في عام 2018 ، هل نعيش الحياة المشرقة التي تخيلها أسلافنا عنا قبل قرن من الزمان؟

الوضع الليلي الوضع المضيء

هل سبق وأن فكرت في حال الناس وحياتهم قبل قرن من الآن وتخيلت أساليب معيشتهم وطرق حياتهم؟ حسناً إن لم تكن قد خطر ببالك ذلك مسبقاً فاعلم أننا (نحن المستقبل المجهول بالنسبة لهم) كنا محط اهتمامهم ومسرح خيالاتهم! وكم وكم رسموا صوراً مستقبلية عنا وكم تنبأوا عن أسلوب معيشتنا، لقد كانت حياتنا الآن بالنسبة لهم فكرة مثيرة وأمنيات كثيرة، وأحلاماً كانوا يرغبون أن تتحقق في عالمهم البسيط وحياتهم غير المعقدة!

وعلى الرغم من أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وما لحقه من تطور في التقنية وسطوعٍ لأنوار الكهرباء في نصف منازل سكان الولايات المتحدة الأمريكية عام 1925 م ثم انتقالها بعد ذلك لتضيئ كل بقعة حول كوكب الأرض، ويلحقها انتشار وسائل المواصلات السريعة كالسيارات والطائرات والقطارات وبدء اختراع وسائل سريعة لنقل المعلومات كالصوت والصورة والكلمات المكتوبة، كل هذا جعل مخيلة العديد من العلماء والمتفائلين الذين عاشوا في تلك الحقبة ترسم العديد من الأفكار الابتكارية المذهلة عن آلات وأجهزة ومعدات غريبة ومثالية قد تغير وجه مستقبلنا الحالي كما كانوا يتنبأوون

في الحقيقة، لم يكن أسلافنا بعيدين كل هذا البعد عن تحقيق توقعات المستقبل، ورغم أنهم لم يخبروننا عن أية تفاصيل واضحة عن كيفية أداء عمل تلك الاختراعات (التخيّليّة) إلا أنها كانت كافية لتخبرنا عن مدى التقدم الضخم والمخيف الذي جرى (ومازال) على هذا الكوكب.

نداء من المستقبل!

في يوم بارد في شهر فبراير من عام 1917م ألقى المخترع الأمريكي المخضرم البارز غراهام بيل على خريجي مدرسة ماكينلي للتدريب المهني خطاباً مثيراً ترك سحراً خاصاً وغير مسبوق على آذان مستمعيه، حيث قال:" لابد أنه من المثير للاهتمام أن نلقي الآن نظرة عميقة على التغيرات الكبيرة والضخمة التي حدثت في الماضي وحتى هذه اللحظة، ويتوجب علينا أن نقوم بالسير على نهج هذا التطور وإتمام مسيرته" جائت عبارته الرنّانة هذه بعد ذكره للتحول المذهل الذي أحدثه اختراع الكهرباء والسيارات، والذي يرى في هذين الابتكارين فقط طريقا ممهداً لفتح ابتكارات أخرى. لقد كانت له نظرة ثاقبة فيما يتعلق بالمستقبل، حيث كان يَعِد مهندسي خريجي مدرسة ماكنيلي بمستقبل واعد مشرق، حيث قال لهم أنهم سيشغلون في المستقبل مواقع متميزة ومشرفة حول العالم، خاصة فيما يتعلق بالتطور الذي سيحصل حول صناعة التقنية.

غراهام بيل ملقي هذا الخطاب الحماسي هو نفسه الذي اخترع عام 1876 جهاز الهاتف السلكي، والذي كان ابتكارا مذهلا في حينه، حيث يعتمد على استخدام الاسلاك لنقل صوت الكلام البشري من مكان إلى مكان آخر. ومع انتشار هذا الهاتف بطريقة كبيرة حول العالم واستخدامه في التواصل بين شتى مناطق العالم البعيدة والقريبة، تم تحديثه ليصبح هاتفاً لاسلكياً، بحيث أصبح بمقدور رجل من من ولاية فريجينيا، أن يتحدث إلى شخص آخر في باريس، بينكما هناك رجل يعيش في هونولولو يستمع إلى محادثتهما من مسافة 8886 كيلو متراً، وهذا يعني أطول مسافة اتصال عن بعد في ذلك الوقت.

لقد تعجب غراهام بيل، مخترع الهاتف السلكي من هذا التقدم الذي حصل على ابتكاره حيث قال: "بعد هذا الانجاز سيكون هناك يوم سنتمكن فيه جميعاً من التحدث مع أي شخص في العالم عبر الهاتف وبدون أسلاك"

في ذلك الوقت كان لدى الولايات المتحدة ما يقدر ب 11.7 مليون هاتف، في حين وصلت عدد الهواتف المستخدمة عام 2000 م ما يقارب 103 مليون هاتف. فقد كان غراهام بيل يستشرف المستقبل حيث تنبأ بأن الناس سيتمكنون من نقل الأشياء أيضاً عن بعد، بل والقيام بأداء أي عملية ميكانيكية لاسلكياً.

ولم يكن تنبؤه بعيداً جداً عن الحقيقة!

وسائل نقل المستقبل!

ففي القرن التاسع عشر كان الناس مهووسين بالسفر والتنقل، حيث قامت شركة فورد موتور عام 1914 م بتطوير أول خط تجميع في مصانعها وهذا ما سمح للشركة أن تنتج ما يقارب 300 ألف سيارة خلال عام واحد فقط، ومع بدء التغيرات الجذرية التي كانت تحصل على ثقافة المجتمع آنذاك، أصبح حلم كل شخص في العالم أن يقتني سيارته الخاصة. ولم يكن ذلك حلما مستحيلا على أية حال، فوفقاً لاحصائيات حكومية حديثة لعام 2016، وجد أن 95% من العائلات في أمريكا تمتلك سيارة واحدة على الأقل، بالتأكيد، تلك السيارات التخيلية بدت مختلفة قليلاً عن تلك التي نعرفها في وقتنا الحالي!

"سيارة المستقبل ستصبح غرفة معيشة متنقلة!"

هذا العنوان المثير ظهر على مجلة سيانتيفيك أمريكان عام 1918 م حيث وصف محرر هذه المقالة ما ستؤول عليه سيارات المستقبل فعلى حد قوله ستكون سياراتنا محكمة الإغلاق، ومقاومة للطقس مع جوانب زجاجية من كل الجهات ومزودة بنظام تدفئه ونظام ملاحة كهربائي ولوحة تحكم صغيرة تساعد على التنقل، وأنه سيكون هناك مقبض أصبع سيحل محل عجلة القيادة. وفي بعض النسخ المتخيلة، وصفوا سيارة المستقبل بأنها ستسير على 3 عجلات فقط.

لم تكن الأرض فقط حدود أحلامنا، بل الباص الحوت في السماء!

في أوائل القرن العشرين أثيرت أفكار مجنونة - في وقتها - تقول أن تنقلنا اليومي لن يقتصر على الأرض فقط، وهذا ظهر جليا في بطاقات صممها الفنان الفرنسي جان مارك كوتي وأصدقاؤه لصالح شركة ما، ما بين العام 1899 و 1910 م والذين تخيلوا فيها أن سكان الأرض بحلول عام 2000 م سيستعمرون الأرض والسماء معاً، وأنهم سيوظفون سكان الفضاء لجر عرباتهم في الرحلات الفضائية.

كان الناس مهووسين بفكرة السفر الجوي، ومن أجل ذلك حاول الكثيرون تجربة عملية الطيران تشبّهاً بالطيور، إلا أن تلك المحاولات لم تكن ناجحة بالشكل المطلوب، حتى جاء الأخوان رايت عام 1903 وقاما بأول تجربة عملية طيران ناجحة باستخدام طائرة تعمل بمحرك، مما حفّز المهندسين والمخترعين باختبار تصاميم للطائرات لا تعد وتحصى قبل الحرب العالمية الأولى، وهذا ما جعل خيال الفنان كوتي وأصدقائه ينجح في وصف وسائل النقل عبر المستقبل، حيث تخيل خدمة التاكسي الجوي، البوارج العائمة، ساعي البريد الحصان، ووسائل النقل النفاثة، وحتى الباص الحوت! كلها تظهر في بطاقاته البريدية المصممة والتي كان يتنبأ بها عن عالمنا الحالي.

بعض المهن المتخيلة سابقاً، أصبحت الأن جزءاً لا يتجزء من قوات الجو العسكرية، كخدمة الإنقاذ الجوي والطائرات الحربية، على الرغم من أننا ما نزال لم نتمكن حتى الآن من تصميم الطائرة الفرنسية المتخفية، من يدري! قد تصبح حقيقة في المستقبل القريب!

في الواقع، تعتبر آلات الطيران الخاصة، سمة بارزة للقرن الحادي والعشرين تماماً كما تخيله المستقبليون الفيكتوريون، فقد تخيل الفنان ألبرت روبيدا عام 1882 م أن السماء ستكون ملبدة بالسيارات الطائرة عام 2018 م، حيث تم وصفها في تلك المقالة في مجلة سيانتيفيك أمريكان بأنها حل لمشكلة أزمة الطرق والمواصلات، وأطلق على هذا الإبتكار (هيلي كار) أي السيارة الطائرة، وهو ما تم تطويره لاحقا لتأخذ مصطلح (الهيلكوبتر).

فهي على حد قول محرر مقالة مجلة سيانتيفيك أمريكان، لا تحتاج لـ7 ركاب ولن تزن أكثر من وزن سيارة ولن يكون هناك التزام بخطوط مواصلات أوطرق، فالطيران في السماء لا يحتاج خطوط مواصلات، ويمكننا أن نهبط بها على أي مكان في الأرض.

بالتأكيد لم نصل إلى المرحلة التي تجعلنا نمتلك طائرة هيلكوبتر مركونة في المرآب، إلا أن هناك العديد من الشركات المتخصصة في النقل والمواصلات تعمل الآن على تطوير سيارات طائرة شخصية، مثل شركة أوبر ووكالة ناسا وشركة الدفاع الروسية كلاشينكوف وشركة تويوتا وتوظيفها في دورة الألعاب الأولمبية القادمة عام 2020،  وكما أخبرنا غراهام بيل، من يدري! لعل الأعوام القادمة ستحمل العديد من التطورات وسنتمكن من امتلاك سيارات طائرة أيضاً.

كما أسلفنا في القول، فإن ألكسندر غراهام بيل تناول فكرة إمكانية التنقل في الجو، مشيراً إلى أن السفر بالقارب كان أرخص من السفر بالقطار، وذلك لأن طرق التنقل عبر الماء لا تحتاج إلى أية خطوط تنقل أو أية إمكانيات فيزيائية بسبب عدم الحاجة لتحديد مسارات التحرك، لذا بإمكاننا أن نستثمر المال في صنع مركبات ضخمة تسير في الهواء وتتسع للعديد من الأشخاص بدلاً من وضع هذه الأموال وتبذيرها في إنشاء الطرق.

التقنية تصبح شيئا شخصيا!

كتب المحرر جون إليفريث واتكينز عام 1900 م في مجلة (ذا ليديز) مقالة بعنوان: "ماذا سيحدث في المئة عام القادمة!" حيث ذكر وصفاً تخيلياً لتقنية المستقبل وأن التقنية لن تكون مقتصرة فقط على الصناعات الثقيلة والاستخدام العسكري، بل ستصبح أداة سهلة في متناول الناس العاديين، وسيتم توجيه استخدامها في الترفيه وتحسين أساليب الراحة وتيسير أعمال الحياة اليومية.

وعلى الرغم من أنه لم يتنبأ بما وصل إليه شكل أجهزة التلفاز الحالية، إلا أن واتكينز استشرف أن التقنية، سيتم توظيفها في يوم من الأيام، لعرض المسرحيات والحفلات الموسيقية والأوبرا في منازلنا الخاصة بدلا من الذهاب إلى أماكن بعيدة جدا لحضور حفلة أوبرا واحدة. حيث ستبدو وكأن تلك الحفلات خارجة من صندوق مسرحية وبأصوات متناغمة حقيقية. وأن الأشخاص وحتى الأشياء بغض النظر عن ماهيتها ستكون أمام كاميرات موصولة بالكهرباء مع شاشات تعكس الصور وتعرضها في مكان ما ،حتى لو كان ذلك يبعد مئات الأميال عن مكان الكاميرا.

كما توقع أيضا أن يتم تناقل الصور الملونة بسرعة كبيرة بين أنحاء العالم في يوم من الأيام. وأنه لو كانت هناك حرب لمئة عام في الصين فإنه ستنتشر صور للأحداث الأكثر إثارة في الصحف بعد ساعة فقط من نشوبها!

هل بإمكانكم أن تتخيلوا ردة فعل هذا المحرر لو رأى انتشار صور السيلفي الآن بطريقة مذهلة وغير مسبوقة؟!

أحلام وردية بحياة مثالية ورفاهية مُترفة!

تخيل واتكينز أيضاً أن التقنية ستساهم في تحسين مستوى المعيشة داخل المنزل، فعلى الرغم من أنه لم يتم ابتكار الثلاجة والمبرد قبل عام 1925 ولم يتم استخدامها على نطاق واسع قبل الأربعينيات من ذلك القرن، إلا أنه تنبأ بحافظات طعام يمكنها أن تخزّن كميات كبيرة من أنواع الفواكه واللحوم لفترات طويلة من الزمن، وأنه سيكون لدينا حافظات للطعام تطير في السماء وتسبح في المحيط، وأننا سنتمكن من تناول الفواكه والخضار التي تثمر في أي مكان على الأرض بغض النظر عن موسمها، وسترتاح ربات البيوت من صنع الطعام المنزلي وستصبح الوجبات الجاهزة رائجة، وأنها (على حد رأيه) سيتم توصيلها سواء كانت وجبات ساخنة أو باردة بالوقت المناسب وبسرعة باستخدام أنابيب الهواء المضغوط بالإضافة إلى عربات التوصيل التي كانت معروفة آنذاك.

نظريا، قد تكون توقعات واتكينز واقعية نوعاً ما وقد تحقق الكثير منها في زمننا الحاضر، فمع انتشار استخدام الكهرباء والتقنية التي أصبحت في متناول الجميع، والهواتف والسيارات أصبحت أسهل استخداماً وأكثر تطوراً، فبالنسبة لأولئك المستقبليين الذين تخيلوا شكلاً من أشكال الروبوتات، التي ستعمل كبديل لسائقينا، وستنظف منازلنا وتطوي الغسيل وحتى تقوم بإطفاء وتشغيل الأنوار باستخدام التصفيق بالأيدي فقط! قد تحققت الآن بل وأصبحت ذات جودة أعلى مما كانت أحلامهم ترسمها!

توقعات خيالية خرجت عن السيطرة

إلا أنه كان مبالِغاً بعض الشيء في العديد من الأمور، أو لنقل أن خياله كان تفاؤلياً جداً، فقد توقع أن يتم الاستغناء عن بعض الأحرف الإنجليزية مثل (C و  Qو  X) لعدم أهميتها في المحادثات اليومية حسب رأيه، وأن الناس سيكونون لائقين بدنياً بشكل أكبر وأنهم سيبدأون تلقي حصص التربية البدنية منذ صفوف الحضانة، وأن أضعف الأشخاص أولئك غير القادرين على السير لمسافة 16 كيلومتراً سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً. للأسف أن ما يحدث الآن في حاضرنا هو العكس تماماً لو نظرنا إلى ارتفاع معدلات السمنة والوزن الزائد التي يعاني منها الناس حول العالم، لاسيما في فئة الأطفال والمراهقين.

أما الأمنيات الأكثر غرابة والتي كان واتكينز يتمناها هي أن يتم التخلص من جميع الصراصير والفئران والحشرات والبعوض وحتى الحيوانات البرية التي تعيش في الغابات، والأكثر دهشة أن نرى أن مثل هذه الأمنية كانت شائعة بشكل كبير في ذلك العصر، وقد يكون هذا سبباً غير مباشراً في انقراض العديد من الحيوانات في تلك الفترة كمثل الحمار الوحشي من نوع الكواجا، والحمامة المهاجرة والذئب التسماني، كل هذه الانواع انقرضت قبل عام 1940م بسبب الصيد الجائر وتدمير أماكن معيشتها.

لحسن الحظ لم يحدث انقراض هائل كما كان يتصور الناس في تلك الحقبة من الزمن، على الرغم من انقراض حيوانات أخرى إلا أن هناك العديد من المؤسسات والجمعيات أصبحت الآن على وعي كافٍ للحفاظ على البيئة من خطر انقراض العديد من الكائنات التي تحافظ بطريقة أو بأخرى على التوازن البيئي على كوكب الأرض.

مستقبل الطاقة النظيفة وأمنيات قديمة!

لعل التكهنات الأكثر مفاجأة في القرن الماضي كان التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري للطاقة، واستخدام بديل دائم وأقل تكلفة: طاقة الطبيعة! وعلى الرغم أن تلك الأفكار كان يتم مقاومتها من قبل الكثير من الأشخاص الذين يفضلون استخدام ما هو مألوف! ضاربين بعرض الحائط  كل تلك الأصوات التي كانت تحذر من خطر تغير المناخ مستقبلا، لكن أيضاً ومن ناحية أخرى ظهرت العديد من العقول المتفتحة في أوائل القرن العشرين والذين أصدروا قرارات تتحدث عن ضرورة التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري.

ففي عام 1896 قال عالم الكيميائ السويدي سفانت أرهنيوس أن مضاعفة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بسبب استخدام الوقود الأحفوري، من شأنها أن ترفع درجة حرارة الأرض مابين 8 و 9 درجات مئوية. وقد استوحى ذلك بعد اكتشاف مذهل لصديقه أرفيد هوجبوم الذي أدرك أن النشاط البشري العادي يطلق ثاني أكسيد الكربون بنسبة متساوية مع العمليات الحيوية في الطبيعة. ولكن وعلى الرغم من ارتفاع معدل إحراق الوقود الأحفوري من قبل الدول الصناعية عام 1896 أعتقد أرهينوس أن ارتفاع درجة الحرارة التي من صنع الإنسان لن تصل إلى مستويات خطيرة حتى لو بعد آلاف السنين.

إلا أن أرهينوس قد غير رأيه بعد ذلك ففي كتابه (عوالم قيد الصنع) الذي يوضح فيه أنه إذا زاد معدل استخدام الوقود الأحفوري فإن كمية  ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يمكن أن تتضاعف بغضون بضعة قرون، وبالتالي ارتفاعا كبيراً في درجة حرارة الأرض.

بشكل عام لم يصل العلماء قبل قرن على الأقل إلى ما كان يخطر ببال أرهينوس، ولم يدركوا أن الوقود الأحفوري له ذلك التأثير الضار والخطر على كوكب الأرض. إلا أن المتنبئون كانوا ينادون بضرورة أن نتخلى عن استخدامنا للفحم ومشتقات البترول منذ زمن بعيد، ولم يخف ذلك عن غراهام بيل حيث ذكر في خطابه: "سيزداد الطلب على استخدام الفحم والنفط في حين أن وجوده على كوكب الأرض محدود للغاية. يمكننا إخراج الفحم من المنجم ولكننا لا يمكننا أن نعيده أبدا، يمكننا استخلاص النفط من المخازن الجوفية، ولكننا لايمكننا إعادة ملئ الخزان من جديد! نحن نبذر وقودنا، ونستخدم رأس المال المتوفر لدينا لنغطي تكلفة استخراجه وإحراقه من أجل أعمالنا التجارية والصناعية، سيرتفع الطلب السنوي على النفط والفحم وسيصبح هناك تضخم كبير في الاستهلاك في حين أن الكمية المتوفرة لدينا قليلة!

فماذا سنفعل حين لا نملك المزيد من الفحم أو النفط؟

يتابع غراهام بيل خطابه حيث يقول أن الطاقة الكهرومائية كانت استخدامها محدود في ذلك الوقت وأنه لابد أن نتمكن في يوم ما من استخدام طاقة المد والجزر والأمواج وتحويل أشعة الشمس المباشرة إلى مصدر طاقة.

لم يكن غراهام بيل الشخص الوحيد الذي كان متأكداً أننا سنبحث عن طاقة بديلة أخرى للوقود الأحفوري، فبعد النقص الحاد في الفحم الذي حصل عام 1918 في الولايات المتحدة قام العديد من العلماء والمتخصصين بدعوة الناس للحفاظ على النفط وتخزينه وتقنين استخدامه.

لكن أحد المحررين في صحيفة شيكاغو نيوز في ذلك الوقت سخر من هذه الفكرة، وقال أنه لا طائل من تخزين الفحم بهذه الطريقة، وأنه علينا القلق بشأن توفير مصدر بديل للفحم بدل من القلق على تخزينه حيث يقول: إن أولئك العباقرة المجانين والذين يشعرون بالقلق حول الحفاظ على كمية الفحم، لم يخطر ببالهم أنه قبل مئة عام من الآن لم يستخدم أجدادنا الفقراء الفحم إلا لغرض التدفئة فقط.

لقد كان الكاتب متأكدا أننا سنجد طريقة لتخزين الشمس وتحويلها إلى طاقة، ثم ضخَها إلى المنازل عبر الأنابيب، ويبدو أن ما تنبأ به أصبح حقيقة الأن.

فوفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA فإن الولايات المتحدة لا تزال تحصل على 17% من احتياجها من الفحم، و 28 % من المنتجات النفطية والبترول، و33% من الغاز الطبيعي و12% فقط من مصادر متجددة.

أما على الصعيد العالمي فيشكل الفحم الآن حوالي 27% من إنتاج الطاقة في العالم في حين تستخدم الطاقة المتجددة بنسبة 24%

والخبر السار أن هذا التوزيع يتغير باستمرار، لأن الطاقة المتجددة ستصبح أرخص من الوقود الأحفوري، مما يجعلنا أقرب إلى ذلك المستقبل المشرق الذي تنبأ به أسلافنا السابقين.

هل سيكون الباص الحوت، التنبؤ التالي المتوقع تحقيقه في مستقبل أحفادنا!

المصدر: فيوتشرزم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *