وظائف الأحلام في عصر الابتكار

الوضع الليلي الوضع المضيء

إذا سألت اليوم طفلًا ما الوظيفة التي يود أن يعمل بها عندما يكبُر، فإن الإجابات مازالت ضابط شرطة أو طبيب أو مُعلم على الأرجح. فلم يتغير ذلك في العشرين سنة الماضية.

في عصرنا الحالي، تتغير طريقة عملنا تغييرًا أساسيًا. فيحل العمل بالأجهزة الآلية -أتمتة- محل العمل الذي كان يقوم به الناس فيما مضى، وتبعات ذلك أن المنظمات تطلب أشخاصًا يملكون مهارات مختلفة. مع ذلك، فإن التغييرات الاستثنائية على عالم العمل لم يكن لها أثر يذكر على تطلعات الطلاب المهنية. من النادر أن نسمع الشباب يقولون أنهم يرغبون في أن يصبحوا مصممي ألعاب فيديو، أو مدراء للثقافة، أو منسقي استدامة أو مخترقين أخلاقيين!

ففي العالم الحديث من وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، ما زالت المهن التقليدية هي ما يستحوذ على خيال الشباب. فيلاحظ تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان وظائف الأحلام: طموحات المراهقين المهنية ومستقبل العمل، أن ما يقارب ٥٠٪ من الشباب يتطلعون لأن يعملوا في وظيفة من عشرة وظائف فقط. وعندما نكون في أمس الحاجة لشباب أكثر ابتكارًا وريادةً للأعمال، صعّبت الأتمته عليهم الحصول على وظائف تناسب مستوى المبتدئين والتي استخدمتها الأجيال السابقة لاكتساب فهم متعمق للوظائف وتعلم مهارات جديدة قابلة للنقل. بدون هذا النوع من تجربة العالم الحقيقي، من الصعب على الشباب أن يطوروا القدرات التي يحتاجونها للنجاح في عالم العمل المتغير، وهذا له نتائج واضحة على التطوير المهني في المدارس.

يرسل عالم العمل المتغير رسائل مهمة عن كيفية تعليم الشباب حول المهن التي يوشكون على دخولها. فعادةَ، يتمحور التطوير المهني في المدارس على توفير المعلومات لمساعدة الطلاب على اتخاذ القرار فيما سيفعلونه في حياتهم بعد الدراسة. يعتمد الإرشاد المهني بشكل فضفاض على توفيق اهتمامات الطلاب والوظائف. فعندما يرى معلم المهنة أن دوره هو حصر خيارات الوظائف، فلا يجب أن يكون تعبير الطلاب عن طموحات محدودة أمراً مفاجئاً. إن تشجيع الشباب على تصديق أن العالم يمكن التنبؤ به لا يعدّهم لهذا العالم سريع التغير المعقد الذي يعيشون فيه، ويقلل من قدراتهم على التكيّف مع واقعهم.

يحتاج الشباب إلى اكتساب نظرة أوسع نطاقًا لفرص العمل ويحتاجون لتلك المعرفة في مرحلة أبكر مما يتلقونها حالياً. إن تأخير التعليم المهني حتى المرحلة الثانوية هو تأخير وصل لمرحلة فوات الأوان. حيث تساعد المشورة المهنية المبكرة الشباب على اختيار الطريق إلى الدور الذي سيكشف عن إمكاناتهم الناشئة ويركز اهتماماتهم في المدرسة. عندما يكتسب الطلاب فهماً أعمق لطموحاتهم المتطورة، يتضح أن انخراطهم في المدرسة يرتفع إلى السماء حيث يربطون بين ما يتعلمونه في فصولهم والفرص التي سيبدؤون في خلقها لمستقبلهم بعد الدراسة.

يجادل ويليام دايمن من مركز ستانفورد للمراهقين بأن "المشكلة الأكبر في أن تكبر سنا هذه الأيام ليست التوتر، بل الافتقار إلى المعنى". الكثير من شباب البالغين متوترين، ليس بسبب أن لديهم الكثير ليفعلوه، لكن لأنهم لا يعلمون لماذا يفعلونه. المراهقون الذين لديهم فهم واضح للهدف هم أكثر سعادة وصحة ومشاركةً وأقل توترًا. إن امتلاك الوضوح حيال الهدف يقودك للاتجاه. يزعم دايمن أن "الشباب يثمنون الإرشاد من البالغين ذوي الخبرة الذي يهتمون بهم ويعرفون عن العالم أكثر مما يعرفونه. يجب أن يخاطب الإرشاد أكبر طموحات الشباب ليكون أكثر إفادةً وترحيبًا".

ربط الباحثون الآن بين التعليم المهني وعلم النفس الإيجابي من خلال وضع نموذج يرتكز على الأمل ( hope-centered ) للتطوير المهني. فكّر في الإمكانية إذا أمكن لمدرسة ما أن تزيد من إنجاز الطالب وتزيد من المشاركة في التعلم وتقدم فهماً أوضح للهويات المهنية المستقبلية الممكنة للشباب. ترتبط مستويات الأمل المرتفعة بمستويات مرتفعة من مشاركة الطالب والوضوح المهني، وبدورها، ترتبط مستويات مشاركة الطالب المرتفعة  بتحسين الأداء الأكاديمي في المدارس. يبدو أن بث الطاقة في المبادرات المعتمدة على المدرسة والتي تولد إحساس الأمل في المستقبل مساراً معقولاً ليسلكه المعلمون.

يؤكد عالم النفس جيم برايت أننا نحتاج أن نبتعد عن المفاهيم الثابتة "المهنة المثالية" أو "الملائمة تمامًا" ونركز أكثر على مهارات الاكتشاف والفضول والتكيف والإصرار وتقبل المجهول.  يعمل فريق Become Education على فتح عالم الاحتمالات لكل طالب باعتباره جزءًا من برنامجهم للتعليم المهني.
ما زالوا يعملون مع المدارس على تشغيل وحدة التعلم القائم على المشاريع بعنوان "كيف اكتشف مهنة أحلامي؟" تعتقد ليف بيني أن البرنامج المهني يجب أن يتمحور حول تعلم العملية بدلًا من إيجاد إجابة وحيدة. من الصعب على المدارس خلق مساحة لذلك في منهج مزدحم. البرنامج المهني –في صورته المثالية- يكون له مساحته الخاصة بدءًا من أعوام المرحلة الابتدائية فصاعدًا، كما يجب أن يُدمج في كل نطاقات المواد. تعتقد ليف أيضًا أن السؤال المهم الذي يجب طرحه هو ما إذا كان التعليم المهني مُدرج في خطة المدرسة الإستراتيجية؟ يجب على أي مدرسة تؤيد التعليم طوال الحياة وإعداد الطلاب للنجاح في عالم يتغير سريعًا، أن تعطي الأولوية لتعليم مهارات محددة للاكتشاف والتصميم واستشراف المستقبل.

تقول سامانثا مكفتريدج مديرة فرص الطلاب والتعليم المهني أن ما هناك حاجة إليه هو "التركيز على المهارات لا الوظائف. يحتاج الطلاب إلى إمكانية الحصول على مجموعة من فرص التعلم الحقيقية لتجربة عالم العمل".

تأسف مجموعة ليرن لايف (LearnLife) في برشلونة لعدم الترابط بين عالم العمل والمدارس. إنهم يحددون الشركات الناشئة والعاملين الخارجيين في نفس منطقة برامجهم التعليمية، وهدفهم هو أن يرى الشباب تنوعًا أكبر في وظائف ومهن المستقبل. يعمل طلاب الصف الحادي عشر في مدرسة برادفيلد في أستراليا في برنامج خبرة صناعية يرتبط بمشروع أفكار سيدني الحية (Sydney Vivid Ideas project). يوفر ذلك للطلاب فرصًا للعمل مع الصناعات الإبداعية والإنتاج لجمهور خارجي. يتسنى للطلاب رؤية ما قد يودون فعله بعد المدرسة والشعور به. تجري هيئة البحوث الأسترالية تجربة عمل افتراضي مبتكرة لطلاب المرحلة الثانوية.

صممت أمبر بيدويل مُعلمة المرحلة الابتدائية برنامجًا لطلاب الصف السادس يُدعى "التفكير مسبقًا". يحضر الآباء كل أسبوعين ويعرضون مسارهم المهني على الطلاب. تطرح أمبر على الآباء أسئلة تحفيزية، مثل "ما الذي تعلمته في المدرسة وتستخدمه الآن؟"، "أخبرني عن مرة فشلت فيها"، "ما المهارات التي تعتقد أنها مطلوبة في قطاع العمل؟" توسع الجلسات من تفكير الطلاب حول خياراتهم المستقبلية وتعزز من مهارات النجاح المطلوبة في مكان العمل.
تُشرك كلية سينت لوك الكاثوليكية مدربي حياة لمساعدة الطلاب على الإجابة على أسئلة: "من أنا؟"، "ما هي نقاط قوتي"، "ما المشكلات التي يمكنني حلها؟". يتعلم الطلاب كيف يكتشفون نقاط قوتهم واهتماماتهم ويحددون مواهبهم من خلال مشاريع الشغف التي تهدف إلى تحسين حياة الآخرين. وبنهاية الصف الثامن، يفصح كل طالب عن مسودة بيان الهدف من الحياة.

لذا، دعونا لا نجلس وننتظر أن تتكشف الأحداث. لنجد طرقًا لتطوير المهارات والبصيرة المهنية للشباب . لنقدم التعليم المهني بدءاً من صفوف التعليم الابتدائي ونوسع طموحات الطلاب المهنية. لنساعد الأطفال على اكتشاف هدفهم وبناء إحساسهم بالأمل في المستقبل حتى يتعلمون النجاح في ذلك العالم الغامض ويطمحون لوظائف الأحلام في عصر الابتكار.

المصدر: Getting Smart

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *