كيف يمكن لوجود النساء في مناصب السلطة أن يغير من المجتمع؟

الوضع الليلي الوضع المضيء

على الرغم من التقدم الحاصل في العقود الأخيرة، لا يزال تمثيل المرأة في الكثير من جوانب الحياة السياسية والمدنية ناقصاً (أو غير موجود على الإطلاق).

ففي الولايات المتحدة، يمثل حضور النساء حوالي 20% من أعضاء الكونجرس الحالي، و(حتى الآن) لم يترأس أمريكا رئيسة أنثى وذلك من أصل ما مجموعه 44 رئيساً أمريكياً، ولم يتم تعيين أول قاضٍ أنثى في المحكمة العليا، والتي كانت (ساندرا داي أوكونور)، حتى عام 1981، أما تمثيل المرأة في الكثير من المجتمعات غير الغربية، فيعتبر أكثر نقصاً في الحياة العامة من أي مكان آخر، وهذا يثير سؤالاً واضحاً: كيف يمكن لإدخال وتوسيع مشاركة المرأة في هذه المؤسسات المدنية أن يؤثر على المجتمع؟

هذه المسألة التي تبدو بسيطة قد تكون أصعب الأسئلة للإجابة، ولكن للمساهمة في هذا النقاش يمكننا العودة إلى الوقت الذي أصبحت فيه النساء لأول مرة مؤهلات للعمل في هيئات المحلفين في المحاكمات الجنائية في انكلترا في عام 1921، ولكن تركيزنا على المحلفين الإنكليز رغم أن النساء بدأن في العمل في هيئات المحلفين أيضاً في الولايات المتحدة في ذات الوقت تقريباً، ينبع من توافر سجلات عالية الجودة  لأرشيف المحكمة في المحفوظات الوطنية، وهذا ما يمكن أن يساعدنا في التعرف على عدد النساء اللواتي كن ضمن هيئة المحلفين في كل محاكمة الجنائية في لندن منذ 100 عام تقريباً وحتى الآن.

أسئلة مهمة

تتجلى الكيفية التي يمكن من خلالها لإدخال المزيد من النساء في المحاكم والهيئات البرلمانية والمراكز الأخرى للقوة أن يغيّر بشكل أساسي من القرارات والنتائج بشكل خاص في ثلاث مناقشات جارية، وهي إمكانية المرأة أن تكون مرشحة لرئاسة حزب سياسي أمريكي للمرة الأولى، ومن ينبغي تعيينه كقاض قادم لمحكمة العدالة العليا، ودور المرأة في الجيش.

هيلاري كلينتون هي الأوفر حظاً حالياً للفوز في معركة ترشيح الحزب الديموقراطي، فكيف يمكن لكونها امرأة أن يؤثر على نوع الرئيس الذي يمكن أن تكون عليه؟

مع وفاة القاضي (أنطونين سكاليا) مؤخراً، فإن المحكمة حالياً تمتلك ثلاثة قضاة إناث، خمسة رجال، ومقعد واحد شاغر، فكيف يمكن لوجود امرأة أخرى أن يؤثر على مداولات المحكمة وأحكامها؟

على الرغم من أن كل المناصب القتالية في الجيش الاميركي أصبحت الآن متاحة للإناث، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تفكر في إمكانية إلزام الإناث بالتسجيل في الخدمة الإلزامية، فإن هيكلية قيادة الجيش ما زال مسيطراً عليها من قبل الرجال، وقد اعتبر ذلك بأنه عامل رئيسي في الانخفاض الهائل في معدل الملاحقة القضائية الناجحة للاعتداءات الجنسية منذ وقت طويل، حيث تشير وزارة الدفاع إلى أنه تم الإبلاغ عن ما يقرب من 5000 من أصل 25,000 حادثة اعتداء جنسي في عام 2013، ولم يتم النظر سوى بـ375 قضية منها بنجاح أمام المحاكم، فكيف يمكن لحصول المزيد من النساء على رتب عسكرية عليا أن يؤثر على مثل هذه الإحصائيات؟

أسئلة صعبة

قد يكون السؤال الذي يتمحور حول كيفية إمكانية تأثير إشراك المرأة على النتائج في أي جانب من جوانب الحياة المدنية والسياسية من الأسئلة الصعبة للغاية.

التحدي الرئيسي هو أن اختيار الأفراد لمعظم المناصب - المسؤولين المنتخبين أو التعيينات السياسية – عادة ما يكون بعيداً كل البعد عن العشوائية، وهذا يجعل من الصعب أن يتم الفصل بين التأثير السببي للمسؤولات من النساء عن الظروف التي أدت إلى حصولهن على المنصب في الأساس، فعلى سبيل المثال، غالباً ما تمثل عضوات الكونجرس الأمريكي الدوائر التقدمية / الليبرالية، لذلك فمن الصعب أن نفصل ما بين تأثير الجنس على التصويت والفكر السياسي للناخبين الذين اختاروا ممثليهم.

انضمام المرأة إلى هيئة المحلفين الإنجليزية للمرة الأولى

في التقرير الأخير للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، والذي تم تقديمه بالتعاون مع الاقتصادية (شامينا أنور)، تم اللجوء إلى كتب التاريخ لتسليط بعض الضوء على هذه الأسئلة الصعبة في العصر الحديث، وعلى وجه التحديد، تم دراسة تأثير إضافة الإناث في قائمة أسماء هيئة المحلفين الإنجليزية – وهي قائمة تضم مجموعة الأشخاص الذين سيتم منهم اختيار هيئة المحلفين النهائية - على نتائج المحكمة الجنائية.

أصبحت النساء مؤهلات للعمل في هيئات المحلفين الإنجليزية بعد التخلص من قانون تنحية الجنس في عام 1919، وقد قارنت التحليلات الأساسية الحالات قبل وبعد إعادة تشكيل هيئة المحلفين - عندما تم استبعاد الإناث ومن ثم إختيارهن من ضمن قائمة هيئة المحلفين.

تم استخدام البيانات الأصلية لمجموعة من القضايا الجنائية التي وصل عددها إلى أكثر من 3000 قضية من سجلات أرشيف محكمة الدرجة الأولى والثانية المكتوبة بخط اليد لمحكمة أولد بيلي – محكمة لندن الجنائية – ما بين عامي 1918و1926، والتي كانت تضم أسماء جميع الأفراد الذين كانوا متواجدين في هيئة المحلفين.

تأثير "التجربة الكبيرة"

إن مسألة ما إذا كان تمثيل المرأة في هيئات المحلفين يؤثر على الأحكام مازالت تثار من قبل الصحافة الشعبية سواء اليوم، وأيضًا في الوقت الذي تم فيه إجراء "التجربة الكبيرة" - وهو المصطلح المستخدم من قبل الصحف خلال تلك الفترة لتمييز الأهلية الجديدة للمحلفات الإناث.

على سبيل المثال، قررت هيئة محلفين التي كانت مؤلفة من ستة أشخاص جميعهن من النساء بأن (جورج زيمرمان) كان غير مذنب في قضية إطلاق النار على مراهق أسود أعزل، كان يدعى (مارتن ترايفون)، في عام 2014، وهذا ما دعى العديد من وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد إلى كتابة مقالات بشأن التشكيلة الجنسية المتطرفة لهيئة المحلفين فيما يخص اختيارهم، ومرة أخرى فيما يخص حكمهم.

التحليل توصل إلى عدد من النتائج الرئيسية

على الرغم من أن "التجربة الكبيرة" لم تكن تحوز تأثيراً كبيراً على احتمالات الإدانة عند تجميع جميع الحالات معاً، إلّا أنه تبين بأن تمثيل المرأة في تجمع هيئة المحلفين زاد في معدلات الإدانة بارتكاب الجرائم الجنسية بنسبة 16% وقلل تلك التي تخص الملكية وجرائم العنف.

إن حجم هذا التأثير لا يمكن الإستهانة به، لا سيما في ضوء حقيقة أن الذكور لا يزالون يشكلون الأغلبية الكبرى (أكثر من 80%) من هيئة المحلفين في مرحلة ما بعد التغيير، حيث أنه في السنوات التي تلت مباشرة إعادة التشكيل، كانت معظم هيئات المحلفين ما بعد إعادة التشكيل تضم مقعداً أو مقعدين فقط للإناث.

بالإضافة إلى ذلك، فقبل إعادة التشكيل، كان الفارق في معدلات الإدانة بين الذكور والإناث فيما يخص ضحايا حالات جرائم العنف صفراً – حيث كانت معدلات الإدانة واحدة سواء أكانت الضحية رجل أم امرأة، ولكن بعد إعادة التشكيل، زاد هذا الفارق في معدلات الإدانة بـ20 نقطة مئوية، بحيث أصبحت الإدانة أكثر احتمالاً عندما تكون الضحية امرأة.

القضايا "الحساسة"

إن المقارنة بين معدلات الإدانة بين ما قبل وما بعد إعادة التشكيل تشمل العديد من الآليات المحتملة للكيفية التي أثرت فيها إعادة التشكيل على النتائج، وأكثر الأمور وضوحاً هي أن هذه الأهلية أدت مباشرة إلى تمثيل المرأة في هيئة التحكيم، وبالتالي أثرت على المداولات والقرارات.

ولكن إعادة التشكيل هذه قد تكون قد أثرت أيضاً بشكل غير مباشر على الأحكام حتى في الحالات التي لا تكون فيها الإناث موجودات في هيئة المحلفين، وهذا يمكن أن يحدث مثلاً إذا ما قام القاضي بالقول لهيئة المحلفين بالكامل بأن طبيعة القضية "حساسة" بالنسبة للإناث.

يقدم التقرير دليلاً إضافياً على أن التأثير المباشر لإدخال الإناث إلى هيئة المحلفين مهم للغاية، وعلى وجه الخصوص، عند التحليل المباشر لتأثير المحلفات من الإناث على المجموعة الفرعية من القضية، حيث يتم نقل هيئة المحلفين من قضية سابقة، فقد تبين بأن إضافة الإناث إلى هيئة المحلفين يزيد بشكل كبير من معدلات الإدانة في قضايا جرائم العنف ضد المرأة.

لماذا تغير النساء المحلفات من النتائج؟

لماذا يؤدي إضافة الإناث إلى هيئة المحلفين إلى المزيد من الإدانات عندما تكون الضحية امرأة؟

أحد التفسيرات المحتملة هو جعل جميع الأمور متساوية (وهذا يعني جعل خصائص القضية ونوعية الأدلة ثابتة)، حيث لم يكن جميع الذكور المحلفين قبل عملية إعادة التشكيل يرون بأن استخدام العنف ضد النساء غير قانوني في مجموعة فرعية من الحالات (على سبيل المثال، العنف المنزلي)، حيث أن العنف المنزلي كان يعامل في جميع أنحاء الولايات المتحدة وفي الفترة ما بين القرن التاسع عشر والعشرين باعتباره عملاً غير إجرامي وكان يعتبر عموماً بأنه مسألة خاصة.

أما التفسير الآخر الذي يمكن أن يقال هنا هو أن المحلفات الإناث غير محايدات، حيث يتعاطفن بشكل مفرط مع المرأة عندما تكون في موقع الضحية، ولكن من المهم أن نضع في اعتبارنا، أنه مع ذلك، ما يزال الرجال يشكلون الغالبية العظمى من المحلفين في كل المحاكم حتى بعد عملية إعادة التشكيل.

بالطبع، يمكن أيضاً أن تكون هذه النتائج قد ولدت عن طريق آليات أكثر اعتدالاً في طبيعتها، فعلى سبيل المثال، قد تكون المحلفات الإناث ببساطة أفضل من الذكور في تقييم شهادة المرأة عندما تكون في موقع الضحية، ولكن بغض النظر عن الآلية الدقيقة، فإن نتائج الدراسة تشير إلى أن زيادة عدد النساء في المناصب العليا في الجيش سوف تؤثر على معالجة قضايا الاعتداءات الجنسية والتحرش في الجيش، وبشكل أعم، زيادة عدد النساء المنخرطات في الحياة السياسية والحياة المدنية قد يؤثر أيضاً تأثيراً كبيراً على القرارات السياسية التي يتم أخذها في كل يوم.

المصدر: ورلدر إكونوميك فوروم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *