نظام (Big Brother) للإدارة: وداعاً لتقييم الأداء السنوي وأهلاً بنظام البيانات

الوضع الليلي الوضع المضيء

في عام 2016 لن تبقى مهام الإدارة في أيدي المدراء، وبالنسبة للمدراء المتوسطين، فإن هذا العام سيكون الأكثر سوءاً على الإطلاق بالنسبة لوظيفتهم، فالوظائف الرئيسية الثلاثة للمدارء، والتي تتمثل بتدقيق أعمال الموظفين الآخرين، أمرهم بالقيام بالأعمال، ومن ثم تقييم أعمالهم، سيتم إعتبارها إما كوظيفة غير ضرورية أو سيتم تكليف الآلات للقيام بها بدلاً من الأشخاص، وستتحول الشركات، التي ما فتئت تعلن نفسها على أنها ذات تنظيم أفقي في كل عام منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لتصبح كذلك فعلاً في هذا العام.

هذه الموجة الجدية من تقليص وظائف الإدارة لن تحصل لذات الأسباب التي كان يتم طرد الموظفين على أساسها بشكل متعاقب على مدى السنوات الـ30 الماضية، حيث كان غالباً ما يتم طرد الموظفين للتخفيض من تكاليف تشغيل الشركات، أو لإدخال التكنولوجيات الحديثة، أو للنفور المعلن من التسلسل الهرمي، ولكن هذه المرة لن يكون تقليص أعداد المدراء ناجماً عن أسباب مالية، حيث سيتم تقييم الأسباب المنطقية لوجود المدراء، وإذا ما تبين بأنها غير كافية، سيتم اعتبارهم كأشخاص بيروقراطيين يبطؤون من سير العمل ، ويمكن أن يرتكبوا الكثير من الأخطاء.

شعار العام الجديد هو نهاية عصر "التقييم الوظيفي السنوي"، ففي عام 2016 لن يكون على موظفي المكاتب تعريض أنفسهم لتلك العملية المرهقة التي يقومون خلالها بتحديد عشرات الأهداف التي لا معنى لها، والعملية التي يتم تصنيفهم من خلالها بناء على أمور غير محددة كـ"إظهار النشاط الشامل"،ولن يعود أي أحد مضطراً لتحمل المناقشات السنوية حول كيفية أداء الموظفين في العمل، وخيبات الأمل والإحباط الذي تترافق مع ذلك، فبالمختصر انتهى عصرالبيروقراطية.

الجدير بالذكر أن هذه النهاية قد بدأت بالفعل خلال عام 2015،واستطاعت الوصول إلى منتصف الطريق حتى الآن، وذلك عندما أعلنت شركة (Deloitte) ومن بعدها (Accenture) أنهما استغنيتا نهائياً عن نظام مراجعة الأداء، وقد كانت (Deloitte) قدأعلنت سابقاً بأنها تنفق حوالي مليوني ساعة في السنة لإنتاج التقارير السنوية عن موظفيها الذين يقدر عددهم بـ 65,000 موظف، مما يجعلها من بين أكبر الشركات إضاعة للوقت، ومن المتوقع أن تقوم الغالبية العظمى من الشركات الأخرى في عام 2016 باتباع هذا النظام أيضاً.

زوال نظام مراجعة الأداء يشكل جزءاً من النفور الكبير من النمط القديم من البيروقراطية الإدارية التي أصبحت تسيطراً على أوساط الشركات، حيث سيتم استبدال الأنظمة الحالية بأخرى جديدة مبنية على صفات أكثر عملية، مثل السرعة والشفافية، وستتوقف الشركات عن الاهتمام بمدخلاتها (الكيفية التي يقوم من خلالها الموظفون بتنفيذ الأعمال)، بغية التركيز فقط على مخرجاتها (ما ينتجه العمال من أعمال)، وسيكون هاجسهم الجديد هو البيانات، مما سيجعلهم يتخلون عن أي شيء لا يمكن قياسه، وبالإضافة إلى ذلك، ستتم مراقبة كل موظف في كل ثانية، وسيتم تتبع كل نقرة زر يقومون بها وتحليلها، وحتى أن بعض الشركات قد تذهب أبعد من ذلك وتجعل موظفيها يرتدون أجهزة استشعار لتتبع كل حركاتهم وقياس نبرة صوتهم وعدد الخطوات التي يقومون باتخاذها، كل ذلك تحت مراقبة نظام (Big Brother).

لن تكون مهام الإدارة هي الشيء الوحيد الذي سيتم الحد منه، فقسم الموارد البشرية (HR) سينال نصيبه أيضاً، فمنذ أن ظهر هذا المنصب، كان وجوده مبرراً بقيامه بالتخطيط لمهام المدراء المملة، ولكن في العالم الجديد سوف تقتصر إدارات الموارد البشرية على بضعة عاملين مختصين بكيفية جمع البيانات ومعالجتها، ولن يكون هناك حاجة إلى البقية.

من بعض النواحي، سيكون المستقبل أكثر إشراقاً، حيث سيقل مقادر الوقت الذي يتم إهداره، ولن يكون عليك بعد الآن تملق مديرك فقط لأنك تعرف بأنه سوف يقوم بتقييمك.

ستتحول أيضاً بعض الأشياء الأخرى لتصبح أفضل، فمع تقليل عددالمدراء لن يكون هناك حاجة كبيرة لبرامج تدريب الإدارة التي لا طائل منها، كما أن الجانب اللين للإدارة -الذكاء العاطفي الذي كان جميع المدراء في العقد المضي يتباهون بإمتلاكه - لن يعود رائجاً بعد الآن، فالتعاطف لا يمكن قياسه بسهولة، لذلك لن نسمع عنه كثيراً خلال الفترة القادمة.

المشرفين البشريين مقابل الآلات

سيتم استبدال الكثير من الموظفين في هذا العالم الجديد، ومع الوقت سنبدأ بإفتقاد المدراء البشريين غير المعصومين عن الخطأ، فعلى الرغم من أن هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون انفعاليين، يحمون ظهورهم، ويظهرون المحسوبيات لبعض الأشخاص على حساب أشخاص آخرين، كما يمتلكون مجموعة كاملة من نقاط الضعف البشرية، ولكن طبيعتهم البشرية هذه يمكن أن تجعلنا نفتقدهم حقاً، حيث يستطيع المدير توفير الراحة والحماية، كما يوفر بنية العمل الصحيحة من خلال حماية الضعفاء، ومع الاستغناء عن هذه الميزات المريحة من خلال طرد المدراء، فإن أولئك الأشخاص الذين سيتم اعتبار أدائهم غير كافٍ، سيتم طردهم من العمل دون أن يجدوا من يتمسك بهم ويدافع عنهم ويعطيهم فرصة أخرى.

الأمر الأكثر إزعاجاً، هو أن المتدربين الشباب لن يجدوا من يعلمهم كيفية التصرف في ظل طرد المشرفين، ولن يكون هناك أحد يمكن للمبتدئين أن يقتبسوا منه، وبدلاً من ذلك سيكون عليهم المضي لوحدهم في الشركة والتعلم من أخطائهم.

الأسوأ من ذلك كله هو أنه لن يكون هناك وجود لدليل على أن النظام الإلكتروني الجديد سيكون أفضل في إصدار الأحكام على جودة أداء الموظفين البشري من أسلافه البشريين، فعلى الرغم من أن البشر كانوا قد قاموا بالكثير من الأعمال غير المسؤولة في السابق، ولكن على الأقل عندما يقوم المدير بأداء مهمة بشكل سيء للغاية، يكون عادة بالإمكان طرده من الشركة، ولكن طرد نظام بأكمله سيكون أصعب بكثير.

مترجم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *