الذهاب بعيداً.. علي بابا وأمازون يتوجّهان إلى العالمية

الوضع الليلي الوضع المضيء

في سبتمبر 2014 أعلن جيف بيزوس “Jeff Bezos” أول استثمار كبير له في الهند، حيث قفز على متن حافلة ملونة في بنغلور، والذي كان بداية لاستثمار سريع بقيمة 5 مليار دولار في الهند، كجزء من خطط "بيزوس" لدفع أمازون للعالمية. ثم بعد شهرين ظهر "جاك ما" مالك "علي بابا" في دلهي، قائلاً: "سنستثمر أكثر فى الهند"،  واستثمرت "علي بابا" حوالي 500 مليار في الشركة الدفع الرقمية الهندية باي-تي-إم “Paytm”، والتي قادت هذا العام كذلك جولة لجمع التبرعات لمنصة باي-تي-إم “Paytm” للتجارة الإلكترونية.

من جهة أخرى؛ لم يتلقِ عملاقا التجارة الالكترونية بعد في أسواقهما المحلية، فأمازون لا تملك إلا أعمالاً تجارية صغيرة في الصين، فيما تركّزت استراتيجية "علي بابا" في الولايات المتحدة لمساعدة الشركات الأمريكية الاستيراد من الصين أو التصدير إليها. وحين يُسأل "تشانغ" –الرئيس التنفيذي لعلي بابا– "متى ستذهب إلى الولايات المتحدة؟" يسألهم متعجباً: لماذا الولايات المتحدة؟ فقد قامت أمازون بعمل جيّد!. بينما استثمرت الشركتين في الغالب في الأسواق الخارجية المختلفة: فعلي بابا عبر جنوب شرق آسيا وأمازون في جميع أنحاء أوروبا، ومازال ينتظرهم الكثير في بقية العالم.

ومن المحتمل أن تكون أكبر الاضطرابات تأثيراً على الاقتصادات النامية والتجارة عبر الحدود، فعلي بابا يطمح لخدمة 2 مليار عميلاً في جميع أنحاء العالم في غضون 20 عاماً، من خلال إمبراطوريته التي تدعم الشركات. وكثير من الحالات بدأها بمشاريع الدفع الرقمية كما حدث في الهند مع باي-تي-إم “Paytm”، واستثمر في دول أخرى في مواقع التجارة الإلكترونية، كما حدث مع موقع "لازادا/Lazada" في جنوب شرق آسيا. إلا أنه ينوي بناء مجموعة واسعة من الخدمات داخل كل سوق، بما في ذلك عمليات الدفع  والتجارة الإلكترونية وخدمات السفر، ومن ثم ربط المنصات المحلية مع علي بابا في الصين.

كما يطمح "جاك ما" إلى تمكين الشركات الصغيرة من العمل بنفس الدرجة التي تعمل بها الشركات الكبيرة على الساحة العالمية، حيث تساعد "علي بابا" الشركات الصينية بيع منتجاتها في أسواق اخرى كالبرازيل وروسيا، وتساعد الشركات الأجنبية في التسويق، والخدمات اللوجستية، والجمارك في الصين. وبشكل عام؛ فإنها تأمل في استخدام تقنياتها لربط الشبكات اللوجستية  حول العالم بحيث يتمكن أي منتج أن يصلَ إلى أي مشترٍ ما خلال 72. وعلى الرغم من كونه يبدو أمراً بعيد المنال –حالياً– إلا أنه يوضّح بشكل جليّ طموح هذه الشركة الضخمة.

على المستوى نفسه، تحقق أمازون أكثر من ثلث أرباحها بالفعل من التجارة الإلكترونية خارج أمريكا الشمالية، حيث تعدّ ألمانيا ثاني أكبر سوق لها، تليها اليابان وبريطانيا. وقد اشترت هذا العام شركة التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط "سوق". وحسب "روس قراندينتي/Russ Grandinetti" –رئيس الأعمال التجارية في أمازون– فقد  وضعت معايير للتوسع  في أسواق أخرى تشمل: حجم السكان، والاقتصاد، وكثافة استخدام الانترنت، ولذا كانت الهند أحد الأسواق التجريبية التي اختارتها أمازون. وتسعى أمازون، مثل "علي بابا" إلى مساعدة الموردين حول العالم لبيع منتجاتها للخارج. فعلى سبيل المثال، يمكن لمتسوقي أمازون في المكسيك شراء السلع من أمريكا. حيث يرى " غراندينتي" أن المبيعات عبر الحدود تعتبر عنصراً مهماً ومتنامياً لزيادة قيمة أمازون للمستهلكين والبائعين على حد سواء.

من جهة أخرى؛ فإن كلا الشركتين معرضتان لخطر عدم نجاح الاستراتيجيات التي حققت نجاحاً ملموساً في بلديهما الأصليان في حالة اتبِعت ذاتها في أسواق أخرى. ففي الصين، على سبيل المثال، اعتمدت شعبية التجارة الإلكترونية على عدد من العوامل الخاصة؛ فكثيراً وجدت الشركات المصنعة في الصين نفسها تعاني في زيادة الانتاج من الملابس والأحذية مع انخفاض الطلب المحلي، وقدّمت علي بابا مكان لبيعها. ثم  ازدهرت منصة "علي-باي" بما أن عدداً قليلاً من المستهلكين فقط من يمتلِكون بطاقات ائتمانية. كما ساهم عاملا العمالة الرخيصة والعديد المدن الكبرى، حيث يوجد أكثر من مئة مدينة يسكنها أكثر من مليون شخص، والذي أدى إلى كثافة الطلب التي جعلت من المجدي للشركات اللوجستية لبناء شبكات التوزيع.

وكلما توسّعت أعمال أمازون و"علي بابا"، فإن نماذج أعمالها قد تتغيّر، وقد تلتقي في أسواق ما. وقد لا يشكّل ذلك بالضرورة مشكلة بحدّ ذاتها نظراً لاختلافها في عدد من النقاط. فأمازون تمتلك المخزون والمستودعات، على العكس من "علي بابا". وقد توسّعت "علي بابا" أكثر من أمازون؛ لاسيّما عبر نظام المدفوعات الالكترونية العملاقة، وربما إن استمرت أمازون في نموها قد تصبح مثل "علي بابا". وفي الهند –على سبيل المثال– تمنع اللوائح التنظيمية من امتلاك المخزون مباشرة، فيما حازت مؤخراً على ترخيص من بنك الاحتياطي الهندي للمحفظة الرقمية. "علي بابا" من ناحية أخرى قد تصبح أكثر مثل أمازون، وذلك مع اقتراب الشركة الصينية من جنوب شرق آسيا، حيث استثمرت خلال سبتمبر الماضي في نظام البريد السنغافوري سينغبوست/SingPost، وأصبحت أكبر مالك في شركة كاينياو/Cainiao اللوجستية الصينية، مشيرة إلى أنها تخطط لإنفاق 15 مليار دولار على الخدمات اللوجستية في السنوات الخمس المقبلة.

وقد يتباطأ تقدّمهم نتيجة منافسين آخرين، حيث يمكن للشركات الصغيرة أن تزدهر في المنافذ. فشركة "فليبكارت/Flipkart" التي تدعمها ناسبرس/Naspers وسوفتبانك/SoftBank، تتنافس بشراسة مع أمازون في الهند، وتحصل الشركتين بشكل متقطع على حصة أكبر من السوق. فيما تتوسّع في جميع أنحاء العالم منصة "يوكس نت آ بورتي/Yoox Net-a-Porter لبيع السلع الفاخرة.

من بين الأسئلة التي تواجه العملاقين ما إذا كانت شركات التقنية الأخرى ستصب المزيد من الأموال في التجارة الإلكترونية، وما هي الشراكات يُتنبّأ بظهورها. "وي تشات باي" التي تملكها "تِنسِنت" تتحدى "على باي" في الصين، حيث أن ثلث مستخدمي "وي تشات باي" في الصين يتاجرون كذلك على هذه المنصة. فيما تحاول "تِنسِنت" إقناع المحلات التجارية لقبول تطبيق الدفع في دول أخرى، إلى جانب شرائها حصة من " فليبكارت/Flipkart" مؤخراً.

وبنشر خدماتها في الخارج، سيتسنى لـ"تِنسِنت" الحصول على الكثير من المساعدات من ناسبرس. وتمتلك الشركة القادمة من جنوب أفريقيا حوالى ثلث شركة "تِنسِنت" ، وتدعم كذلك شركات التجارة الالكترونية فىي أنحاء العالم. بينما تعمل فيسبوك الآن على تنشيط أعمالها في هذا المجال من خلال تسهيل شراء السلع لمستخدميها عبر خدمة الرسائل والمنصات الأخرى مثل واتساب وإنستقرام.

القائمة "أ" لا تزال قائمة

ومع ذلك، يبقى كلاً من أمازون وعلي بابا المنافسين الدوليين الأضخم لبعضهما البعض. فالنجاح في التجارة الإلكترونية يتطلب نطاقاً، والذي يعني الحاجة إلى الكثير من رأس المال. عدد من شركات التجارة الإلكترونية المحلية في الهند تعرضت لضغوط من المستثمرين لتعزيز الربحية، وهو ما لا تعاني منه أمازون. حيث يقول أميت أغاروال/Amit Agarwal  –رئيس شركة أمازون الهند– "سنستثمر كل ما يلزم للتأكد من تقديم تجربة رائعة للعملاء".

كما تتمتع الشركات الكبيرة بميزات طبيعية كلما اتسعت، لأن التقنية التي تم تطويرها لسوق واحدة يمكن إدخالها عبر العديد من الأسواق الأخرى. وقد لخّصها  ماكسيميليان بيتنر/Maxmilian Bittner –الرئيس التنفيذي لشركة لازادا–"إنها مثل مجموعة ليغو"، حيث يمكن قطعٍ من نموذج استراتيجية علي بابا، مثل خوارزميات لتوصيات المنتج، ولتحسين عمليات لازادا. فيما يمكن إعادة استخدام نموذج استثمارات أمازون في تعلم الآلة “Machine Learning” وتطبيقها في أي مكان في العالم. ولا يعني أن كلاً من أمازون وعلي بابا سيهيمنان على كل بلد في جميع أنحاء العالم، ولا أنها ستسحق كل منافس. فوِفقاً لبوب فان ديك/Bob Van Dijk –الرئيس التنفيذي لشركة ناسبرس– أنه مازال هناك مجال للعديد من المشغلين: "أنا لا أؤمن بالهيمنة المطلقة". إلا أنه بالنظر إلى طموحات العملاقين وفوائد الحجم السوقي لهما فسيصبحان أكثر قوة وينافسان مباشرة في الكثير من المجالات، والذي ستتربت آثاره تِبعاً على جميع أنواع الصناعات، ولا سيما قطاع التجزئة.

المصدر: الايكونوميست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *