أكد رايت حضوره للإجتماع ونفى بقية ما ورد على لسان ماثيوز مؤكدا أن مسألة البيتكوين لم تتم مناقشتها أثناء الإجتماع مطلقا. بدى لي ماثيوز غير مقتنع برواية رايت حول ما قاله بشأن البيتكوين. لقد تساءل عما إذا كان  كلايمان على صلة بما كانت تفعله شركة أولبريخت، وهذا ما أكدته مصادر أخرى.

قلت لماثيوز "لقد وقع غريغ الصفقة ليخرج للعالم على أنه ساتوشي. هل كان يدرك تداعيات ذلك على حياته ومسيرته المهنية؟".

فردّ ماثيوز "إذن هم في نهاية المطاف مجموعة من المجرمين تتقاضى أموالا طائلة وهناك الكثير ممن يعلمون كل شيء بخصوص هذا الأمر". ماذا لو كانوا مجموعة من المشعوذين؟ وروس أولبيخ الذي يقبع في السجن الآن من الواضح أنه سيستأنف الحكم الصادر في حقه هذا العام أو في العام المقبل. ماذا سيحصل عندما يرى روس اسم ساتوشي منتشرا في كل مكان ومعه اسم رايت؟ ترى كيف ستكون ردة فعله؟ لقد تناولت الغداء مع ذلك الرجل، لقد أمضينا عقدا؟ إنني لا آبه بما فعله غريغ بل قلق بشأن الصفقات التي تم إبرامها مع عدة شركات". لقد كان من الغريب أن أقوم بمقابلة مع شخص مستعد ليبوح لي بهذا الكم من المعلومات السرية والشخصية ويقوم بدعاية  لرايت. وإحتراما لرايت، فقد حذفت بعضا من أقوال رايت التي من الممكن أن تقلل من شأن رايت أو تتعدى على شخصه.

لقد تحدثنا عن الخلافات التي نشأت بين رايت وماكغريغور وقال أن "غريغ ورامونا بصدد تسليم مفاتيح الغرفة وأحس أن تركه لهما يغادران بكل بساطة إهانة له". و"لا يستطيع أحد أن يطالب الآخرين بالإقرار بشرعيته بينما لا توجد بعد أدلة تؤكد صحة ما يدعي به". لقد أخبرت ماثيوز أن هناك عددا مفقودا من الرسائل الإلكترونية بين رايت وكلايمان. وهذه الرسائل لا تقل أهمية عن غيرها من الأدلة التي سيطالب بها الرأي العام قبل أن يتقبل فكرة أن ساتوشي هو نفسه غريغ رايت لأن المراسلة تعتبر تفصيلا هاما في عملية إثبات ما يدعي به غريغ رايت، وهذا يعد تفصيلا لا يعلمه سوى المخترعون فقط؛ وهما (كلايمان ورايت). أخبرني رايت أنه سيجد طريقة لإعادة هذه الرسائل لكنه لم يفعل.

أردف ماثيوز قائلا "أعرف ما تحتويه تلك الرسائل من معلومات خطيرة. فمن المؤكد أنهما كانا يتبادلان الرسائل بخصوص نشاطاتهما غير القانونية التي كانا (دايف كلايمان وغريغ رايت) يقومان بها في كوستاريكا، بالتحديد حول الحانات المتواجدة بذلك البلد التي تدر عليه أموالا طائلة بمدخول يقدر بحوالي 23 مليون. ولا أظن أنه يتقاضى كل تلك الأموال فقط من أجل مراجعة للأنظمة الأمنية... لقد قام بالتنقيب عن البيتكوين مستخدما أجهزة عالية التقنية قد إستطاع إبتياعها بفضل الأموال التي تحصل عليها من عملية كوستاريكا. تساءلت مرارا وتكرارا "ترى ما الذي يدفع ماثيوز ليدلي بمثل هذه المعلومات التي تثبت تورطهما في مثل هذه الأعمال المشبوهة؟ لقد كان جليا أن رايت سيواجه بعض الصعوبات خلال رواية القصة بجميع تفاصيلها مهما كانت أهميتها أو خطورتها. لم أكن حتى متيقنا إذا كان رايت قد أخبر القصة كاملة إلى زوجته رامونا  لكن أشك في ذلك، فقد أشارت في مناسبات عدة أنها لا تستطيع الإدلاء بجميع تفاصيل القصة قائلة في لحظة إنفعال أنهم "سيتتبّعونهما وسيدمرون حياتهما". قال ماثيوز أنه لا يملك أدنى فكرة عن ماهية ما كان يفعله رايت وكلاين في كوستاريكا. لقد أخبرني بأمر كان قد تحدث بشأنه مع ماكغريغور عندما سأله لماذا سيخرج من دائرة الإتفاق "حتما لا شيء يذكر، لقد دفع لي كالفين وهو الشخص الوحيد الذي كنت ولا زلت أكن له الولاء".

يعتبر كالفين آير من المحاور الروتينية التي تدور حولها أغلب نقاشات فريق العمل. عندما قابلت رايت لأول مرة لقبته "برجل من الطراز القديم". لم يذكر ماكغريغور إسم رايت أبدا خلال لقاءاتنا الأولى. وعندما أخبرته أن رامونا ذكرت هذا اللقب لم يمانع الحديث عنه  لكنه في نفس الوقت لم يستحضر إسمه مرة أخرى. في شهر فبراير/ شباط من السنة الحالية، عندما إصطحبوا رايت لمقهى أنتيغوا، بعثت رسالة إلكترونية إلى ماثيوز لأسأله إذا كان مسموحا لي بالحضور أيضا، فلم يرد علي.

وفي لحظة يأس سألني رايت إذا كنت أنا من أفشى سره لماكغريغور  بشأن  ما حدث مع آير. فنفيت ذلك مؤكدا له أن  اسم آير قد ذكره ماثيوز.  نظم اجتماع أنتيغوا عندما خرجت لتناول العشاء مع ماثيوز وأشار إلى إسم آير بكل حرية  دون أن يستأذن بشأن التسجيل أو إذا كان ما يقوله مهما في كتابة المقال. لم يتعمق ماكغريغور أبدا في أية تفاصيل تخص شخص آير أو  تخص تورطه في أي عمل مشبوه لكن التقاءهما المتتالي  في أنتيغوا يجعلني أتساءل عن نوعية العلاقة القائمة بين ماكغريغور وآير. وكما اعتدت من ماثيوز أن يكون واضحا، فقد تحدث دائما  بشأن آير وقال أنه يُعتبر الرأس المدبر لكل  العمليات على الرغم أنني لا أمتلك أدنى دليل يثبت أيا من إدعاءات ماثيوز سوى أنه  مهتم بملاحظة ما يدور حوله.  وأكثر ما شد انتباهي هو أن الشريك الوحيد لشركة آنكريبت هو آنكريبت هولدينغز وكل ذلك مسجل في أنتيغوا. ويصدف أن ماغريغور وكالفين آير  كنديين، فوالد آير هو مربي خنازير  تم سجنه في  سنة 1987 بسبب تهريب كميات مهولة من الماريخوانا الجمايكية إلى كندا. عندما ترك كالفين المدرسة توجّه إلى العمل في مصنع بايسار ماديكال سيستامز وقد كلّف لاحقا بإدارة التجارة الداخلية ممضيا على تعهد  تقدر غرامته بحوالي 10 آلاف دولار، كما تم منعه من إدارة أي شركة تابعة للقطاع العام تندرج ضمن  قائمة فانكوفر ستوك إكستشاينج حتى مُوفّى سنة 2016. أخبر أير شركة فانكوفر سان "من الواضح أنني اقترفت خطأ فادحا لكن لم أرتكب جرما ولم يتأذّى أحد مما فعلت". أسس كالفين آير فيما بعد شركة لتطوير البرمجيات موجهة لمساعدة شركات الرهانات  في الخارج على إنشاء مواقع مراهنة. وقد أعاد تغيير موقع شركته ليستقر في كوستاريكا سنة 1996 أين عمل مع صالتي قمار على الإنترنت وهما وينسبوتس وغراىبري. على عكس رجال الأعمال  الآخرين، لم يكن آير يرسل  حوالاته المالية أو يصرف شيكات مباشرة عن طريق واسترن يونيون أو غيرها من البنوك أو مراكز البريد. لقد قام بإنشاء موقع قمار ومراهنة على الإنترنت يسمى ببودوغ الذي أصبح رافدا من روافد القمار في العالم (وهي الشركة التي عمل بها ماثيوز بعد مغادرة شركة سانتاربات). لقد حقق موقع بودوع نجاحا باهرا. في 2005، قدرت الأموال التي يتم تداولها في هذا الموقع بحوالي 7 مليون دولار وأدرج اسم كالفين آير سنة 2006 في لائحة الرجال الأكثر ثراء التي تسمى بفورباس بيليونارز. وفي نفس السنة تم تحويل مقر القيادة من بودوغ إلى أنتيغوا. بدأت مصلحة الضرائب بتتبع الشركة منذ سنة 2003 وكانت شركة يوآس كاستومز و إيميغراشيون على لائحتها أيضا. تم الاستعلام عن مصادر تمويل الشركة منذ 2006 وفي سنة 2012 تم إثبات تورط آير ومديري مواقع أخرى بغسيل الأموال وتمت  إثبات إدانتهم بارتكاب هذه الجريمة. لم يدخل آير في أي دعوى قضائية لكنه تشبث ببراءته مدعيا أن التهم الموجهة ضده ليست سوى "انتهاكا واضحا لنظام الجرائم القضائية". وقد تمّ التقاط صورة لآير عندما كان يشرب القهوة ويعيد صياغة مقولة مقتبسة من كتاب لسان تزو "فن الحرب" لقد استنفذت كل طاقتي في البحث عن طرق تجنبني  محاربة أعدائي. أراني المحقق الذي عيّنتُه تسجيل هذه المقابلة ثم تذكر ملاحظة دوّنها منذ أول لقاء لي مع ماكغريغور، حيث أنه استشهد بمقولة من نفس الكتاب "لقد بنيت لعدوك جسرا من ذهب للانسحاب". عندما قال ذلك لم أكن متأكدا من يقصد بالعدو والشخص الوحيد الذي أعد له ماكغريغور جسرا من ذهب، على حد علمي، كان غريغ رايت.

أثناء تناولنا للعشاء في المطعم الواقع في شارع جرمين، لم يخبرني ماثيوز بأي شيء يتعلق بتاريخ آير، فقد اكتفى فقط بالإشارة له باسم الرجل العظيم. سألني في وقت لاحق "هل تعرف كم بقي لغريغ من عملة البيتكوين من رصيده الأصلي الذي يقدر بحوالي 1.1 مليون؟

هناك عدة خلافات وقصص متناقضة فيما يتعلّق "بالملايين التي يملكها ساتوشي". يشير الجميع إلى كنز ساتوشي المنقب عنه والذي لم يتم صرف أي منه على أنه يقدر بحوالي مليون بيتكوين وهو نفس العدد الذي أقر به رايت والذي قد أنفق منه الكثير. وهذا جل ما كان يثير اهتمام ماثيوز فقد قال "لقد أخبري غريغ في الأسبوع الفارط بذلك بعد جدال حاد دار بيننا. قلت له على إثره أن الوقت حان لتخبرني كم تبقى لك من كوينات ضمن توكيل السيشال؟ ولا تدعي عدم علمك بأي شيء لأنك رجل ناضج لا يليق به هذا النوع من المراوغة، هيا أخبرني دون كذب". وقد أخبرني أنه ظل بحوزته  100 ألف بتكوين فقط. إنني أعلم أن ما يقارب 650 ألف بيتكوين تم إنفاقها على  تجهيزات البحث والتطويروأن 350 ألف أخرى مخزنة في قرص دايف كلايمان الصلب. "لماذا منحت دايف 350 ألف بيتكون مشفرة في قرصه الصلب؟" بكل بساطة لأنه أعطاها له وهي الآن ملك لدايف. هذه المحافظ الإلكترونية التي تم تشفيرها في قرص صلب علاوة على ثلاثة أو أربعة مفاتيح  لتوكيله. والآن لماذا مات دايف في القذارة؟

لماذا؟ لأنه لم تكن للبيتكوين قيمة تُذكر عندما توفي دايف كلايمان. فقد حققت أسعارا خيالية في غضون أسبوع بعد وفاته. وكما أخبرني غريغ، فقد كان كلايمان رجلا صاحب مبادئ وكان واضحا أنه لم يكن سينفق تلك النقود دون استشارة أو موافقة رايت.

ألا تظن أن دايف قام بالتنقيب عن البيتكوين بنفسه؟

"بالطبع قد فعل ذلك دون شك لكن لا أحد يعلم عددها؟....نحن نعلم أنهما يديران عملا في فلوريدا. يقومون بنشاطات مع المتعهدين ونعلم أيضا أنهما خسرا أموالا طائلة في ليبيرتي ريزارف وفي آم تي غوكس".

لقد أخبرني رايت أن خسائره كانت فادحة  في أسهم البيتكوين في أم تي غوكس عندما تمت قرصنة نظامها ومن ثم انهارت. وقد أشار في رسالة إلى معلومات مسربة، من قاعدة بيانات آم تي غوكس المتداعية ، تربط بينه وبين أولبريخت ولم  يكن مستعدا لمزيد شرح ما ذكره.

ذهبت لدفع الفاتورة وهمّ ماثيوز بالوقوف مستعدا للخروج. وقال؛ "تمكن غريغ من الخروج من محنته، كما تعلم، وابتاع لنفسه بضع سيارات تبلغ قيمتها 180 ألف دولار.(مع العلم أنني عندما تحققت من صحة معلوماته من غريغ رايت نفسه تبين أنه قام باستئجار تلك السيارات). "إنه رجل أحمق ينفق الأموال التي يتقاضاها يمنة ويسرة بينما نحاول كتم أسراره الشنيعة... ألا يدرك أن عمله ليس سوى لعبة؟ هؤلاء الرجال لم يعودوا بعد الآن مجموعة من الحثالة وتحولوا فجأة إلى لاعبين رئيسيين في لعبة الورق". أخبرني ماثيوز أنه لم يكن ليقبل بالفُتات الذي خلّفه رايت وأنه لو لم يفعل ذلك لأنتهى به المطاف على متن طائرة عائدة إلى أستراليا أو في السجن إن لم يضعوا حدّا للصفقة التي تقتضي الكشف عن هوية ساتوشي ناكاموتو الحقيقية. وأردف قائلا أن "الأشخاص الذين أعمل معهم قادرون على أخذ قرارات مصيرية بشأن الاتفاق الذي يساوي 30 مليون دولار وهم قادرون على إلغائه في أية لحظة". لقد اعتقدت في قرارة نفسي أن هذا التصريح مثير للفضول وتساءلت مجددا كيف يتوقع مني أن أوظف هذه المعلومات.

قال لي ماثيوز ذات مساء "لم تسألني عن السبب وراء قيامي بكل هذا؟' راوغ في إجابته عن السؤال الذي أراد مني طرحه لكن لم تكن إجابته سوى في شكل مزيد من الأسئلة. قال ماثيوز "في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأخيرة جزء مني لم يتوان لحظة واحدة عن التساؤل عن دواعي تورطي في هذه المصيبة. لم ظل غريغ يتردد على منزلي مرارا وتكرارا؟ لماذا قلب حياتي رأسا على عقب وزعزع كياني؟ لماذا أطلعني على ورقة بحث ساتوشي في سنة 2008؟ ولماذا أعادها لي من جديد سنة 2015 على الرغم من أنني لم أطلب منه ذلك؟".

ساتوشي ناكاموتو لا وجود له على أرض الواقع، ليس سوى مظهر من مظاهر التزكية العامة، إنه شخصية خيالية خلقت من وحي التقنية والأسطورة. لا تنسى أن شخصية ساتوشي قد ولدت من صلب التناقضات. في الواقع المراسل هو شخص قد يعول على الأدلة الملموسة، والتسجيلات، والملاحظات، والحقائق وقد دأبتُ على جمع جميع هذه المعطيات لكن القصة التي أنا بصدد كتابتها تتحدى جميع الأسس التي تقوم عليها الصحافة الاستقصائية. لقد حاولت جاهدا الالتزام  بمعايير الحقيقة المصادق عليها وفعلت ما بوسعي لإيجاد سبل جديدة تمكنني من تعرية الحقيقة في عالم المؤسسات السفلي الذي يسعى فيه الجميع إلى طمس الحقيقة. إن هذا النوع من الممارسات يلتزم به كل عامل في شركة سيليكون فالي من الخباز إلى رئيس الأبحاث، كلهم يمضون على كل شيء في الخفاء، هذا لأن مهام كل شركة سواء كانت لآبل أو ميكروسوفت أو غوغل أو فايسبوك لا تكمن فقط في مضاعفة أرباح الشركة بل أيضا التحكم في الروايات التي تعكس صورتهم. يحتاج الكاتب إلى التحلي بالإصرار إذا أراد الكتابة عن خبايا ذلك العالم الذي لم يدفع له أحد مسبقا للكتابة من أجل ذلك. لا توجد أمور دفينة حول ذلك العالم؛ فهم يقدمون لك مبالغ طائلة مسبقا ويطلبون منك التوقيع على عقد ولاءك. لكن عندما تلغي ذلك الاتفاق لا يرفعون قضية بشأنك وسينتهي ذلك بتعارض رؤيتك مع روايتهم ومن الممكن أن تفقد كتاباتك مصداقيتها. ولقد حدث معي هذا عدة مرات عندما كنت أعمل على كتابة قصة غريغ رايت. رايت نفسه لم يشر إلى أمور تتعلق بالحقوق أو الاتفاقات أو الخصوصية، حتى النهاية عندما نوه عن بعدين من حياته الخاصة والشخصية لا يريد الخوض فيها لكن عندما ذهبت إلى أستراليا في أواخر فبراير/شباط لإجراء مقابلة مع أفراد عائلة رايت وأصدقاءه، أصبح رايت يلح على إمضاء اتفاق يقتضي بعدم كشفي عن معطياته الشخصية. (اتفاق غير معلن) إنه فعلا لأمر محير، لا أعلم لماذا لم يخبرني بذلك منذ البداية؟ لقد قُمت بأبحاثي بكل حرية طيلة ثلاثة أشهر أكتب الملاحظات وأسجل الحوارات وأعقد اللقاءات والمقابلات مع الجميع والآن خطرت ببالهم فكرة الاتفاق.

في وقت سابق أخبري ماكغريغور أنه نصح رامونا وغريغ بإعلامي بكل شيء. وقد عبر بالنيابة عن رايت عن قلقه بشأن كيفية توظيف المعلومات التي تحصلت عليها. لقد كان عملي حساسا لأن المعطيات التي تعاملت معها كانت غاية في السرية لأن لها صلة بعمل رايت مع الجهاز الأمني الحكومي. أخبرته أنني سألتزم بالقوانين عند نشر القصة. مازال ماكغريغور يصر على مناقشة التفاصيل المتعلقة بالعقود وقد أجبته في السادس من مارس/آذار أنني أريد دليلا ملموسا يثبت أن ساتوشي هو في الحقيقة غريغ رايت وأن يتم عرض الدليل على مرأى من جميع الزملاء والمختارين من الصحفيين. رد ماكغريغور أن الأدلة متوفرة معه لكنه يتساءل عن سبب عدم توقيعي على الاتفاق. أجبته في السابع من مارس / آذار أنني لن أستطيع كتابة القصة مهما حصلت على معطيات ما لم أقدم دليلا قطعيا يثبت أن ساتوشي هو نفسه رايت وأنني مازلت بانتظار إمدادي بالأدلة اللازمة. كتبت له أن 'التزامي واضح لكن الكتاب سيتحول إلى رماد إن لم نمتلك دليلا قطعيا وسخيا لا يحتمل الشك". كنت ملحا بشأن اعتبار ذلك شرطا لتوقيعي على أي وثيقة، فوافق ماكغريغور فورا على طلبي. وعلى الرغم من اختلافنا بشأن هذه النقطة، فإنني مازلت أتفهم وجهة نظرهم. وعلى الرغم من رفضي لتوقيع أي اتفاق فقد واصلوا إمدادي  بالمعلومات اللازمة والملمة بأدق تفاصيل في كتابة القصة، وقد أخذت الأمور منحى عجيبا وبدأت الأحداث بالتسارع ولم يكن أي منا قادرا على منع ذلك. وقد بيّن الاتفاق بيني وبين شركة أنكريبت أن مصالح كلينا لم تتقاطع لكن لم نناقش فرضية فشل الاتفاق المبرم بيننا.

الدليل

عندما سألت رايت عن نوعية الفنون القتالية التي مارسها في طفولته، كانت إجابته كالآتي. "لقد تعلمت في صغري بعض الفنون القتالية، وقد التحقت بمدرسة صينية وتعلمت فن 'الوينغ تشان"، و"التنغالانكوان"، و"الدوان دا"، و"الزيكان"، و"اللونغ غسينغ مو كي يا أو". وقد أتقنت فن "الموآي تهاي"، و"الكنبو"، و"التايكواندو"، وأسلوب في فن الـ" كاراتي" يدعى بأسلوب "تشي يو ريو". وقد كانت في البداية أمارس فنون "الكاراتي" و"النينجيتسو". وككل الأمور المتعلقة بحياته، لم أشكك في مصداقية ما قاله لكن يبدو وكأنه يراوغ في الحديث عن الجوانب البراقة في شخصيته. إن الإدلاء بالحقيقة أحيانا يعكس ما يعتلينا من خوف وما يساورنا من شكوك لكن ذلك ليس شبيها بالكذب. أخبرتني والدة رايت أنه معتاد على تلفيق الحقائق ليجعلها تبدو أعظم. "عندما كان رايت مراهقا تعرض لحادث سير طفيف فنقلته أخته إلى المستشفى ليتلقى العلاج، وحينما كان الطبيب يفحصه روى رايت قصة محرفة عن الأصلية  فقد أخبره أنه كسر أنفه أكثر من عشرين مرة فضحك الطبيب وفسر له أنه لم يلحق به ضرر هذه المرة. ما أخبرتني به أمه له صلة وثيقة بما لاحظته أثناء حواري معه، فلطالما أحسست أن رايت يتعمق أكثر من اللازم في التفاصيل التي لا تمت للقصة بصلة  فبدا لي كأنه ينطلق من الحقيقة ثم يبني عليها الأكاذيب إلى أن تصبح قصته متداعية الأركان وضعيفة وغير مقنعة.

منذ آخر مرة التقيت فيها بماثيوز، التقى كل من ماثيوز وماكغريغور ورايت في أنتيغوا واتفقوا على إرساء خطة برهنة. لقد كنت أضغط عليهم بشأن الدليل وسألتني رامونا عدة مرات حول ما الذي بوسع رايت أن يفعله ليبرهن لي أنه ساتوشي ناكاموتو. وصدف أن ماكغريغور سألني عن نفس الموضوع، عندما حضرت معه اجتماعا مع المسؤولين عن العلاقات العامة، خارج المؤسسة أخبرته أن "تقديم دليل قاطع على صحة مزاعمكم ليس سوى ضرورة أكاديمية".

أشار المسؤولون في أنكريبت إلى أنهم لطالما أرادوا أن يعقدوا حصة برهنة وينظموا سلسلة من المناسبات برعاية شركة بي آر والتي تعنى بالكشف عن هوية ساتوشي الحقيقية أمام الملأ. في الأصل، لقد استضافت جامعة لندن سكول أوف إيكونوميكس تستظيف ندوة ناقشت فيها الأدلة المتعلقة بحقيقة ساتوشي. لكن يبدو أن هناك من ثرثر بخصوص هذا الأمر لمجلة فاينانشال تايمز التي نشرت مقالا في الأمر في 31 مارس/ آذار. كتبت مدونة موقع فاينانشال تايمز، إيزابيلا كامينسكا أنه "بعد حوالي أربعة أشهر من الصمت ورضوخ مجتمع البيتكوين لفكرة أن قصة ساتوشي ليست سوى خدعة، تم انتهاج عدة طرق لكشف اللبس والغموض الذي يلف شخصية ساتوشي ناكاموتو، الذي هو في الواقع غريغ رايت، من خلال التوجه للإعلام ولمؤسسات أخرى لرعاية  هذا "الاكتشاف الكبير". وصرحت المدونة أن مصدر هذه المعلومة شخص من داخل الشركة. كما ورد في كتاباتها فإن "رايت سيقوم بتقديم بحث حول البرمجيات والتشفير يعد بمثابة دليل قطعي على صحة إدعاءاته". غضب ماكغريغور كثيرا عندما علم بهذا الأمر الذي أدى إلى انسحاب لندن سكول أوف إيكونوميكس من المشروع.  لكن أول الأدلة وأقواها كانت عندما بدأ رايت باستخدام مفاتيح ساتوشي المشفرة الخاصة دون أن يطلع الجمهور على هويته الحقيقية (رايت غريغ) وحصل ذلك على مرأى ومسمع من أعضاء مجتمع البيتكوين. وقد وافق المدير السابق للبيتكوين فاوندايشانن، جون ماتونيز على أن يكون جزءا من هذه العملية. كما شاركه في ذلك غافين أندرسون الذي يعتبر من أبرز مطوري البيتكوين منذ نشأتها. تعتبر جلسات البرهنة نهاية آخر صفحة من قصة ساتوشي وبداية قصة رايت.

قبل بداية هذا المشروع، في أبريل/نيسان، سألت رايت عمّا حصل في أنتيغوا. فأجابني قائلا: "لقد دار بيننا نقاش حول مشروع شركة بي آر ، ستكشف الحقيقة للعالم عما قريب".

وتكلم عن ماتونيز وأندرسون قائلا "سنحضرهما لجلسة الكشف عن ساتوشي في الأسابيع المقبلة. أظن أن ما نفعله هو السبيل الأمثل لتحقيق ما نريد. وبغض النظر عن عدم تقبلي لهذه الفكرة إلا أنني لم يعد لدي خيار آخر". لقد وضعت بين المطرقة والسندان بسبب المجهول الذي وشى بي السنة الفارطة".

لقد كان واضحا من كلامه أنه لم يكن موافقا على فكرة استخدام المفاتيح المشفرة أمام العموم.

لقد اتفقنا حول تأدية ذلك في منزلي أين كان سيقوم بالتوقيع في البلوك الأصلي لساتوشي مستخدما شيفرة ساتوشي الخاصة. وكان سيقدم أمامي نفس ما كان سيفعله أمام ماتونيز وأندرسون وهذا لن ينقص من مصداقية ما سيثبته. وبعد أن حددنا خطة العمل على جلسات البرهنة طلب مني رايت أن أحضر إلى المكتب ليرسم لي شيئا على السبورة البيضاء حول نظام بيانات جديد يريد أن يدرجه في قائمة براءات الاختراع. لم أكن أفهم في أغلب الأحيان ما الذي كان يتحدث عنه لكن الخبرة التي يمتلكها في مجالات معينة مبهرة.

لقد كانت الساعة تشير إلى تمام التاسعة صباحا عندما عدت إلى منزله في ساوث لندن. لقد علمت بموقع منزله من سيارته من نوع "بي آم دابليو" المركونة في جانب الشارع، وضغطت على جرس الباب. ففتح لي الباب وقد كانت تعبق منه رائحة عطر زكية. تكون مشروعه من ثلاثة حواسيب وسبعة شاشات. كانت هناك مجموعة من كتب البرمجة على رفوف مكتبته وسبعة حواسيب محمولة معطوبة مكدسة في أعلى رفوف المكتبة.  وبعد انقضاء كل هذه الأشهر، مازال رايت غير قادر على التواصل معي  والتحاور في أبسط الأمور. لقد عبرت له عن إعجابي بالأريكة واشتكيت من آلام في كتفي لكنه اكتفى بقول "جيد جدا". لقد أعد لي كوبا من الشاي وسمح لي بالدخول إلى حاسوبه الرئيسي فقد كان الوقت المناسب ليثبت لي أنه فعلا ساتوشي. كانت تصرفاته توحي باستيائه من إثبات حقيقته.

ابتسم وأشار لشاشة حاسوبه قائلا "هذه حافظة البتكوين الخاصة بساتوشي وهي كما ترى مفتوحة". لقد اطلعت على قائمة من المعاملات قد تمت بواسطة عناوين إلكترونية محددة".

وقال أن "لقد تمت برمجة سلسلة البتكوين بشيفرات شديدة التعقيد. إذا تم اختراق هذا الجهاز يمكنني أن أنشئ جهازا آخر مستعملا سلسلة التكوين عينها. 

عندما سألت أندرسون هل يعتقد أن نهاية لغز ساتوشي سيكون لصالح التكنولوجيا، لم يكن متأكدا وقال "أن يكون لدينا مؤسس غامض، من جهة، هي أسطورة خلق عظيمة، فالناس يعشقون خلق الأساطير. إن علمهم بالقصة الحقيقية يجعل من بيتكوين أقل شأنا لدى الناس، ومن جهة أخرى فإنه من المفترض أن تكون الأموال مملة، فهي تؤدي وظيفتها فحسب، حيث يستخدمها غالبية الناس دون أن يفهموا كيف تعمل ولماذا. أنا متشوق لرؤية مساهمة غريغ في خلق بيتكوين تعمل بشكل أفضل من اليوم".

ثم قابلت بعد ذلك جون ماتونيس الذي مر بجلسة الإثبات الخاصة به مع رايت. كان منبهرا ومرتاحا وكان يؤمن أيضا أن دراسة ساتوشي بلغت نهايتها وكان يطمح للعمل مع رايت في براءات الاختراع وأفكار سلسلة البلوكات. خلال تناولنا الغداء في نوتينغ هيل قال ماتونيس إن هذه التكنولوجيا ستغير العالم. كما قال لي أحد العلماء "هذه ليست النسخة الثانية من بيتكوين هذا شيء رائع سيغير عالمنا. هذه النسخة الثانية من الحياة" وقد وافقه ماتونيس في ذلك.

كانت الفكرة الآن في استخدام "الأدلة"-الأوراق المجمعة- اعترافات الخبيران في البيتكوين، استخدام المفاتيح مع الوثائق المعتمدة التي تحتوي على إجابات عن كل الانتقادات التي أعدها رايت مسبقا وتطرح على لجنة مختارة من الصحفيين في إحدى الأيام. قلت لماكغريغور وماثيوز إني لا أريد أن أكون السبّاق في هذه القصة، كنت أريد أن أجلس في المقابلات وجلسات الإثبات مع المنظمات الإعلامية بعد أن يطووا سجلاتهم، ويعدوا الإجابة، ثم أضعها في روايتي.

بدأ رايت يشحب عندما دخلنا جلسة الإثبات فبعد أن كان رجلا يحمل صورة واضحة عن نفسه أصبح شاشة مشوشة. كان يراسلني عبر البريد الإلكتروني كامل الوقت برسائل ملؤها التوتر ومشاعر القلق. بدا كأنه ينهار، على الرغم من أننا جميعا تقدمنا نحو نتيجة بدت أكثر إحاطة به، أكثر من أي شيء كان من الممكن له أن يتوقعه أو أن يتحمله.

لقد حدث ما حدث وهو الآن يواجه اعتداءات عدسات الكاميرا وأضواءها. سألته في إحدى المرات إن كان يشعر بالسعادة باختبائه خلف الانترنت فقال نعم، فهو يعتبرها منزله. في اليوم الجيد تكون الحقول مشرقة وتضم أرواحنا جميعا، ولكن في اليوم السيئ يعم الظلام وينتشر البؤس. أصبحت أعتقد أن رايت في هذه السنة الأخيرة كان يقاتل من أجل روحه، مثل إينيس عندما كانت السفن خلفه والجحيم أمامه. كان رايت ينحدر نحو العالم السفلي، المكان الذي قد يقابل فيه أباه.

قال لي رايت بما لا يدع مجالا للشك أنه قضى حياته في محاولة إثبات نفسه لوالده. في تلك الساعات القليلة بدا رايت كالطفل الذي خانه خياله. ولم يعد في خياله صورة ساتوشي، ربما كان يفضل أن يكون ساتوشي. كان يريد أن يعيش ساتوشي في خياله وأن يُؤخذ مكانه كرجل عظيم وأن ينسى الطفل الصغير الذي يُصفع حين يخسر مباراة شطرنج. كان يعلم مثل إينياس أن رحلته أقرب للمأساة منها للفرصة، ولكنه على الرغم من ذلك ركض وراءها كما فعل إينياس. كان الإجراء لا يطاق "من السهل الانحدار إلى أفيرنوس". في "العرافة" ترجمة شيموس في الترجمة للكتاب السادس قال إنياذة لإينيس:

باب الموت المظلم يقف مفتوحا في النهار والليل

ولكن لإعادة رسم خطواتك والرجوع إلى الهواء العلوي

تلك هي المهمة، ذلك هو الإجراء

فقط القليلون هم السادة، أبناء الإله

منهم المحبذ جوبتر، أو الأبطال الذين تعالوا إلى المجد

بجهودهم الخاصة

الكشف

خلال أسابيعي الأخيرة مع غريغ رايت كان لدي فكرتان عن رجال الأموال، لأني أحببتهم. وبينما كنت أريد تأكيد شكوكي الصحفية –محتفظا ببراءتي وبعيدا عن الموكب- كانت أمنيتي حتى يسير الكشف بشكل جيد هو بداية مسايرة حججي، كان لدي من الحكمة بأن أقول لا للعالم على الرغم من أني ما زلت أريد مواد لم أمتلكها بعد وكنت مقتنعا أن الإثبات الحقيقي لهذه الحلوى هو تذوق العالم لها.

فالإنترنت عظيمة في حشد المصادر والحقائق والتأسيس لدقة الروايات. وكنت دائما أشعر أن هذا مهم، ولكن في الوقت نفسه كان يجب عليّ أن أقاتل لأقدم لشكوكي الأوكسجين الذين تحتاجه. قال شباب الأنكريبت إنهم يفهمون هذا- ولكن هل هذا صحيح؟ على ما يبدو أنهم لا يملكون مخططا بديلا إن فشل رايت في البرهنة للعالم أنه كذلك كما يقول.

يمكن للناس أن يبدؤوا بالقول "أكتب كل شيء، حتى العيوب" وينتهون بالقول "أنا غير موجود، ربما كان يجب عليك أن لا تذكرني". في حوار مع ماكغريغور حول هذه النقطة قال: "سمحت لاحتمال أن أعطيه اسما مصطنعا في هذه القصة، قلت هذا لأنه بدا لي منزعجا ولأنه، كما قلت له سابقا، جلب لي القصة ووعدته بالأمان-ولكن هذه الاحتمالية مرتبطة بإثبات أن رايت هو نفسه ساتوشي. كان حوارنا حول استخدام الأسماء الحقيقية غير حاسم- خلال الاجتماع الأخير في برنرز تافرن، بعد أن أعرب ماثيوز عن الآراء التي يجب عليّ من خلالها ذكر أسمائهم وأن أتخذ القرار النهائي فيما بعد- ولكن القرار الأخير اتخذ وفق تطورات القصة.

بدا الرجال السود غير مستعدين لأي شيء من هذا القبيل، كانوا يؤمنون أن الشيء الوحيد ذو قيمة والوارد الوقوع هو أن يكشف غريغ رايت عن ساتوشي ناكاماتو، أكبر الوجوه الغامضة في العصر الرقمي وأن الحقائق ستكون "مرهقة جدا".  في الأسبوع الأخير ومع تحضير الفريق للكشف وجدت نفسي أفقد الاستقلالية، ولا شك في ذلك: فقد شعرت كأني جزء من الفريق. أردت إدخال البهجة على ماكغريغور –إدخال السرور على الناس هو هدفي الأول كرجل وهو فضيلتي الأولى كمحرر- ولكن كان بإمكاني أن أقول لهم أن عملي المعمق قد لا يكون أكثر من تحقيق ميداني. لا أريد أن أعرف نهاية القصة حتى تصبح حقيقة، فقط في العلاقات العامة تتقدم القصة بشكل مستقيم.

عندما كنا بمفردنا كان رايت مصرا على القول بأنه لا يمكنه "القفز من خلال الأطواق" ولكن اكتشفت فيما بعد أنه موافق على فعل ما طلب منه بالضبط. قبل بضع ليال من اللقاء الإعلامي كنت جالسا معه في كوتش أند هورسز في غريك ستريت. قال لي أن شركة بي آر سألت رايت "هل تريد الظهور في التلفاز؟"، فقال "لا يوجد شيء في العالم يمكن أن يجعله يقف أمام عدسات الكاميرا"، ولكن هذا ما حصل.

وقد أشرت إلى حقيقة أن ماكغريغور، عندما قابلته أول مرة تحدث عن كل هذا في "تي إي دي توك" والتي سيكشف فيها عن ساتوشي.

كان رايت يردد "يقول روب دائما 'وأخيرا'"

فسألته "ولكن ماذا تعني 'وأخيرا'"

فقال غريغ "إنها تعني في الأصل "ماذا لو اكتشف الأمر؟"

كان فريق بي آر، تحت طلب من ماكغريغور، على اتصال بعدد من الصحفيين؛ من المهتمين بالموضوع من صحفيي البي بي سي ومجلة ذي إيكونوميست ومجلة جي كيو. فقد أغضب تدخل جي كيو رايت منذ البداية، ولكن شركة بي آر المنظم الخارجي، لديه اتصالاته هناك –فمؤسسها كان محررا مساهما – وقال للمجلة أنها ستعجب بالقصة. ولكن هل شرح فريق بي آر للمحررين هناك من كان خلف مشروع كشف ساتوشي، ومن كان يدفع مصاريفهم؟ سألتهم أخيرا عبر بريد إلكتروني فأجابني أحدهم: "لم يكن من غير العادي بالمرة أن نوجه من خلال التعليمات لتمثيل شخص من خلال مؤسسة مستقلة. كان حوارنا مع جي كيو وكل الصحفيين حول القصة المقترحة".

أرسلت له رسالة إلكترونية مرة أخرى كتبت فيها: "ولكن هل أخبرتهم أن كشف ساتوشي وقع وفق طلب من الشركة التجارية؟" فلم يجبني

وقّع كل الصحفيون اتفاقات عدم الكشف على قرارات الحظر، وسمح لكل منهم بإجراء حوار مختصر مع رايت بعد توضيحه لاستخدامهم لمفتاح ساتوشي. سينعقد هذا الاجتماع في مكاتب شركة بي آر بتوتنهام كورت رود يوم الاثنين 24 نيسان/ أبريل والثلاثاء 25 نيسان/ أبريل.

وجدت هذا غريبا بعض الشيء: كان رايت صعب المراس بالتأكيد ولكن كانت إستراتيجية بي آر من الطراز القديم بامتياز. كل من ينشط في عالم علم التشفير يعلم ما كان يجب على رايت فعله وهو إرسال بريد إلكتروني من عنوان ساتوشي المشهور يعلم العالم أنه ذاهب لتوقيع رسالة باستخدام مفاتيح ساتوشي، وأن يرسل بيتكوين واحدة من أول بلوك. وستضيء كل الانترنت مثل جزيرة كوني في المهرجان العالمي. كان الإعلام المجزأ "للإثبات" بالنسبة لهؤلاء الصحفيين مقنعا ولكنه كان مفارقة تاريخية.

توقعت أنها محاولة للخروج بالقصة من عالم التشفير والثرثرة إلى عالم الإعلام الحقيقي، ولكنها كانت إنشاء لإنذار بخطر جنون العظمة الأمني، لم يكن رايت قادرا على تنظيم حفل ولكن الصحفيين عملوا على تطوير الموضوع وخلق أسئلة أكثر من الإجابات المتوفرة. كنت مراقبا فقط، وكنت قلقا على رايت لأني وثقت به. وشعرت بشكل واضح أن هناك شيئا ما مفقود، شيئا ما على خطأ.

عندما خرجت لشارع ستارباكز بتوتنهام كورت رود كان رامونا وماثيوز قد سبقانا للمكان. كان رايت عابسا بعض الشيء، فقد تقرر خلال الإثبات أن يصطحب الصحفيون معهم ذاكرة التخزين وتظهر توقيع رسالة ساتوشي. (أخبرني رايت فيما بعد أن الأمور التي وضعها في ذاكرة التخزين كانت مزيفة، لا يوجد فيها ما يمكنهم فهمه ومن المؤكد أنها لا تحمل أي علاقة بمفاتيح ساتوشي).

كان ماثيوز أنيقا في ملبسه ويضع نظارة سوداء وكان رايت يلبس ربطة عنق ذهبية وبدلة رجال الأعمال. كانت رامونا تجلس بجانب رايت تداعب أذنه. قال ماثيوز "أعلمني إن ضايقك الشباب" وكان يعني فريق بي أر. "فهم ينسون أحيانا دورهم". كما جرت العادة فإني وجدت ماثيوز يحب ويسهل عنده الحديث عنهم، ولكنه يبدو أنه لا يقدر الفرق بين طريقته في الحديث وسيرك التلاعب المحيط بنا.

تم اقتياد روري سيلان جونس، الملحق التقني لقناة "البي بي سي"، إلى غرفة المؤتمرات رفقة المنتج برييا باتل والملحق التقني لموقع "بي بي سي نيوز"، مارك وارد. جلس رايت أمام حاسوبه المحمول، بالكاد يرفع بصره، حيث أظهرت شاشة معلقة على الحائط ما كان ينظر إليه. كان ماتونيس في الغرفة رفقة ماثيوز، وكانت رامونا قد صعدت إلى الأعلى. كان سيلان جونس كريما ومهنيا ومستعدا للغوص في قلب القصة. بدا وكأنه شعر بالتوتر عندما أحس رايت أثناء طرح الأسئلة بشكل فاضح بالإهانة وظهرت عداوة السائل لرايت. ولكن سيلان جونس لم يكن عدائيا: إن حدث أي شيء فهو أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كان مقتنعا مسبقا وكان مهتما بتتبع قصة الرجل العادي.

قال ماتونيس "عندما بدأت كنت أسأل نفسي حول ما أحتاج أن أعلم حتى أستطيع معرفة من هو ساتوشي إذا ما جاءني أحدهم وادعى أنه ساتوتشي، حيث يمكن تجزئة الحقائق إلى ثلاثة مسارات: مسار علم التشفير، والمسار الاجتماعي والمسار التقني. من الواضح أن المساران الاجتماعي والتقني أكثر وضوحا... سأشرح من خلال علم التشفير، ما شاهدته شخصيا وأعطيك لمحة عن ما سيقدم غريغ هذا الصباح.

ثم تمادى في الحديث عن تفاصيل الإثبات المتعلقة بعلم التشفير، فقال ماتونيس أن "بلوك الأصلي هو بلوك صفر، ولا يمكنك صرف أي بلوكات في تلك السلسلة –وهذا يعني أن البلوكات التي أتت بعد هذا (والتي يمكن صرفها) يمكن نسبتها لصانع البيتكوين"

سأل سيلان جونس: "وماذا يمكن أن نسميهم؟"

"يمكن تسميتهم على التوالي بلوك 1 وبلوك 2 إلخ، الآن هذا الصباح سيقوم غريغ بإثبات توقيع بلوك1 من خلال بلوك 9، شاهدت بنفسي توقيع بلوك 1 و9، لذلك لن يكون هذا تحويلا للبيتكوين، بل فقط توقيع الرسالة، حيث سيقوم به من خلال مفتاح خاص وسيتم التثبت منه من خلال المفتاح العام، هل نحن على اتفاق؟"

في النهاية طلب رايت سيلان جونس أن يعطيه رسالة، وكتب الرسالة وأضاف إليها تعليقا صغيرا: "حسنا، مرحبا بالرسالة التاريخية للبي بي سي"

قال رايت أثناء توقيعه للرسالة باستخدام بلوك 9: "ستكون هذه الرسالة بمثابة إثبات، ولكن إن غيرت فيها رقما واحدا، فلن تكون كذلك"

فقال ماتونيس: "هذا هو المفتاح الوحيد الذي نعرفه ويملكه ساتوشي لأنه استخدم من قبل مطور البرمجيات هال فيني"

فأجاب سيلان جونس: "إذا، فقط لتوضيح الأمر في ذهني، شاهدنا استخدام غريغ للمفتاح الخاص الذي عرف هال فيني باستخدامه ورأينا إثباته باستخدام المفتاح العام"

قال غريغ "نعم"، ثم واصل إجراءات توقيع رسالة بمفتاح ملحق بأول منجم بيتكوين

قال سيلان جونس: "من باب الفضول، كم لديك من بيتكوين؟"

قال رايت: "سيعتبر هذا إفصاحا"

قال سيلان جونس: "هل ما زلت تملك بيتكوين؟"

أجاب رايت: "فقط للمتعة"

انتقل رايت بعد ذلك إلى "الآريا" في خطاب سارتر عندما رفض جائزة نوبل. خطط لاستخدام دالة البعثرة –وهي التي تحول المعلومات إلى وحدة واحدة من الحروف والأرقام- من أجل إرفاق علم التشفير للبلوك 9 بالخطاب الشهير لسارتر ومن ثم إثباتها للعموم على مدونته.

كتب رايت "تنازل عن جائزته لأنه إذا ما قبلتها فستصبح تأسيسا، 'لم أرد توقيع غريغ رايت بصفة ساتوشي، لم أقم بهذا لأن هذا ما أردته، لا يمكنني أن أرفض. لأنه كان برفقي فريق وعائلة. هذا ما أنا عليه ولن أنكر هذا لأنها ليست الحقيقة، لذلك اخترت توقيع سارتر لأنه اختياري. فأنا لم أختر الظهور، بل أجبرت على ذلك'"

سأل سيلان جونس سؤالا منطقيا: "بأي شكل تم إجبارك على الظهور؟"

فردّ رايت: "تعرضت للإهانة من قبل بعض الناس"، ولكن ليست هذه هي الحقيقة: هو لم يشعر أبدا أنه مجبر على الظهور بسبب ما يقوله الناس، بل شعر أنه مجبر للظهور لأنه أمضى اتفاقا مع أنكريبت في حزيران/ يونيو سنة 2015. وقد تبيّن مدى حجم كذبه عندما سأله سيلان جونس لماذا لم يظهر قبل هذا. فقال "أردت الذهاب إلى المؤتمرات وأضع أوراقي أمامي، ولكن لا يمكنني أن أفعل هذا الآن لا يمكنني أن أعود غريغ مرة أخرى".

سُئل إن كان يريد أن يكون الوجه العلني لبيتكوين.

فقال: "لا أريد أن أكون الوجه العلني لأي شيء"، صمت قليلا ثم نظر إلى الأسفل ثم قال أن مدونته ستشرح كل شيء وستساعد الناس في تحميل المواد وفهم عمل المفاتيح.

سأل سيلان جونس: "متى سيتحقق ذلك؟"

أجاب رايت: "يوم الاثنين أو الثلاثاء"

قال سيلان: "سيكون من بين الناس من سيحاول يائسا إثبات أنك على خطأ، هل أنت واثق من أن درعك ليس به ثقوب؟"

فقال: "سيقولون أني سرقت المفاتيح، وأني دفنت ساتوشي في خندق، سيقولون كل شيء".

خططت "البي بي سي" إلى العودة في الغد رفقة معدات التصوير. ثم جاء رجل من مجلة ذي "إيكونوميست"، يدعى لودفيغ سيغيلي وهو يلبس بدلة رمادية، حيث بدا من الوهلة الأولى أقل مودة ولكن أسئلته كانت تلقائية. يمكنك أن تلاحظ أنه لم يكن مرتاحا بالكامل مع طريقة إدارة بي آر في كشف ساتوشي. وقع رايت رسالة من سيغيلي باستخدام بلوك9، وكان لديه المفتاح الخاص الذي أثبته الحاسوب، فقال سيغيلي: "عذرا ولكني ما زلت غير مدرك معنى ذلك"

قال رايت: "هذا يثبت أنه معي المفتاح الخاص، كل المفاتيح الأصلية الخاصة"

فقال سيغيلي: "حسنا، إذا فالسؤال الأول الذي سيطرحه القراء، "لماذا الآن؟'"

لم يتردد رايت في الإجابة، لقد وظف تدريباته الإعلامية، فقال: "لقد حاولت تجنب الإعلام، ولكن بدأ هذا في التأثير على بعض الناس، أفضّل التزام الصمت. لماذا الآن؟ لدي فريق وعائلة... كل التلميحات والأكاذيب". لم يحدثني خلال الأشهر التي قضيناها من اللقاءات عن أن سبب كشفه عن نفسه هو سوء التمثيل الإعلامي. تقبلت ذلك، على الرغم من أنه قال هذا لهؤلاء الصحفيين، تخيل لو كان سبب كشفه عن نفسه هو إدراكه بأن ضغط مكتب الضرائب هو سبب الضغط الحقيقي في حياته. قلت هذا لفريق أنكريبت ووافقوني الرأي.

يتسأل لودفيغ سيغيلي فقال: "لماذا أخفيت هويتك على كل حال؟"

فقال رايت: "لا أريد أن أكون شخصية عامة، آمل أن لا يستمع الناس إلى ما يقوله غريغ رايت. لينظروا إلى الحقائق وأن لا يتخذوا قراراتهم وفق ما يقوله ساتوشي".

ذهبت في ذلك المساء إلى موعد آخر بينما ذهب رايت إلى بارسونز غرين لالتقاط صور فوتوغرافية لجي كيو. في الصباح الموالي ومرة أخرى في ستارباكز، كان ماثيوز يسخر من كل أعمال التصوير الفوتوغرافي، ويتهكّم حول فكرة المجلة الأصلية بأن يلبس قناعا في إحدى الصور حيث أراد أن يستبدلها بسرعة بفكرة أخرى. وصف ماثيوز ما حدث في لقاء مع كبير المحررين المكلفين ستيوارت مكغورك، وباح بما أخبره به رايت: "إن الأمور سارت على نحو طيب، كان الصحفي لطيفا، ولكن كان يوهم من خلال تلك الشخصية الغبية أنه خبير".

إن الرجل الذي كانوا يتحدثون عنه كان محاضرا جامعيا في علم التشفير، جلبه السيد مكغورك من أجل المساعدة في التثبت من صحة الإدعاءات. قال ماثيوز: "كان ذلك ممتعا للغاية، فقد طرد رايت الرجل خارجا". ووفقا لشاهد عيان، فقد سأل رايت بغلظة حول فهمه للتشفير باستخدام المفاتيح العامة والخاصة: "بدت السخرية على وجهه في تلك اللحظة".

قال رايت: "كأنه كان يقول لي بأنه مؤهل أكثر مني، أصبح اللقاء لطيفا ولكن كان ذلك الرجل غبيا فطردته". ماتونيس الذي كان حاضرا قال إن المشهد بدأ يسوده التوتر. لم أكن متأكدا إن كان من الحكمة تحية المنصرفين والمعارضين، حتى المخطئين، ولكن رايت كان يصفق لأنه فعل هذا. أعترف أني شعرت أنه من الخطأ أن تخبر الصحفيين نصف الرواية تاركا لهم المجال لسوء فهم الأسباب التي جعلته يتصرف كساتوشي.

في اليوم الذي عادت فيه قناة "البي بي سي"، أصبح الغضب باديا على رايت أكثر من اليوم الذي سبقه، وأقل تعاونا في حضور فريق التصوير. شعر بأن فعل أكثر مما يجب أن يفعله وهذا ما قاله. جهّز المصور الكاميرا وأخذ سيلان جونس موقعه وطرح السؤال التالي: "إذا من أنت؟ وماذا ستريني اليوم؟"

"اسمي غريغ رايت وسأريكم اليوم إثبات توقيع الرسالة بمفتاح ملحق بأول معاملة على الإطلاق على بيتكوين – تحويل 10 بيتكوين إلى هال فيني"

سيلان جونس: "ومن قام بأول معاملة"

رايت: "أنا فعلت ذلك"

سيلان جونس: "وما هو الاسم الملحق بالمعاملة؟"

رايت: "الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو"

سيلان جونس: "إذا ستثبت أمامنا أنك أنت ساتوشي ناكاموتو؟"، نظر غريغ بدهشة وقد بدا عليه التردد.

رايت: "نعم"

سيلان جونس: "هل أنت واثق بأن هذا سيثبت للعالم أنك ساتوشي؟"

رايت: "هذا يثبت أن لدي مفاتيح... أشياء أخرى ستصدر وستقدم المساعدة... بعض الناس سيصدقون ذلك وبعضهم الآخر لن يصدق، وحتى أكون صريحا معك، فأنا لا أهتم"

سيلان جونس: "ولكن هل يمكن أن تقول بأمانة وصدق: أنا ساتوشي ناكاموتو؟"

رايت: "أنا هو الجزء الرئيسي منه، وساعدني بعض الأشخاص، فلم يكن ليحدث كل هذا دون مساعدة دايف كلايمن وهال فيني ودون هؤلاء الذين أخذوا الأمر على محمل الجد مثل غافن ومايك"

سيلان جونس: "وكان لهذا تأثير كبير على حياتك؟"

رايت: "للأسف نعم"

تغير شيء ما في رايت في تلك الدقائق. بهذه الأسئلة المباشرة عن ساتوشي، أصبح إحساسه بنفسه غير متماسك ولم يعد يشعر بالراحة. فقال؛ إنه يريد أن يتوقف الناس أن انتظار الأجوبة منه.

قال سيلان جونس: "قم بهذا في الأعلى"

رايت: "في الأعلى؟"

سيلان جونس: "سنصور فيلما في الأعلى، دون حاسوب"

تمتم رايت بكلمات وحدق في الحاسوب كأنه أراد أن يُسحب إلى داخله وأن لا يخرج للعالم الحقيقي أبدا، وقال : "أريد أن تكون الأساسيات على الحاسوب"

فقاطعته المنتجة وقالت: "لأننا لم نقم بذلك الشيء القليل أمام الكاميرا بعد"

فجاء المدير التنفيذي لبي آر، والغضب باديا على وجهه، وقال: "هل يمكننا أن نقوم بذلك بالأعلى؟ هل من مجيب عن سؤال 'لماذا الآن' في الأعلى؟ وننهي العمل؟"

قال رايت: "كما تعلم، في الحقيقة أنا لا أشاهد التلفزيون".

غادرت البي بي سي الغرفة لاكتشاف الموقع، بحثا عن مكان مناسب للجلوس من أجل الحوار. حدثني رايت متذمرا كيف تم إقحامه. وقال لي رئيس بي آر "لا أريد صورة أمامية كبيرة عني، أفضل أن أكون خلف الشاشة ... أنا لست معارضا ما دمت أستطيع الاختباء خلف الشاشة" فقال رئيس فريق بي آر إنه لا يمكنه فعل أي شيء لا يريده رايت.

قال رايت "سأجيب فقط على السؤال الواحد"، ثم غادر رئيس فريق بي آر وتركني رفقة رايت في الغرفة نفسها.

فسألته: "هل تشعر بالقلق عند سؤال 'هل أنت ساتوشي' بهذا الشكل؟"

فأجاب "نعم"

فسألته "هل هو سؤال فظ؟"

فقال: "ما مدى أهمية هذا، باستثناء أنك تحتاج شخصا ما لمهاجمته، شخصا لعبادته. أقصد، بحق السماء. سأقوم بهذا، هذا هو، اغربوا عن وجهي. يمكنني الالتفات حول المكان وأنا أقول 'رجاء صدقوني' ولكن الأمر أكثر من العبثية، أشبه بذوبان الساعات في المناظر الطبيعية"، في تلط اللحظة فتح الباب ودخل مستشار بي آر

قال "غريغ، لقد شرحنا للبي بي سي أنك تريد البقاء هنا بالأسفل، سيعملون على احترام رغباتك، وسيكون هذا آخر شيء يفعلونه..."

بدأ غريغ يرتجف، ومسح شعره للخلف، كان وجهه شاحبا كأنه ينطق بهذه الكلمات "لا لا لا"، وقال :"ترى هذا الباب؟، لا أريد سماع أي كلمة أخرى، هذا هو، هذا طريقي" ثم مشى بعيدا وصفع الباب وغادر المكان ليتركني رفقة رئيس بي آر

قال الرئيس غير مباليا: "نحن نقوم بعملنا"، ثم عاد رايت بعد وقت قصير ومعدات الميكروفون موصولة خلفه.

ثم قال رايت وهو في حالة من الثوران: "هذا طريقي وإلا فلن أعود مرة أخرى، واضح؟ أنا لا أقوم بهذا من أجل فريق بي آر اللعين، ولا من أجل أي شخص آخر. أنا لا أهتم لما يقوله الناس، أفضل أن لا أقوم بهذا. كلمة إضافية حول هذا ولن أعود مجددا، لست أبالغ، لن أدخل هذا المكتب مرة أخرى ولن أجيب عن رسائلكم البريدية ولن أحدث أي موظف من بي آر... مفهوم؟"

قال رئيس بي آر: "نعم"

رد رايت: "شكرا"

غادر الرئيس مرة أخرى، وأصبحت أنا ورايت لوحدنا مرة أخرى، فقال: "لقد ضغطوا علي كثيرا، أنا بعيد كثيرا عن المكان الذي أردت أن أكون فيه، أنا أقوم الآن بعمل تلفزي، وكل شيء يسير دائما على نحو 'المزيد من التفاصيل، المزيد' أي قليل 'أغربوا عني' ألا يشبعون؟"

سألته إن كان كلايمن موجود مكانه فماذا سيفعل، فقال: "أفضل مما قمت به؟ كان سيقول لهم أغربوا عن وجهي ولكن بأسلوب لطيف، هال كان سيقوم بهذا بشكل أفضل بكثير"

ثم سألته: "في ما تظنهم يتحدثون هناك؟"

فقال: "في الحقائق التي لا أريد التحدث فيها، في الحماقات الكثيرة 'يتمتع هذا الرجل بفجوة كبيرة من المصداقية التي أحسن التعامل معها، أنا مستعد لأقتنع أنه ساتوشي ولكن...'"

عادت البي بي سي من الأسفل لسؤال "واحد"، وكان من الطبيعي أن لا يسأل سيلان جونس سؤالا واحدا، في حالة الذعر والعداء التي كان فيها رايت، كان سيلان يبحث عن كبش فداء، لم يكن فريق بي آر كثيف اللحم وبدا على ماثيوز أنه الرئيس، فاختار البي بي سي ككبش فداء، قائلا مباشرة بعد مغادرتهم الغرفة إنهم قد فسخوا عقدهم معه، وأنهم كانوا مجموعة من الكذابين: "لن أجري أي حوار متلفز معهم ما حييت، أبدا"، وأثناء حديثه كنت أتخيله يعمل مع فوكس نيوز أو يجري مقابلات روتويلر، ثم قال: "كان كل الموضوع مجرد محاولة لجعلي شيء أنا لا أريده".

قلت: "غريغ كان هذا الحوار أشبه بحوار كرة البيسبول، لا يمكنك أن تلومهم لأنهم تحولوا للسؤال عن الإثباتات"

فقال: "هل أنت تتحدث عن الإثباتات أم الحقائق؟ يبدو أنك تخلط بين الاثنين. ليسا سيان وهذا ما أحاول شرحه، أعطيتهم الإثباتات ولكنهم يريدون المزيد"

كان رايت سعيدا عند إلقاء محاضرات عن الخوارزميات ليلا نهارا، ولكنه لن يذكر أسماء وكان يصارع من أجل تقديم حقائق للعالم الحقيقي عن بصمات ساتوشي.

كلما فكرت فيه كلما أدركت وجود شيء ما مريب بالنسبة له، بمفهوم البصمات فإن ساتوشي رجل واحد وبالتالي لديه مجموعة واحدة من البصمات، ولكن ساتوشي الذي يعيش في الانترنت قد يكون وراءه عديد الأشخاص. ولكن هناك شيء ما كشف عند حواره مع بي بي سي –شيء ما غيّر في سلوكه اللطيف تجاه أناس وظيفتهم طرح الأسئلة المباشرة- وتعامله مع جلسات الإثبات جعل من الواضح الخطورة التي يمثلها رايت لمصداقيته الذاتية. بعد شهر عندما سألت سيلان جونس إن كانت شركة بي آر قد شرحت له أن هناك شركة تجارية كانت تقف خلف الكشف عن ساتوشي فقال أنه لم يسمع بهذا من قبل : "فقط أنهم كانوا يمثلون الرجل الذي كان ساتوشي"

حقوق الحياة

في الساعة السابعة وواحد وخمسون دقيقة من يوم 2 آيار/ مايو 2016 كان الجميع في حالة صمت أمام تويتر، في الحقيقة ليس صمت ولكن بحثا عن اسم ساتوشي ناكاموتو أو غريغ رايت في أي مكان. كان ذلك يوم الحساب، اليوم الذي سيرفع فيه المنع وستصبح المؤسسات الإعلامية تدير برامجها الخاصة عن اسم ساتوشي.

في الساعة السابعة وخمس وخمسون دقيقة كان التوجه نحو لعبة جيم أوف ثرونز وجيري آدمز بسبب استخدام مفردة "زنجي"، كما التوجه نحو حرائق الغابات الكثيفة بفورت ماكموري والتفجير الذي جد في واست بنغال. كان هناك شعور بالصمت الكبير الذي يسبق العاصفة.

في الساعة الثامنة نشر رايت على مدونته ما يفترض أنه جزء من خطاب سارتر ومنشورات متنوعة عن نفسه بصفة ساتوشي. في اللحظة نفسها نشر غافن أندرسن رسالة على مدونته بعنوان: "'ساتوشي'. 'أؤمن أن غريغ ستيفن رايت هو الشخص الذي اخترع بيتكوين'"، وبدأت بـ:

سافرت عبر الطائرة لملاقاة الدكتور رايت في لندن قبل أسبوعين من الآن، بعد أول رسالة إلكترونية تقنعني بأن هناك فرصة كبيرة بأنه الشخص نفسه الذي أتواصل معه في 2010 وأوائل 2011. بعد تمضية الوقت معه اقتنعت بما لا يدع مجالا للشك أن غريغ هو ساتوشي

مضى جزء من الوقت في تفحص الإثباتات  التشفيرية بعناية للرسالة الموقعة بالمفاتيح التي لا يمتلكها إلا ساتوشي. ولكن حتى قبل ذلك شاهدت مفاتيح موقعة وأثبتت في ما بعد على حاسوب نظيف لم يعبث به، كنت مقتنعا بالحجج أني كنت أجلس أمام أب البيتكوين

خلال اجتماعنا، رأيت ذكاء، عناد، تركيز، كرم- الخصوصية، البحث-  الشخص الذي يشبه ساتوشي الذي عملت معه 6 سنوات. وقد أوضح لي عديد الألغاز، بما في ذلك سبب اختفائه وعن مشاريعه منذ 2011، ولكني سأحترم خصوصية الدكتور رايت، وأدعه يقرر المقدار الذي سنشاركه مع العالم من قصته.

نحن نحب خلق الأبطال-ولكن يبدو أننا نحب كرههم إن لم يرتقوا إلى بعض الأفكار التي لا يمكن تحقيقها. سيكون من الأفضل لو كان ساتوشي ناكاموتو هو اسم شفرة لمشروع لوكالة الأمن القومي أو شفرة ذكاء صناعي أرسلت من المستقبل لدعم أموالنا البدائية. ولكنه ليس كذلك، هو إنسان من بين البشر الغير معصومين مثلنا. آمل أن يحسن التصرف ويتجاهل العاصفة التي ستصنعها تصريحاته، ويواصل فعل ما يحب – التعلم والبحث والاختراع

أنا سعيد جدا لأني تمكنت من قول أني صافحته وشكرته لاختراعه البيتكوين وتقديمها لهذا العالم.

كما أنه في الساعة الثامنة، مع رفع الحظر، ظهرت أول تغريدة لروري سيلان جونس:"قال غريغ رايت للبي بي سي أنا من اخترع البيتكوين أنا ساتوشي ناكاموتو، ونشر حقائق تدعم قوله". بعد دقيقة ظهرت تغريدة أخرى ل@كالفن-أيري تنص على أن غريغ رايت هو ساتوشي وذلك بالإثباتات. بعد دقيقة طلبت ذي إيغونوميست، من خلال رابط للودويغ سيغيلي في مقال مفتوح، المزيد من التفاصيل وحقائق أفضل.

في الساعة الثامنة وتسعة دقائق أذاع برنامج راديو "4 توداي" تقرير سيلان جونس: "أنا على وشك أن أثبت توقيع رسالة بمفتاح الملحق بأول معاملة وقعت على البيتكوين"، كان التقرير مختصرا وذكر رايت مرة واحدة، وقال فيه أن رايت أمل في الاختفاء وأن هذا صعب. لقد عرضوا الجزء من الحوار الذي قال فيه رايت أنه كان فردا في الفريق الذي كان وراء ساتوشي.

قال جاستن واب، مقدم البرنامج، وهو يضحك: "يبدو هذا معقولا" ثم شغلوا الجزء من الحوار مع تونيس، الذي قال فيه "أنا مقتنع 100 بالمائة"

"لماذا يجب على الناس أن تثار حول هذا؟"

أجاب ماتونيس: "لقد وضعته في مستوى مطبعة غوتنبرغ"

قال سيلان جونس في تقريره: "الكثير من الناس سيقولون هذا مهم جدا في عالم الانترنت وأنه يجب الاحتفال بهذا الرجل كأنه تيم برنرز لي"

هذا ما كتب إيان غريغ، من داخل فريق بيتكوين، على مدونته "كشف غريغ رايت عن نفسه بصفته قائد فريق ساتوشي ناكاموتو"

في وقت ما من صيف 2015 بدأ السر في الانتشار، وكانت الكتابات على الحائط. بدأ الانتهازيون والهاكرز بالمهاجمة، أحيانا مع بعض وأحيانا أفرادا؛ وقد زادوا الطين بلة، انخرط الدكتور رايت وشركته في معركة قاسية طويلة الأمد مع مكتب الضرائب الأسترالي. منذ ذلك الوقت والفريق بين شدة الاختباء وقلته، والحذر بين النفقات الكبيرة وبعض الخوف... مات ساتوشي ناكاماتو في هذا اللحظات.

كان ساتوشي أكثر من مجرد اسم، كان فكرة، سرا، فريقا، ورؤية. يعيش ساتوشي الآن في شكل جديد- تغير. ذهب الكثير من هذا السر، ولكن الرؤية ما زالت هناك. كان ساتوشي رؤية،ولكن كان غريغ مجرد رجل. لا يستويان، لا يتكافئان ولا يقتربان حتى من بعضهما...  صحيح أن غريغ هو أكبر جزء في عبقرية الفريق ولكن لم يمكنه القيام بهذا لوحده.

خلال الساعات التالية كتب اسم غريغ رايت عشرات آلاف المرات على محركات البحث، ومنتديات "رادت" ونهضت مجتمعات تشفير العملة للعمل من جديد. في الأثناء نسخ عملي في الرسائل الإلكترونية التي أرسلتها شركة بي آر لأنكريبت وفريق رايت. كما تصدرت هذه الأخبار المؤسسات الإعلامية الأقل قبولا، لتقول: "قرار رايت بالظهور للعلن تبعه سلسلة من التصريحات المضللة والتي انتشرت وأراد رايت تصويبها" كما قالت المؤسسات الإعلامية "كما أطلق رايت منتدى يهدف إلى الإلمام بموضوع البيتكوين ودحض الأساطير وللمساعدة في إطلاق كامل قدرات العملة الرقمية. كما يريد إنشاء فضاء للمتطورين والمنتجين يزودهم بالحقائق حول هذه تكنولوجيا من أجل مزيد انتشار البيتكوين وسلسلة البلوكات"

وقد كتب رئيس فريق بي آر، على الساعة التاسعة وواحد وثلاثون دقيقة، للفريق "عظيم فل تبدأ"

ثم كتب رايت قبل العاشرة صباحا: "شكرا، فالأمور تسير بشكل جيد"

ثم رد عليه الرجل الثاني في فريق بي آر بعد دقائق: "كل شيء يسير وفق المخطط"

ثم كتب رئيس فريق بي آر على الساعة العاشرة وثلاثة عشر دقيقة: "نحن على المسار الصحيح بأشواط"، وكان هذا آخر ما صدر من بين أفضل الأخبار من عالم العلاقات العامة

في الأثناء كان المنتدى يتلقى النوع الخاطئ من الاهتمام، فقد درس مجموعة من الباحثين ما قام رايت بكتابته ولاحظوا أن التفسير الذي قدمه كان مغشوشا- بل أسوء من مغشوش، ومزيفا. شيء ما قال إنه من توقيع مفتاح ساتوشي قد وقع قصه ولصقه من توقيع قديم ومتوفر للعموم من تواقيع الملحقة بناكاموتو.

كان الأمر مذهلا وكبر الضجيج بشكل سريع وعنيف. مرت كل تلك الساعات في الشقق السرية أمام مخيلتي. كان هناك دائما شيء ما مفقودا، شيء ما لم يرد أن يظهره. ولكن هل هذا لأنه لم يرد كشفه أو لأنه يصعب فهمه. أرسل لي رسالة على البريد الإلكتروني: "لقد غيروا ما نشرته على مدونتي، وسيعود كل شيء كما كان وكما أريد ولكن فقط أريد الحديث مع سيتفان"، فأجبته "ولكن كيف تمكنوا من تغييره؟"

اعتقدت أنه كان يكذب. فقد كذب من قبل. ولكن أن يكذب بهذا الوضوح وأمام العلن جعلني أفكر أنه قد فقد رشده. لا يوجد طريق واضح لتسوية مثل هذه الأفعال مع رغبته في عدم الدعاية. لقد زيف إثباته، والآن تنهش الانترنت لحمه. فكرت للحظة أنه يستمتع ببكاء الكارهين له ولكن كيف له أن يقوم بهذا بحق أندرسون وماتونيس؟ فجأة بدا معارضيه أكثر حكمة وعددا، استغرق مني الأمر بضعة أيام لأرى أن أفعال رايت تتناسب مع شيء ما عميق في شخصيته. لم يرد الظهور ولكن عندما ظهر أفشل بنفسه امتحان الأبوة. ولكن كان لدي ذلك الشعور بأنه هو من اخترع هذه الخدعة ليبدو بمظهر المخادع البسيط.

قال فيتالك بوترن، الشخصية شديدة التأثير في عالم تشفير العملة، متحدثا في اجتماع توافقي عقد ذلك اليوم في نيويورك عن البيتكوين: "سأشرح لكم لماذا أعتقد أنه ليس ساتوشي على الأغلب". حضر أحد أصدقائي هذا الاجتماع وقال أن الحضور بدؤوا يومهم بالتحية والصراخ: "ساتوشي الرضيع" ولكن مع قرب وداع ذلك اليوم أصبح اسمه موجود في كل نكتة بهدف السخرية.

دعا مطورو النواة وغيرهم رايت لتوقيع شيء جديد أمام العموم والآن مستخدما البلوك العبقري الذي ينسب لناكاموتو. كان أحد هؤلاء بيتر تود، والذي نشرت مجلة فوربس هذه العبارة له: "كل ما يجب على رايت القيام به هو توفير توقيع 'غريغ رايت هو ساتوشي ناكاموتو' بتوقيع مفتاح يعرف به ساتوشي 'يسهل القيام بهذا...إن كنت فعلا ساتوشي. وسيكون هذا كما تعلم إثباتا كافيا إن فعل هذا، وسيقتنع واضعي الشفرات'".

كان هذا أغرب عنصر بالمرة: رايت، الذي أمضى عمره في وضع الشفرات، يجب أن يعلم أن خدعته ستكشف مباشرة. ولكن عندما سألته عن هذا قال لم تكن خدعة بل كانت خطأ وقال: "لقد قطعت ولصقت شيئا لضيق الوقت ولكن كنت أعلم أنه كان يجب عليا تغييره في ما بعد، ولكن نسيت ذلك"

بدا ذلك الصوت أجوف بالنسبة لي، أشبه بكلمات الرجل المنهار. لقد زيف التوقيع عن عمد، آمنت في تلك اللحظة أنه ضلل أصدقاءه محاولا التملص من ساتوشي، وهو ليس بالضرورة الأمر نفسه لو لم يكن هو ساتوشي. وقد قال جيري بريتو، المدير التنفيذي لكوين سنتر: "لا يمكنني التفكير في الطرق الملتوية التي سيسلكها غريغ رايت من أجل أن يثبت من خلالها أنه ساتوشي كما فعل سابقا"، كما قال إيمن غون سيرر، بروفسور في جامعة كورنل وقد انتقد رايت من قبل وأشار إلى رايت بـ"لاعب التلوي الحديث": "لم يوفر أي حقائق في علم التشفير يمكن للعامة التثبت منها، كما أن العديد من إجاباته تبدو مريبة بشكل واضح"

في اليوم الموالي تحولت إلى مكتب ماكغريغور وعثرت عليه جالسا مع ماثيوز في غرفة اجتماعات مظلمة. كانا منحيين على المكتب، مرهقين ومصدومين. عندما سألتهما عن ما حصل، حرك ماكغريغور رأسه. كانت المرة الأولى منذ ستة أشهر أسمع فيها ماكغريغوروألحظ أنه غير متماسك. وقال: "فعلها غريغ لقد كان لطيفا مع الرياضيات، كان يحاول الحصول على موافقة من قبل مجلس الأمناء من أجل الحصول على المفاتيح الخاصة... ولكن لم يسمح له الوصول إلى العملات أو القيام بأي شيء غير هذا. لذا كل ما يحاول فعله هو إعادة توقيع رسالة..." ثم قاطع ماثيوز الحديث قائلا أن رايت لم يحصل أبدا على ثقة الأمناء في استخدام مفتاح عمومي أو لأي شخص آخر.

فتساءلت قائلا: "لماذا لا يقول هذا فحسب؟"

قال ماثيوز: "قل لي أنت"، ثم بدأ ماكغريغور يشرح كيف أن الرسالة الموقعة يمكن أن تستخدم بشكل بغيض من قبل أشخاص لديهم حواسيب قوية بشكل كاف. وقال أن الأمناء لا يريدون لأي شخص أن يحلل تلك البلوكات. لست متأكدا إن كان يتعلق بقشة، ولكن ما قاله لا يشرح الصدفة أو الخداع لما قام به رايت. قال ماكغريغور إنه كان مع ماثيوز في حضرة رايت وأشار إلى أن اللقاء كان في جو من الصراخ والقبح. ولكنه قال إن الأمور تسير على نحو جيد: "تحصلنا على موافقة لفظية من الأمناء لتحويل العملات ونحن فقط في انتظار الموافقة الكتابية"

كان ماكغريغور وماثيوز في غرفة الاجتماعات لساعات يحاولان تعديل الأمور. كان يعتقدان أنهما لا يزالان قادران على المحافظة على سير المياه في مجاريها. كان ماكغريغور يكتب في منتداه الجديد لرايت. وطلب منه مساعدتي لأحدهما وقد شرحت أنه يجب أن أنأى بنفسي عن كل الموضوع. قال ماكغريغور أنه يجب علي أن أكون قريبا. وقال إنهم "سيغرقون المنتدى بالحقائق" ويجعلون رايت "يحرك" بعض عملات بيتكوين الخاصة بساتوشي، وتحويلها إلى شخص آخر، بشكل لا يمكن لأي شخص القيام بهذا إلا مالك مفاتيح ساتوشي الخاصة. وقد وافق أندرسون على أن يكون الطرف المستقبل لمعاملات العملات.

قلت: "لقد نهش لحم غريغ هناك"

نزع روبرت ماكغريغور نظاراته، وقال: "في أول اجتماع لنا معه بالأمس انتهى: 'أنت مطرود. اقتني تذكرة عودة إلى سيدني، لقد خسرنا كل شيء وهذا بسببك، حظا سعيدا مع مكتب الضرائب الأسترالي'"

قال ماثيوز: "لم ينم الليلة الماضية، بدا في حالة يرثى لها، لقد خاطر بتدمير كل سمعتنا"

قال ماثيوز: "سُمعته أم سُمعتنا، كنت أجري مواعيد مع المصارف الاستثمارية في الأشهر الأخيرة، لقد سحبت كل خيط أعرفه من أجل الحصول على لقاء مع غوغل وأوبر. إن أطفئ الشعلة فسأنطفئ معه، أعني لقد أهلكنا، ملايين الدولارات خارج جيبي، تسع أشهر مضت من حياتي. ولكن ما لدينا الآن هو غريغ رايت المطيع. علينا إنقاذ كل هذا من الانهيار"

قلت: "إنها مهمة صعبة يا روب"

قال لي ماكغريغور: "وأخيرا أوسعته ضربا اليوم، لا مزيد من القرارات. هذا ما سنقوم به، لأنه يعلم أن الخطوة القادمة هي وضع فرشاة أسنانه في حقيبة والتوجه للمطار، ثم حظا طيبا في أستراليا"، وقال لي إنه سيبدأ يوم الاثنين صباحا بمعنويات عالية لا يمكن حصرها: "لا أستطيع أن أصدق أننا حافظنا على كل الجراء في صندوق كل هذا الوقت" ثم قال لنفسه: "لم يقم أي شخص بقهر الحظر، اللعنة سوف ينجح هذا، وبعد..."

تحدثنا عن كذبة رايت المحتملة. قلت على الرغم من كل تلك جلسات الإثبات فقط تصرف بهذا الشكل كأن هذا كان آخر شيء يريده.

قال ماكغريغور: "هذا غير صحيح، يريد إخافتنا وهو يحب ذلك، لماذا كنت متأكدا جدا أنه كان سيجري لقاء مع بي بي سي في اليوم الموالي؟ إنه العشق، أراد هذا أكثر مما أردناه، ولكنه أراد الخروج من هذا المأزق في شكل الذي زج به". سألني إن كان كل شيء يسير وفق المخطط، وأن العمل الأساسي جاهز من أجل بيع براءة الاختراع. لقد كانت صفقة هامة. وقال إن رامونا قالت له إن لم يكشف رايت فأنت تمتلك ذلك الشاب الحقيقي والذكي الذي أسس كل براءات الاختراع والذي يعرف كل شيء عن البيتكوين.

قال ماكغيرغور: "صحيح، أنت وخمس مائة شخص آخرين من الذين تم استدعاؤهم اليوم". صافحتهم وتمنيت لهم حظا جيدا، معتقدا أني لن أرى ذلك الرجل ذو الرداء الأسود. ولكن مع نزولي في المصعد، وعلى الرغم من كل شي، فكرت في أني سأفتقد ذلك الحماس وذلك الإيمان.

كان غريغ ضائعا في المتاهة التي صنعها بنفسه أو التي صنعها في المجمل بنفسه. لم يرد أن يكون ساتوشي ولم يكن يريد أن يكون غريغ ولم يكن يريد أن يخذل. ما زالت تلك الرسالة على اللوحة تضيء الجدران المغلقة عليه. في الأربع والعشرون ساعة القادمة وافق على تحويل عملة ساتوشي وعلى أن تنشر مدونته تلك الحقائق. والتي تقول: "التصريحات غير العادية تحتاج إثباتات غير عادية". وكان قد قرر إثباتها.

في اليوم الموالي، الأربعاء 4 آيار/ مايو كان ماثيوز في منزل رايت ينظم نقل العملة. يهدف الإثبات الجديد (والأخير) في سحق كل الشكوك التي خلقها الإثبات الأول. شعر الكثير من المتابعين أنها متأخرة وقد كان رايت خارجا عن الحدود بينما توافق ماثيوز وماكغريغور مع أندرسون، وأيضا مع سيلان جونس في البي بي سي، على أن تحويل العملة سيصلح ما فسد.

تحدث رايت مع أندرسن عبر الهاتف من منزله –وكان أندرسون في نيويورك- وقال له إنه قلق حيال وجود خلل أمني في أوائل سلاسل البلوكات. يتمثل هذا المشكل في أن أول البلوكات التي أسست تجعل من الخطر إرسال العملة عبرها لأنها تكشفه وتجعله عرضة للسرقة. تقول مصادري أن أندرسون تفهم المشكل وأكد له أن الأمور على ما يرام، وتم معالجة الوضع. ولكن رايت لم يهنئ لم بال وواصل قلقه وأبدا ترددا كبيرا في تقديم الإثبات النهائي. ثم غادر الغرفة فجأة ولم يعد.

في اليوم الموالي أرسل لي رسالة على البريد الإلكتروني بها رابط لمقال بعنوان "ألمحت شرطة المملكة المتحدة بالاعتقال الوشيك لغريغ رايت"، يتحدث هذا التقرير عن أن أب البيتكوين قد يدان بتهمة الإرهاب وذلك بسبب شراء بعض الأشخاص لأسلحة بعملة البيتكوين. تحت ذلك الرابط كتب رايت شرحا هذا نصه: "علي دفع مليار دولار أو أن أدخل السجن، لم أرد قط الظهور ولكن إن ثبت هذا فسيدمرونني ويدمروا عائلتي. أنا مصدر تمويل الإرهاب لأني صنعت البيتكوين أو أنا مجرد خدعة في هذا العالم. على الأقل إن كنت خدعة فسيمكنني ذلك من رؤية عائلتي. لا يوجد ما يمكنني القيام به."

كان محبطا، لقد كان بمثابة المتسابق الذي فشل في إكمال العشرين ياردة التي تفصله عن خط النهاية، الرجل الذي تجمد في لحظة الحقيقة وبدأ يسير إلى الخلف. لقد قال إنه يخاف الإدانة من جهة والإهانة من جهة أخرى. جاء طفل الإحداثية في رواية "شعور الوحدة الذي يرافق عداء المسافات الطويلة"، للكاتب ألان سيليتو، من عائلة تمارس الجري كثيرا "خاصة الجري الذي يتزامن مع الهروب من الشرطة". كره أن يفهم، شاعرا بأن السلطة هي الوحيدة القادرة على إركاعه وأخذ خصوصيته الرئيسية، عالما "أنهم لا يمكنهم تسليط أشعة أكس على أحشائنا لمعرفة في ما نحدث أنفسنا".

يعيش الطفل وفق قوانينه، أي لا يسمح للتمويه حول حقيقة قوته، حتى عندما تكون الضغوط كبيرة والمكافآت جيدة. لذا رفض الفوز. أثناء تمثيله الإحداثية في منافسة للجري، كان أول العدائين ولكنه توقف وتركهم يمرون ثم توجه في النهاية نحو الشريط. كتب سيليتو: "لقد تحصلت على الحبل، ثم انهار، ومع صوت زئير قاتل مر من خلال أذني بينما كنت في الجانب الخطأ".

في رسالة بريدية أخرى أرسلها ذلك اليوم، كتب رايت: "أندرو لا أعلم ما يمكنني قوله. إن كان الخيار الذي أمامي هو عرض الإثبات وإنقاذ نفسي، أم إهلاكها"، في ذلك المساء أغلق المنتدى –الذي كان معدا لأحباء العملة المشفرة وإرشادهم في العالم الجديد- ولكن ترك خلفه تعليقا أخيرا:

أنا آسف، اعتقدت أنه يمكنني القيام بهذا. اعتقدت أنني يمكن أن أضع سنوات التخفي وراء ظهري. ولكن مع انكشاف أحداث هذا الأسبوع استعددت لنشر إثبات الوصول بالمفاتيح الأولى، ولكن انهرت. ليس لدي الشجاعة. لا يمكنني فعل ذلك. عندما بدأت الإشاعات هوجمت كفاءاتي وشخصيتي. وما أن تبين خطأ هذه الإدعاءات حتى ظهرت إدعاءات جديدة. أعلم الآن أني لست قويا كفاية من أجل هذا، أعلم أن هذا الضعف سيسبب أضرارا كبيرة لهؤلاء الذي ساندوني وخاصة لجون مانتونيس وغافن أندرسون. ما أستطيع قوله الآن هو أن آمل أن لا يكون شرفهم ومصداقيتهم قد تضررتا بأفعالي. ليسا بالخدعة ولكن لن يصدق العالم هذا الآن. كل ما أستطيع قوله هو أنا آسف

وإلى اللقاء

***

في صباح اليوم الموالي انتقلت بسيارتي من خلال شوارع لندن إلى ضواحيها. كان الوقت مبكرا وكانت شوارع الطرقات العامة فارغة، كذلك المحلات السعيدة ومحلات الوجبات الجاهزة ومحلات الشمع والخوص، التي يقدمها الناس لتحسين مزاجهم أو تغيير شيء ما في نمط حياتهم. كان غريغ ورامونا يجلسان في الزاوية في مقهى شعبي. كانا يمسكان بأيدي بعضهما ويحدقان في الطاولة. كان غريغ يلبس قميص بيلابونج – تذكرته من وصفه للملابس التي اشتراها من أوكلاند عندما بدأ العدو في المسافات الطويلة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

بدا اليوم كما بدا تلك الليلة في مايفير: غير حليق، علامات قلة النوم بادية على ملامحه، ندبة الغضب بارزة في وجهه، حدقة عينه مثل شكة الدبوس وتنفسه كان ثقيلا. لم يكن شاحبا فقط بل بدا خاويا وكانت يداه ترجفان. وكانت رامونا تبكي. كان ضوء المقهى ساطعا مقارنة بالسواد الذي كان يحيط بهما. ذهبت لأصافح يده ولكننا تعانقنا.كان بمثابة تمسك الغريق بقشة. لم ينم منذ يوم الاثنين واليوم كان الجمعة. لم يكن يشرب قهوته بل صنع سحابة فوق الملعقة وبقي يحدق بها.

ثم قال: "حسنا، أنا مدين لهم بمليار دولار"، بينما تحدثت رامونا عن السجن تساءلت إن كانا يخشيان المحاكمة

فقالت: "قالوا لن يحدث هذا أبدا"

فقال: "بالطبع سيحدث، إذا كيف له أن؟ كيف له أن؟"

كان يتحدث عن رجل يعرفه باع البيتكوين واتهم بغسيل الأموال وقال إن هذا ممكن الحدوث معه.

قالت رامونا: "كان دائما خطرا وارد الحدوث في أي وقت"

ادعى ماغريغور أن لديه مخططا لرايت في حال تبين قرب اعتقاله، وذلك بأن يقوم بترحيله عند الضرورة إلى مانيلا أو أنتيغوا.

قال غريغ: "كانت دائما في تزايد. خطوة ثم خطوة ولا أحد يدرك أن ذلك آخذك للهاوية"

قالت رامونا: "ذلك هو المشكل، سعادتك لا تعني شيء بالمرة. ولكننا الآن عالقون. إن كشفت عن نفسك تدخل السجن وإن اختبأت فأنت مجرد خدعة. لقد تبين أن لو بقيت في المكان الذي كنت فيه لكان أفضل ولبقيت مجرد خدعة"

سألتهما: "ماذا حدث يوم الاثنين عندما كتب رايت في مدونته ذلك الكلام؟"

قال: "لقد أعطيتهم الشيء الخطأ، ثم غيروه، ثم لم أصلحه لأني كنت غاضبا حينها. وكان ذلك غباء مني. لقد وضعت الشيء الخطأ لا أحد يريد أن يعرف ساتوشي ناكاموتو، ولن أكون ساتوشي ناكاموتو، أنا لست جذابا، يمكنك أن تغلق علي باب غرفة وأكتب البحوث ولن أكون جذابا"

كانت رامونا تبكي، وقالت: "يمكنهم الإطاحة بنا، يمكنهم فعلا الإطاحة بك إن أرادوا"

لقد تحدثوا عن مغامرات صناعة المال التي انخرط فيها رايت منذ وقت طويل. ادعى رايت أن ماثيوز كان يعلم عن هذه النشاطات، وهذا صحيح لأن ماثيوز ذكرهم لي.

وقال: "لا أستطيع فعل المزيد، انتهى الأمر"

أرادوا الحديث عن الثقة، ولكن لم يشرحوا هذا. وقال إن الهدف هو إخفاء البيتكوين، قائلا: "لم يقصد صرفها، لقد سببت الكثير من المشاكل"

قالت رامونا: "وهو ضمان بعدم إغراق السوق، تلك التي لا يمكن أن نستخدمها في دفع الفواتير، مهما بلغ الأمر من إحباط"، وعندما سألتهم عن الأمناء لم يجيباني.

بدأت رامونا تشعر بالقلق من قصتي، لقد حاولت ليّ ذراعي وبدأت تحدثني عن ما يجب أن أقوله وما يجب أن لا أقوله، وكيف أخفي التعليقات التي نطقت بها رفقة رايت عن ماكغريغور وماثيوز، فقلت: "أريد أن أكتب الحقيقة"

قالت أني أعلم الكثير، وقالت إن غريغ سيسجن أو يؤذي نفسه إن قلت كل شيء. فذهلت، لقد قيل لي الكثير من قبل جميع الأطراف في هذه القصة والتي يجب أن أنتقي منها ما يجب طباعته. ليس فقط ما قالوه عن بعضهم البعض، ولكن عن ترتيبات العمل والادعاءات التي لا سند لها عن الماضي، وأشياء كنت أعلمها في الحاضر. ولكن كنت أسجل هذا في شكل وثائقي منذ البداية. وكما قلت أريد أن أنقل هذا كما حدث، عندما نلتقي في كلاريدج في كانون الأول/ ديسمبر، أما الآن فقد قيل لي إن مادتي دسمة جدا وأصبحت قصتي تمثل خطرا

فجأة انفعل غريغ وبدت عليه علامات الانزعاج، تجعد وجهه، وضرب رأسه بيديه وقال: "كذلك البريطانيون لديهم نسختهم من سجن خليج غوانتنامو أيضا. لن أكتب أبدا، ولن أرى أحد أبدا بعد الآن، سأنعزل في غرفة صغيرة ولن أحتاج حتى إلى ورقة وقلم ولن أرغب في رؤية زوجتي بعد الآن ولن أرى..." قال هذا وهو يجهش بالبكاء ولا يتقبل العزاء. ثم قال: "لن أكتب مجددا"

ثم قالت رامونا: "لن يقوموا بهذا"

اقترحت عليهم أن يبحثوا عن محامي يقدم لهم النصائح عن الخطر المحتمل. قالت رامونا لقد طلب عمولة كبيرة جدا، قيمة الفاتورة تقدر ببعض الملايين. تحدث غريغ عن إيان غريغ وغيره من الذين كشفوه السنة الماضية من خلال ترشيحه لجوائز مختلفة. رشح ساتوشي لجائزة نوبل وجائزة تورينغ، قالت لي رايت أن الناس في مجمتع بيتكوين أرادوا منه أن يظهر وأن يحضا بالاعتراف. وقال إن ذلك لم يكن من بين اهتماماته، ولكن في قائمة اهتمامات أناس آخرين وقال: "لا أهتم إن أعجب الناس بعملي، واجبي أن أقوم بهذا العمل وهذا سيجعلني دائما أبدوا إنسانا عاقلا"

قالت لي رامونا: "كنت أريد أن أرى سمعته في سلام، ولكن لا أعلم إن كان هذا ممكنا، هذا ما أقترحه إن كان بإمكانك فعل هذا، فافعل. وإن كنت لا تستطيع فعل هذا الأمر متروك لك. إن قلت أنه لم يختر الظهور... ثم ظهرت الشركة تحت الأضواء الكاشفة. إن قلت أنك تعرف أنه ساتوشي إذا فنحن في مشكل. وإن قلت لديك شكوك إذا فهو يبدو كالأحمق"

أنا متأكد أني نظرت إليها بارتياب. وقلت : "أنت تقولين بالأساس أن كل نسخة من الحقيقة هي قصة لا يمكن سردها"

فقالت : "ولكن إن قلتها، أندرو"

فقلت: "إن كنت متأكدة أن هذا لن يذكر في النهاية إذا وجب عليك أن لا تسمحي له بالحدوث منذ البداية"

قال غريغ مرة أخرى: "خطوة ثم خطوة"

فقلت: "وسمحت بوجود كاتب في قصتك"

فقال غريغ: "ألا تعلم ما معنى قيمة هذا بالنسبة لي؟ الشركة، الناس أن أقوم بهذا العمل أن أكشف عن كل تلك البحوث أن أكون في هذا الموضع. كانت فكرتي جنة وكانت الجائزة جهنم"

قالت رامونا: "إن لم نتعاون معك، فسيتوقفون هم أيضا..."

ذكرتها بأنه في كل مرة حاولت فيه الابتعاد من هذه القصة توسلا لي بالعودة –مثال ذلك عندما حاولا إقناعي بتوقيع اتفاق عدم الكشف. قلت لهما أن كل الاتفاق كان أقل خطرا من أي خيار آخر. بشكل تلقائي كانت تلك وجهة نظري.

قال غريغ: "لا أحد يريد تصديقي"

وقالت رامونا: "وأظن أن هذا رائع، من الرائع أن لا أحد يريد أن يصدقك"

وقال غريغ إنه سيقدم كل تلك براءات الاختراع وليس "دايف فقط"

فسألته "ماذا تقصد 'ليس دايف فقط'؟"

فقال: "أقصد أني أنا من كتب براءات الاختراع هذه، أقصد أني أعلم كل ما كُتب"

فسألته: "هل كان بإمكانك الحديث مع ماتونيس وأندرسون"

قالت رامونا: "لا، ولا أعلم إن كانا سيحدثاننا"

فقلت: "أعتقد أن عليكما على مستشار في إدارة الأزمات"

فقالت: "مِن من؟"

قلت: "من طبيب نفسي"

فقالت: "ليس لدينا الوقت للقيام بهذا"

عدت للبيت معهما، ثم ارتمى رايت على الأريكة وبدا مرهقا، فقالت رامونا "لقد تدهورت حالته النفسية" وقالت لي عندما خرج من الغرفة: "إن دخل السجن فسيقتل نفسه. لا يمكنني تركه وحده"

عندما عاد بدا شاحبا أكثر من قبل. وقال: "كل هذا لأني كتبت شفرة، ليس لأني فجرت شيء ما ولكن لأني كتبت شفرة"

فقلت: "لدي سؤال عرضي، إن كنت مجرد خدعة... كم هو من الصعب ارتكاب الخدع"

قال غريغ: "ستكون الأفضل في تاريخ البشرية، ستكون أكبر من خدعة روني بغز بملايين المرات، لقد اخترعت شكلا جديدا من المال، من الذي لديه ما يقوم بالمال، وليس له علاقة بالحكومات؟ من نجح في هذا فعلا؟"

فقلت: "تعني أنها مهمة لم يذكر فضلها؟"

فقال: "هي دائما أشبه بأسطورة ' بروميثيوس '"

***

كانت هذه قصة أراد كل طرف فيها أن تذكر بتفاصيلها، ثم لم تذكر وتم إخفاؤها داخل الأدراج. يبدو هذا كقصة جديدة ولكن في الحقيقة هي قصة قديمة، قصة من عالم المسخ والمنشق بروميثيوس. أثبت غريغ من خلال علم التشفير أنه يملك مفاتيح ساتوشي، رسائله الإلكترونية تثبت مشاركته، علمه في استقراء تكنولوجية سلاسل  البلوكات والسنة التي قضاها منخرطا في مخطط الأعمال لكشف هذا. ولكن عندما جاءت ساعة الحسم تصرف كالمخادع، انتحلوا شخصيته ثم تلاشى.

بدأت أتساءل إن كان غريغ رايت هو الرجل الذي لم يعرف نفسه، الشخص الضائع، الذي يتحدث باستمرار مع الطفل الموجود في داخله، عاجز عن تحمل الظروف التي أجبرته للقول صراحة من هو. بعض الناس قد يقولون أنهم وجدوا تعقيدات في أن يكونوا أنفسهم وهذا ما أهلكهم. فالانترنت تأكل شفراتها، ورايت أحد تلك الشفرات. ربما قد أفسد إثباته الخاص، أو بكل بساطة فشل في إثبات الأبوة لأنه ليس الرجل المناسب. ولكن شكوكه حول نفسه هي الدراما الحقيقية. كان مريضا، ذكيا، متلاعبا –ولكن الكثير مما قاله كان صحيحا.

ولكن مع قيادتي للسيارة وابتعادي عنهما بدا المرض طاغيا على المكان. كان رايت أذكى رجل بلغ أبعد الحدود لإثبات أنه ليس كذلك. أصبحت عبارة "كلنا ساتوشي" شعار أحباء البيتكوين الأولون. وفي النهاية كلنا ساتوشي، وكلنا بدأنا نقبل أنها عملة ورقية دائمة ودمجت عقولنا مع حواسيبنا. هناك شبكات جديدة في الأعلى تنمو من البذور التي زرعها ساتوشي. وكان ذلك غريبا، بعد كل أسفاري، بالنسبة لي أن أؤمن أن الرجل الوحيد الذي أراد التحرر من ساتوشي هو غريغ رايت.

بعد أسبوع من جلسات الإثبات التي قام بها مع البي بي سي وغيرها، بدا عارٍ، وكان مكتبه الموجود في الزاوية في شركة أنكريبت فارغا، وتخلص من أريكته الجلدية، بالإضافة إلى صورة محمد علي الموقعة وباقي أغراضه، من دون حفل وداع، أصبح باقي المكتب غرفة اجتماعات وأصبح لا يذكر اسمه إلا همسا.

كان آخر اجتماع لي بماكغريغور وماثيوز في وقت الحدس والغضب، والخراب والاعتذار. شعرا أن رايت زور نفسه، وليس ذلك لسبب محدد. لم يعترف أبدا بمشاكل الثقة، مشاكل كانت من الممكن أن تجعل كشف ساتوشي صعب بالنسبة له. ما زالوا يؤمنون، من بينهم أندرسون وماتونيس، أنه هو ساتوشي. بالنسبة لهم هناك الكثير من الحقائق التي تجعلهم يقبلون محاولات رايت الأخيرة لحجب نفسه في الإنكار.

وقالوا، مهما كانت الحقيقة، فقد طرد الآن، والاتفاق مع غوغل قد ألغي، وقد قال لي ماكغريغور: "لقد وجه المسدس إلى رؤوسنا وضغط الزناد، ما زال العالم يعتقد أننا حمقى ولكني أعلم الحقائق، لديه المفاتيح". كانت هناك لحظة في اجتماعي مع ماغريغور أدركت فيها أن هذا قد انتهى بالكامل، قال إنه لا يريد رؤية رايت مرة أخرى. وقال "من المفترض أن يكون هذا نبيلا جدا ولكنه أصبح مظلما جدا"

قال لي ماثيوز أن مكتب رايت ومنزله وعمله وصلاحية تأشيرته وكل شيء قد انتهى. لقد صرفوا قرابة 15 مليون دولار وخسروا المليارات. قال ماكغريغور أن شركة بي آر لن تعقد معه صفقات مجددا، كما أن العديد من البنوك الاستثمارية لم تعد ترفع السماعات عندما يتصل بها.

ولكن سيوجد طريق ما لمواصلة تطوير تقنية سلاسل البلوكات. ستواصل الشركة عملها. كل الموضوع أصبح مبهما، عمت الحيرة دون سبب مقنع وجد رايت طريقا للاختفاء ويعود مرة أخرى للظلال.

الختامية

أراد غريغ رؤيتي، يبدو أنه استفقدني. كان ذلك بعد أسبوع من "الكشف" الفاشل فذهبت لرؤيته في مقهى وحلويات فاليري. كان سعيدا جدا ومستعدا لمفاجأة العالم من جديد. كتبت رامونا في رسالة إلكترونية إلي تقول فيها: "لم يكن من الإنصاف ما طلبته منك بعدم نشر أشياء عن وضعيتنا، كما قلت لديك واجب كشف الحقيقة، وكان يجب عليك فعل ذلك". ولكن حتى الآن وكما نعلم جميعا أن الحقيقة لديها وجوه أكثر من برج الساعة في المدينة

في حلويات فاليري، قال لي رايت إنه يشعر بالتحرر من جديد، لقد خسر ثلث مساهمته في مليار دولار ولكنه يشعر بأنه غير مثقل. كان متأسفا لأنه خذل الكثيرين. ولكنه اليوم يمكنه العمل في سلام. جال في عقلي المبدأ المركزي لشرلوك هولمز: "عندما تستثني المستحيل، ما بقي ولو كان غير وارد، فتلك هي الحقيقة"

قلت له بعد أن أخبرني أنه من الآن فصاعدا ستسير الأمور على أفضل حال: "هل تريد أن تعرف في ما أفكر؟"

فقال: "نعم"

فقلت: "ماذا لو كنت 30 بالمائة ساتوشين لقد كنت هنالك عند تكوينه وكنت جزءا من فريق شديد الذكاء، كتبت شفرة وأشرفت على عمل الآخرين وشاركت المفاتيح المشفرة. ثم قمت في وقت ما من السنة الماضية بترقية نفسك إلى مستوى 80 و90 بالمائة. كنت الأقرب إلى ساتوشي أكثر من أي شخص آخر حتى الآن. ولكن المشروع، الذي يتملكك، يطلب منك بأن تقدم المزيد ولكن في النهاية لم تستطع تحمل كل هذا"

فقال: "لا" وهو في حال انفعال شديد، يتحدث عن تماس شفرة المنحنيات الإهليلجية وطبيعة سلاسل البلوكات وكيف أنه لم يرد أبدا أن يظهر بمظهر الإله. أغلقت جهاز التسجيل في تلك اللحظة وحدقت فيه.

خارج المقهى صافحني وكنت أعلم أني لن أراه مجددا. ستة أشهر سمحت لنا بأن نعتقد أننا أصدقاء –فالمواضيع تحتاج إلى رواة، والرواة يحتاجون مواضيع. كان هناك فترات زمنية تخيل فيها أنه بإمكاني تحريره من تخيلاته، وأن أبني له قصة واقعية. كنت مختزل الكتابة المرغوب فيه، معتقدا أن رايت قد يكون شيء ما أكبر من ساتوشي.

كان يمارس على الانترنت عادة الحزن والإخفاء الذاتي كل ذلك في اللحظة نفسها؛ كانت شخصية  بنموذج جديد. ما قام به فعلا قد لا يعرف أبدا، على الرغم من أنه واحد من أعظم علماء الحاسوب في جيله أو ربما الانتهازي المتهور أو قد يكون كليهما. لا يمكن أن نكون على يقين حيال هذا. ولكن ها هو يقف في شارع كومبتون القديم تحت المطر ويقول أنا آسف.

المصدر: لندن ريڤيو أوف بوكس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *