ماذا بعد ربع قرن من البرمجيات مفتوحة المصدر من لينوكس؟

الوضع الليلي الوضع المضيء

م

لأولئك الذين اكتشفوا (Linux) في عشرينياتهم ولازالوا يعتبرون أنفسهم شبابًا، يؤسفنا أن نخبركم بأن الخبر التالي قد يصدمكم، في عام 2016 بلغ نظام التشغيل مفتوح المصدر، والذي أوجده مجتمع عالمي من المبرمجين،عامه الـ25، وفي هذه الذكرى لا يجب على حركة البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر أن تحتفل بانتصارها على البرمجيات الاحتكارية في العديد من الأسواق فحسب، وإنما يجب عليها التفكير أيضًا بالخطوة التالية.

"تم إنشاء هذا البرنامج كنوع من الهواية، ولن يكون برنامجًا ضخمًا أو متخصصًا"، هذا ما كتبه (لينوس تورفالدس)، عندما كان طالبًا في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة هلسنكي، في 25 أغسطس 1991، في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى زملائه المبرمجين، حيث أنه أراد منهم أن يعلقوا على جهوده في إعادة نظام (Minix)إلى العمل، والذي كان عبارة عن نموذج بسيط من (Unix)،وأصبح فيما بعد نظام تشغيل مهيمن، وأضاف (تورفالدس) في رسالته: "أرحب بأية اقتراحات، ولكنني لن أعدكم بأنني سوف أنفذها"، وبهذا أشار بالفعل إلى الكيفية التي سيقوم ممن خلالها بإدارة مجتمع (Linux).

لا بد وأن السيد (تورفالدس) قد صُدم لرؤية (Linux)وهو يتنامى ليصبح برنامجًا "ضخمًا ومتخصصًا" خلال بضع سنوات فقط، لكن ماساهم في جعله واسع الإنتشار حقًا هو التوقيت الذي ظهر فيه، فقد كانت شبكة الإنترنت آنذاك قد بدأت للتو في إنطلاقها، وهذا ما أفسح المجال للمطورين من جميع أنحاء العالم للتعاون بأسعار رخيصة باستخدام البريد الإلكتروني، وبالإضافة إلى ذلك،اشتدت الحاجة، خاصة من قبل المبرمجين وشركات التكنولوجية الكبرى، لإيجاد بديل لمايكروسوفت ويندوز، الذي كان قريبًا جدًا من الهيمنة على العالم.

صمم السيد (تورفالدس) (Linux) بطريقة نموذجية، وهذايعني أنه بالإمكان إدخال التحسينات عليه وتكييفه بسهولة لاستخدامه على أجهزة الكمبيوتر الأخرى التي تختلف عن الأجهزة التي تم كتابته أصلاً ليتوافق معها،واليوم يعتبر (Linux) ومشتقاته نظام التشغيل الأكثر استخدامًا، فهو المنصة التي تستخدم في الأجهزة الطبية الصغيرة، وكذلك الحوسبات السحابية الكاملة، وكل شيء يقع ضمن هذاالمجال، بما في ذلك السيارات والصواريخ، ولكن نجاحه الأكبر هو الهواتف الذكية، حيث أن أكثر من ثلاثة أرباع الأجهزة التي تم بيعها في عام 2015 تعمل على نظام الأندرويد، الذي يعمل بدوره على أساس نظام (Linux)،وحتى مايكروسوفت، التي طالما اعتبرت البرمجيات المفتوحة المصدر على أنها"السرطان" الذي يغزو المجال البرمجي، أصبحت الآن تقول بأنها "تحب" (Linux).

القواعد السلوكية

مساهمة السيد (تورفالدس) الأكثر أهمية كانت في مجال التنظيم، حيث أنه استطاع أن يثبت بأنه من الممكن دفع مجتمع عالمي كبير من المطورين لإنتاج شيء مفيد للغاية، واليوم هناك الملايين من المشاريع المفتوحة المصدر، فـ(GitHub)مثلاً، يضم 10 ملايين مطور و26 مليون مشروع (لا يعملون فقط يمجال الترميز، بل بالنصوص، والبيانات كذلك)، وفي العديد من أسواق البرمجيات، وخاصة تلك التي تصنع أساس أنظمتها، أصبح النظام مفتوح المصدر الطريقة المتبعة لكتابة التعليمات البرمجية، والأمر ذاته يتبع في (Apache) للخوادم، (Hadoop)لتحليل البيانات، (OpenStack) للحوسبة السحابية.

ولكن من جهة ثانية، فإن نجاح البرمجيات مفتوحة المصدر هو نجاح جزئي، فكما هو متوقع، من الصعب كسب المال من شيء مجاني، ولم تستطع سوى شركة (Linux) أن تحقق نجاحًا مرموقًا في هذا المجال، فقد حققت شركة (Red Hat)حوالي 2 مليار دولار كأرباح في عام 2015، وكانت معظم هذه الأرباح متأتية عن بيع خدمات الدعم لمستخدمي نظام التشغيل وغيرها من البرامج مفتوحة المصدر، وفي الحقيقة، فقد كان المستفيد الرئيسي من هذا البرنامج هم مشغلو مراكز البيانات الضخمة، مثل أمازون فيسبوك وجوجل، والذين لم يكونوا ليستطيعون تقديم خدمات الحوسبة السحابية بأسعار رخيصة لو كان عليهم دفع ثمن البرنامج.

في المقابل، أصبحت الكثير من هذه الشركات أيضًا مساهمة كبيرة في المشاريع مفتوحة المصدر وأحيانًا تقدم التبرعات بحزم برمجية كاملة تم تطويرها للشركة، كما فعلت جوجل مؤخرًا مع برنامج (Kubernetes)، وهو برنامج يجعل مجموعة من أجهزة الكمبيوتر تعمل بمثابة جهاز واحد كبير، ولكن مع تحرك الحوسبة باتجاه الاعتماد على نظام السحابة (cloud)، قد تصبح البرمجيات مفتوحة المصدر أقل أهمية، فأحد الأسباب التي ساهمت في نجاح البرامج مفتوحة المصدر تمثل بسهولة الحصول عليها دون الحاجة لإجراء عملية شراء معقدة، ولكن استخدام مخدم إنترنت قد يكون أكثر ملاءمة في كثير من الأحيان.

خلاصة القول هي أن (Linux) وما يشابهه سيبقون موجودين على الساحة، حتى وإن تنحى أحد مؤسسي النظام، ففي الأيام الأولى لبزوغ النظام، كان (تورفالدس)- الذي أصبح أقل انخراطًا في المشروع مما كان عليه سابقًا، ولكن لا تزال له الكلمة الفصل فيما يتم إدخاله من إضافات على البرنامج -  يتساءل عن مصير النظام في حال تنحيه لسبب معين،، ولكنه اليوم يبدو أقل قلقًا بشأن ذلك، حيث أنه يقول دائمًا بأن مساعديه أصبح بإمكانهم الحلول محله إن أصابه مكروه ما، وفي مؤتمر تم عقده مؤخراً، بدا(تورفالدس) أقل اهتمامًا في الإشراف على تطور عملية جعل (Linux)مناسبًا للأجهزة المتصلة الصغيرة جدًا، في خضم عملية يطلق عليها اسم إنترنت الأشياء، لربما، حيث بدأ (تورفالدس)، الذي أكمل عامه الـ46 بحلول بداية عام 2016،بالتفكير في حياته المستقبلية، وربما وضع خطط للتقاعد في المستقبل المنظور.

المصدر:  الايكونوميست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *