التطبيقات الفائقة: كيفية إنشاء السوق الشامل للفرد

الوضع الليلي الوضع المضيء

أصبحت التطبيقات الفائقة Super Apps قادرة تماما على توفير نموذج أعمال قادر على تغيير طبيعة الحياة والمنافسة في الأسواق الناشئة، من خلال قدرتها على استهداف كل عميل على حدة، واعتباره سوق ستقلة لوحده.

فبالنسبة إلى مستخدمي الهواتف الذكية العادية في الصين فإنه من الصعب تخيل الحياة لديهم دون التطبيقات الفائقة في البلاد. فهذا الجزء العملاق من عالم الهواتف المحمولة يستطيع أن يوصل الرسائل عبر الإنترنت والمنصات الاجتماعية المختلفة وتوفير الشراء من الأسواق وتقديم الكثير من الخدمات الأخرى وكلها تحت مظلة واحدة.

فمن مراسلات الأصدقاء إلى طلب توصيل الطعام أو الحصول على سيارة أجرة أو التسوق أو الخدمات مصرفية، فإن الصينيون الذين يقيمون في المناطق الحضرية لا يحتاجون إلا إلى النقر على "وي شات" WeChat أو "آلي باي" Alipay أو "ميتوان ديانبينج" Meituan-Dianping للقيام بالكثير مما يرغبون فيه من هذه الخدمات.

وبالنسبة إلى تطبيق WeChat تحديدا فقد أُطلق عليه لقب "ملك التطبيقات الفائقة" وذلك بعد أن أدخل خدمة الدفع في عام 2013، كما أضاف تدريجيا الكثير من الخدمات الأخرى مثل الألعاب والنشر. ويستخدم الآن أكثر من مليار شخص هذا التطبيق الخارق المملوك لشركة "تينسينت" Tencent مرة واحدة شهريا على الأقل.

لذا فإنه ليس من المستغرب على الإطلاق أن يتم اعتماد نموذج أعمال هذا التطبيق الفائق من قبل الشركات في الأسواق الناشئة الأخرى.

ففي جنوب شرق آسيا تتنافس كل من شركة "قراب" Grab ومقرها في سنغافورة، وشركة "غوجيك" Gojek الإندونيسية على محاكاة السيطرة الكبيرة لتطبيق WeChat في الصين من خلال محاولة تقديم قائمة متزايدة من الخدمات.

وسنجد تطبيق "لاين" LINE  الذي ظهر في الأساس كخدمة مراسلة بعد كارثة تسونامي في اليابان 2011 واكتسب شعبية كبيرة للغاية في أسواق تايلاند وتايوان وغيرها، نجد أن هذه الخدمة بدأت في تقليد WeChat  من خلال توفير خدمات توصيل الطعام وحجز سيارات الأجرة ودفع الفواتير أيضا.

وفي أمريكا الجنوبية يتنافس كل من "آي فوود" iFood في البرازيل و"رابي" Rappi في كولومبيا للحصول على أكبر عدد من الفواتير.

وضمنت هذه الشركات الناشئة منذ عام 2018 تمويلا يتراوح بين 500 مليون دولار أمريكي مثل شركة "آي فوود" البرازيل وحوالي 1.5 مليار دولار أمريكي مثل شركة "قراب"، وذلك بفضل قدرتها على أن تتحول إلى تطبيقات خارقة.

أما في الأسواق المتقدمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا فإنه من غير المرجح أن تكون لتلك التطبيقات الفائقة تأثيرا كبيرا كما فعلت في العالم النامي، حيث تعتبر غائبة إلى حد كبير.

التطور الطبيعي

ليس من الصعب فهم سبب هذا الغياب للتطبيقات الخارقة في الأسواق المتقدمة وسيطرتها على نظيرتها النامية. ففي الأسواق الناضجة كان الوصول السريع والسهل والمنتشر إلى الإنترنت سابقا بكثير لظهور الهواتف الذكية والتطبيقات المتعلقة به، لذا فإنه مع انتقال الأشخاص من استخدام الكمبيوتر الشخصي إلى الهاتف الذكي فإن اللاعبين الكبار مثل "فيسبوك" Facebook و"غوغل" Google و"أمازون" Amazon انتقلوا سريعا أيضا إلى الهواتف المحمولة من خلال تطبيقات تتعلق بهم وبالخدمات التي يقدمونها، مما لم يترك أي فرصة للشركات الناشئة في هذه السوق المتطورة.

والأمثلة على ذلك متعددة، فسنجد مثلا أن "انستغرام" Instagram و"واتس آب" WhatsApp اندمجا مع "فيسبوك"، وتكافح "سناب" Snap التي تملك تطبيق "سناب شات" Snapchat للتداول فوق سعر الاكتتاب العام لعام 2017 والذي يبلغ 17 دولارًا أمريكيا للسهم الواحد.

ومن خلال قلب ظروف هذه الأسواق الناضجة سندرك بالتأكيد الأسباب التي تدعم ظهور وسيطرة التطبيقات الفائقة في الاقتصادات الناشئة. ففي الواقع فإنه بالنسبة إلى الشركات الناشئة في الأسواق غير الناضجة فإن نموذج التطبيقات الفائقة يعتبر ضرورة حيوية وتطورا طبيعيا وليس خيارا يمكن التخلي عنه.

فالزيادة السريعة في تغلغل الهواتف الذكية والإنترنت داخل الأسواق الناشئة تعني أن هناك ملايين المستهلكين المحتملين الجدد الذين لم تصل إليهم الخدمات الحالية وتم توصيلهم بالإنترنت للمرة الأولى، فهؤلاء المستهلكين ذو قيمة أكبر بكثير بالنسبة إلى مجال الأعمال الذي يقدم السلع والخدمات عبر التطبيقات المختلفة.

وهناك أيضا سبب آخر مقنع للنجاح الفائق الذي حققته التطبيقات الفائقة ويتمثل في القوة الشرائية المنخفضة نسبيا بالنسبة للمستهلك العادي في الأسواق الناشئة. فعلى سبيل المثال فإن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الهند يبلغ حوالي 2000 دولار أمريكي "بالقيمة الاسمية"، مقارنة بـ60 ألف دولار أمريكي للفرد في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي سياق انخفاض الانفاق فإنه من غير المرجح أن تحقق خدمة واحدة عائدات كافية لمالكي التطبيقات أو تجعلها قادرة على المنافسة أو حتى البقاء على قيد الحياة، بمعنى آخر فإن التطبيق الواحد يحتاج إلى أن يكون شاملا للكثير من الخدمات والتي تجعله خارقا وذلك فقط ليستطيع الصمود في ظل انخفاض القوة الشرائية.

السوق الشامل للفرد الواحد

في اللغة الاستراتيجية التقليدية فإن لفظ "السوق الشامل" يعني سوق كبيرة من البضائع التي يتم إنتاجها على نطاق واسع وتخدم عددا كبيرا من العملاء. ولكن في العالم الرقمي والتطبيقات الفائقة فإن المعنى قد يختلف قليلا حيث يمكن لكل مستخدم أن يكون "سوق شامل" بحد ذاته لأنه مستهدف لمجموعة من الخدمات والمنتجات، لذا يُطلق عليه "السوق الشامل للفرد الواحد".

ولتدشين سوق جماعية واحدة فإن التطبيقات الفائقة تحتاج إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الرقمية عن عملائها. وهذه المعلومات يتم استخدامها لإنشاء التوأم الرقمي والذي يمكن للتطبيقات من خلاله أن تقدم قيمة أكبر للمستهلك على شكل خدمات مخصصة نتيجة تلك المعلومات الرقمية المحددة مثل التوصيات المستهدفة، وبالتالي منع العملاء من التحول إلى منصات أخرى لأن التكلفة ستكون أعلى إذا تحولوا إلى تطبيقات أو منصات أخرى.

وربما تكون الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن للتطبيقات الفائقة أن تستفيد منها لزيادة تعلق العملاء بها هي توفير "سوق ضخمة واحدة" ولكن بمجرد النجاح في توفير هذه الخدمات فإن التطبيق الفائق عليه أيضا أن يعمل على تطوير عروضه بانتظام وعدم الاعتماد فقط على ولاء العملاء، بل تطوير العروض هو الضامن الأكبر للتقليل من ضغط المنافسين من الناحية النظرية.

الأسباب الرئيسية وراء نجاح كل تطبيق فائق

يعتبر التطبيق الفائق استراتيجية قوية، ولكنه في النهاية مجرد نظرية لن تنجح على أرض الواقع دون أسباب رئيسية تؤدي إلى تنفيذها بشكل صحيح، وفيما يلي أهم الأسباب التي أدت إلى نجاح التطبيق الفائق في الأسواق الناشئة:

١. حالة الاستخدام المتكرر والقوي

فعلى سبيل المثال تم إطلاق "علي باي" Alipay في عام 2004 لتكون بمثابة ذراع للدفع الإلكتروني من "تاوباو" Taobao والتي تعتبر منصة التجارة الإلكترونية لشركة "علي بابا" Alibaba والتي أصبحت الرائدة على مستوى مجال التسوق على الإنترنت في الصين بعد عام واحد فقط من انطلاقها. وقد ساعد في تحقيق هذا النجاح أن معظم مستخدمي "علي باي" الجدد كان لديهم بالفعل حسابات مصرفية، وفي الوقت نفسه فإن البنوك سمحت لـ"علي باي" بالخصم التلقائي من هذه الحسابات دون تكلفة إضافية. في حين أنه في الكثير من الأسواق الناشئة الأخرى فإن البنوك تتغلغل بنسبة أقل من 50% ولا توجد منصات تجار إلكترونية مزدهرة بشكل كبير مما يعيق بالتالي ظهور التطبيقات الفائقة.

ففي الكثير من الأسواق يعتبر الغذاء ووسائل النقل هي حالات الاستخدام الاكثر شيوعا، ووهو ما يفسر الأحجام الاستثمارية الكبيرة لبعض الشركات الناشئة مثل "آي فوود" و"قراب". وعلى النقيض من ذلك فإن شركات مثل "فيسبوك" تواجه عقبات متعددة عندما تحاول الدخول في معاملات B2C  أي التعامل المباشر بين الشركة Bussiness، والمستهلك أو المستخدم النهائي Consumer  سواء نتيجة تباين أنظمة الدفع أو البنية التحتية اللوجستية، وذلك بسبب اعتماد نموذج أعمال "فيسبوك" على الإعلانات بدلا من المعاملات. فعلى سبيل المثال تم منع "فيسبوك" من قبل السلطات الهندية من تطبيق "واتس آب باي" WhatsApp Pay حتى تتوافق الخدمة مع لوائح تخزين البيانات في الهند.

٢. نظام الدفع الإلكتروني الجيد وبرامج الولاء

كما أثبت تطبيق "علي باي" Alipay بمجرد إطلاقه في عام 2004، أن نظام الدفع الجيد يعتبر حجر الأساس لتجنب أي خلافات أو مشكلات. فمن دون هذا النظام الجيد في الدفع فإن المستخدم لن يستطيع استكمال المعاملة، كما أنه من ناحية أخرى يساعد في التقاط بيانات المعاملات التي يمكن أن تساعد في تطوير التطبيق. إن برنامج الولاء الفعال يزيد من ارتباط العميل بالتطبيق ويزيد من تكلفة استخدامه لتطبيقات أخرى، فعلى سبيل المثال نجد أن تطبيق خصومات على توصيل الطعام بعد إنفاق قدر معين من الأموال على خدمات سيارات الأجرة يجعل المستخدم يشعر أنه يوفر الكثير من الأموال وبالتالي لا يفكر في اللجوء إلى المنافسين.

٣. توفير خدمات إضافية ذات صلة بحالة الاستخدام الأساسية

إن النظام البيئي الشامل الذي يقدمه التطبيق نفسه أو من خلال طرف ثالث يزيد من ولاء العميل له، ومع ذلك لا يجب على التطبيقات أن تحيد عن الهدف الأساسي الذي تم إطلاقها من أجله بل تقديم خدمات مشابهة، فعلى سبيل المثال فإن تطبيق "علي باي" كانت له محاولات غير ناجحة في "الدردشة" أو التواصل الاجتماعي. وفي الوقت نفسه سنجد أن "وي شات" WeChat تعثر في محاولة التجارة الإلكترونية المباشرة.

في الواقع أصبحت التطبيقات الفائقة أساسية في حياة الكثيرين داخل الأسواق الناشئة خلال بضع سنوات فقط. ونظرا إلى تزايد أعداد هذه التطبيقات وإضافة خدمات جديدة باستمرار فإن لديهم القدرة على تحسين أسلوب الحياة وتطوير قطاعات كاملة مثل الخدمات المصرفية. ومع ذلك فإن المفتاح الحقيقي لنجاح التطبيق الفائق لا يختلف عن أي عمل يتعلق بالعميل ألا وهو ضرورة توفير الراحة والبساطة للعملاء وفي هذه الحالة يتم اعتبار كل عميل كسوق جماعية واحدة.

المصدر: INSEAD Knowledg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *