هل تحتاج وظيفة؟ ابتكر واحدة

الوضع الليلي الوضع المضيء

عندما وصف (توني واغنر)، أخصائي التعليم في جامعة هارفارد، وظيفته اليوم، قال أنه يعمل كمترجم بين قبيلتين متعاديتين، وهما عالم التعليم وعالم الأعمال، أو بمعنى آخر، الأشخاص الذين يعلّمون أطفالنا والأشخاص الذين يوفرون لهم فرص العمل، وقد أشار (فاغنر) في كتابه "خلق المبتكرين: تصنيع الشباب الذي سيغير العالم" بأن المسارات المتبعة في المدارس والكليات لا تساهم على الدوام في تقديم إضافات قيّمة وتعليم المهارات المهمة لسوق العمل.

هذا أمر يمكن أن يكون خطيرًا في الوقت الذي أصبحت فيه الأجور المرتفعة للمهن التي يشغلها أنصاف المهرة شبه معدومة - وهو الشيء الذي حافظ على وجود الطبقة الوسطى في المجتمع خلال الجيل الماضي-  فالآن لا وجود للأجور المرتفعة سوى في المهن التي يشغلها ذوي المهارات العالية، وجميع وظائف الدرجة المتوسطة التي توجد اليوم تتناقص تدريجيًا بشكل أسرع من أي وقت مضى، وهذا لأنها إما بدأت تتطلب المزيد من المهارات أو أصبح بإمكان عدد أكبر من الأشخاص القيام بها أو لأنه يجري دفنها – أي أنها أصبحت قديمة وعفا عليها الزمن – بشكل أسرع من أي وقت مضى، ولهذا السبب لا يجب أن يكون هدف التعليم اليوم، بحسب (واغنر)، منحصراً في جعل جميع الأطفال جاهزين للدخول إلى الكليات ولكن أيضًا جاهزين للابتكار ولإضافة قيمة إلى كل ما يفعلونه.

هذه مهمة صعبة، فتبعًا لـ(فاغنر)، المعرفة أصبحت الآن متاحة عبر كل جهاز متصل بالإنترنت، لذا أصبح ما تعرفه أقل أهمية بكثير مما يمكنك القيام به بهذه المعرفة، فالقدرة على الابتكار – بما في ذلك القدرة على حل المشاكل بشكل خلاق أو ابتكار إمكانيات جديدة في الحياة - والمهارات مثل التفكير النقدي والتواصل والتعاون، أصبحت أكثر أهمية بكثير من المعرفة الأكاديمية، وكما قال أحد التنفيذيين، على الرغم من أن الشركات يمكن أن تعلّم موظفيها الجدد محتوى عملها، وهذا أمر لا بد منه لأن المحتوى يتغيّر بشكل دائم، ولكنها لا تستطيع أن تعلمهم كيف يفكرون، وكيف يمكنهم أن يسألوا الأسئلة الصحيحة، ويتخذون زمام المبادرة.

يضيف (فاغنر) بأن الأمور كانت أسهل بالنسبة لشباب جيله، فكل ما كان علينا فعله هو العثور على وظيفة، ولكن، الآن أكثر من أي وقت مضى، أصبح على أطفالنا أن "يخترعوا" وظيفة، (لحسن الحظ، فإن هذه المهمة أصبحت أسهل وأرخص من أي وقت مضى في عالم اليوم) ،فعلى الرغم من أن هناك أشخاص محظوظين سيستطيعون العثور على وظائف بالتأكيد، ولكن، وبالنظر إلى وتيرة التغيير اليوم، فحتى هؤلاء سيضطرون إلى إعادة اختراع وإعادة هندسة وإعادة تصور تلك الوظيفة في كثير من الأحيان، وذلك إذا ما أرادوا المضي قدمًا فيها.

ولكن إذا كان ذلك صحيحًا، فما الذي يجب أن يتعلمه شباب اليوم؟

بحسب (فاغنر) سيكون دائمًا على جميع الشاب والشابات الحصول على المعرفة الأساسية، ولكن بطبيعة الحال سوف يحتاجون إلى المهارات والدافع بشكل أكبر بكثير، ومن بين هذه الأهداف التعليمية الثلاث، يظهر الدافع ليكون العامل الأكثر أهمية، فالشباب الذين يمتلكون الدافع في داخلهم – الذين عادة ما يكونون فضوليين، مثابرين، وعلى استعداد لتحمل المخاطر - سيتعلمون المزيد من المعارف والمهارات الجديدة باستمرار، وبهذاسيكون بإمكانهم العثور على فرص جديدة أو حتى إنشاء فرص خاصة بهم – وهو أمر مهم للغاية مع اختفاء العديد من المهن التقليدية.

إذًا ما الذي ينبغي التركيز عليه لإصلاح التعليم اليوم؟

تبعًا لـ(فاغنر) فإن نظم التعليم الحالية غالبًا ما تقوم بتعليم معظم الطلاب أشياء لايهتمون بها ولن يحتاجوها أبدًا في المستقبل، والحقيقة إن الغالبية العظمى من الطلاب أصبحوا يستخدمون جوجل لحل واجباتهم، وسينسون كل ما تعلموه بمجرد انتهاء اختباراتهم، ولهذا السبب، فإن اندفاع الطفل يقل مع زيادة طول الفترة التي يقضيها في المدرسة، حيث أظهر استطلاع تم إجراؤه مؤخرًا بأن مشاركة الطلاب تنخفض من 80% في الصف الخامس إلى 40% في المرحلة الثانوية، لذلك، فإن إعطاء صياغة جديدة لمدارس القرن الـ21، يجب أن يكون من أهم أولوياتنا، فنحن بحاجة للتركيز بشكل أكبر على تعليم المهارات والرغبة في التعلم وإحداث التغيير وإدخال المكونات الثلاثة الأقوى من الدوافع الذاتية إلى الفصول الدراسية، وهي اللعب، والعاطفة والهدف.

ماذا يعني ذلك بالنسبة للمعلمين ومديري المدارس؟

"ينبغي على المعلمين تدريب الطلاب على التميز في الأداء، ويجب أن يكون المدراء قادة للتعليم من النوع الذي يعمل على خلق ثقافة التعاون المطلوبة للابتكار، ولكن على اعتبار أن مهمة الاختبارات الأساسية هي تقييم ما يتم تدريسه، فما ينبغي تطبيقه هو تخصيص جميع الطلاب بمحافظ رقمية تتضمن الأدلة التي تشير على تمكنهم من المهارات مثل التفكير النقدي ومهارات الاتصالات التي يتم بناؤها منذ أيامهم في المدرسة الثانوية، كما أن الاستخدام الانتقائي للاختبارات ذات الجودة العالية، مثل تقييم العمل، يعتبر أمرًا مهمًا أيضًا.

وأخيرًا، يجب أن يقوم المعلمون بتقييم الطلاب بناءً على مدى تحسن عمل الطلاب خلال السنة، وليس من خلال درجات اختبارات نهاية السنة، فنحن بحاجة لمختبرات مدرسية يكتسب الطلاب شهادتهم الثانوية من خلالها عن طريق استكمال سلسلة من الاختبارات القائمة على المهارات مثل روح المبادرة.

هل هناك أي أحد يقوم بتطبيق هذه التوصيات بالشكل الصحيح؟

يشير(فاغنر) إلى أن فنلندا تعتبر واحدة من الاقتصادات الأكثر ابتكارًا في العالم، حيث أنها البلد الوحيد الذي يتخرج منه طلاب المدارس الثانوية وهم جاهزون من الناحية الابتكارية، فهناك، يتعلم الطلاب المفاهيم والإبداع أكثر من الحقائق، ويكون لديهم إمكانية الاختيار بين العديد من المواد الاختيارية – وجميعها تتميز بيوم دراسي قصير نسبيًا، وواجبات منزلية قليلة، وعدم وجود للاختبارات تقريبًا، في حين أن هناك حوالي الـ 500 مدرسة من مرحلة التعليم الأساسي تابعة لمبادرة مؤسسة هيوليت للحصول على تعليم أعمق وما مجموعه 100 مدرسة مناطقية في الولايات المتحدة تسعى لتطوير مناهج جديدة لتعليم مهارات القرن الـ21، وهناك أيضًا عدد متزايد من الكليات المبتكرة مثل كلية أولين للهندسة، ومختبر وسائل الإعلام في جامعة ماساتشوسيس للتكنولوجيا حيث يتعلم الطلاب الابتكار.

المصدر: ذا نيويورك تايمز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *