سلسلة مستقبل التصميم بعد انتشار الأوبئة - تصميم المنتجات والخدمات المادية (١|١٢)
يبدو أن هناك الكثير من التساؤلات التي تدور في الأذهان فيما يتعلق بالمستقبل وتلك التغييرات التي تحدث حول العالم بعد انتشار الأوبئة بداية من فيروس سارس-كوفيد2، سواء انتهت تلك الأوبئة أو استمرت وتعايشنا معها!
عندما اضطررنا جميعًا لأن نحصر أنفسنا داخل منازلنا مهما كانت مساحتها صغيرةً كانت أزمة كبيرة، جعلنا ذلك نطرح الكثير من الأسئلة حول حياتنا الرتيبة والنماذج الثابتة والتقليدية التي تقوقعنا داخلها والتي كنا نظنها نماذج حياتية صحيحة لا يتوجب تغييرها، مما أوحى لنا بالتفكير بطريقة مختلفة، وبالتالي سبب لنا كل ذلك الوضع الجديد الكثير من القلق والتوتر والخوف من المجهول والتشكيك في قدراتنا الذاتية على مواجهتها!
تجربة الحجر المنزلي خلقت لنا نظرة مختلفة لشكل جديد من أشكال الحياة التي يتوجب علينا التركيز عليها، لا نقول أن الوباء صنع تغييرًا مفاجئًا، لقد كان كل شيء حولنا يتغير بالفعل دون أن نلحظ ذلك، ولكن ما أحدثه الوباء هو تسريع وتيرة هذا التغيير بشكل أكبر من توقعاتنا، في سلسلتنا هذه سنتحدث عن تلك المجالات الخاصة بالتصميم التي ظهر فيها التغيير والتطور بشكل جليّ وسنلقي الضوء على كيفية تصدينا لهذا التغير وعن الخطط والاستراتيجيات التي يتوجب عليها أن نرسمها استعدادًا لما هو قادم في ظل انتشار الوباء.
تصميم المنتجات والخدمات المادية
أدى انتشار وباء كوفيد، والعزل الصحي لفترات طويلة، والتوقعات بشأن تكرر تلك الجائحة وتبعاتها في المستقبل، إلى توقعات بزيادة الاهتمام بتصميم وتطوير المنتجات المتعلقة بالعناية الشخصية، حيث ظهرت بالفعل العديد من أفكار منتجات التعقيم والتطهير القادرة على إزالة البكتيريا والجراثيم الموجودة على أجهزتنا وأدواتنا، أو على الأقل منح إشارات ضوئية أو صوتية تؤكد تكاثر تلك الجراثيم فيها مما يساعدنا على إجراء التعقيم بطريقة صحيحة، وهذا الأمر قد تم تطبيقه فعليًا في المجال الطبي وفي صناعة الفرش المنزلي، مما يشجع العديد من المجالات الأخرى من إضافة هذه التقنية والتوسع فيها، خصوصًا مع انتشار جائحة كورونا، لتشمل منتجات منزلية أخرى كقطاع الملابس والموضة على سبيل المثال، يمكنك تخيل كنزة ذات ياقة دائرية تعمل كمرشحات للبكتيريا، أو ملابس ذكية يمكن أن تُصدر إشارات إلى تطبيق الهاتف المحمول لتبرز مكان وجود البكتيريا وربما نوعها أيضًا والطريقة المثلى للقضاء عليها أو الحماية منها.
لقد ظهرت فعليًا تقنيات تشبه هذا الأمر من خلال تقنية الجيل الخامس من الاتصالات والتي تسمح بربط الاستخدامات الشخصية المختلفة بتطبيقات يمكن التحكم فيها. لذا يمكن تطوير هذه تقنية الانترنت هذه بحيث يمكن استخدامها أكثر في الوقاية من الأمراض والجراثيم لتكون بمثابة وسائل تعقيم مستمرة، حيث يمكن من خلال الأشعة فوق البنفسجية تحديد الأدوات التي تحتاج إلى التعقيم والتطهير بشكل ضروري كالمحافظ الشخصية أو الهواتف أو الملابس وتحديد الأماكن الملوثة في المنزل وغيرها.
ظهرت بالفعل في ولاية أوهايو الأمريكية شركة ناشئة تعمل على تطبيق تجربة تصنيع حاويات القمامة ذاتية التطهير تقوم مع كل استخدام بإجراءات تعقيم محددة.
هناك مجال آخر مثير للاهتمام قد ظهر حديثًا وهو التركيز على كيفية تصميم منتجات مشتركة يمكن استخدامها من قبل العديد من الأشخاص، حيث يعتبر ذلك من التحديات الكبيرة التي تواجهنا أيضًا في المستقبل، فبعد انتشار فكرة مشاركة المنتجات والتأجير بدلًا من الشراء، فإنه بعد انتشار الأوبئة سيكون من الضروري للغاية محاولة البحث عن حلول لتصميم منتجات جماعية آمنة وذلك للحفاظ على القدرة الشرائية وفي الوقت نفسه حماية الأشخاص.
بينما من وجهة نظر تقديم الخدمات فإننا قد أدركنا بالفعل الحاجة إلى تغيير الكثير من العادات السلوكية كالتباعد الاجتماعي وعدم التلامس الجسدي مع الآخرين في الأماكن المزدحمة كمتاجر التسوق والمسارح والمتاحف وغيرها، حيث ستصبح تلك العادات طبيعية وجزءاً من حياتنا اليومية. بالتالي فإن العديد من الشركات قد عززت سلوك عدم التلامس من خلال تقديم خيارات دفع متعددة، ومن أبرز تلك الشركات: إيليفين وأمازون وفيوتشر بروف وبوست ماتس. ويتوقع أنه خلال عام ونصف فقط فإن عمليات الدفع الإلكترونية ستشهد انتشارًا أكبر في القطاعات الخاصة والعامة لتقليل الازدحام والتلامس.
بالإضافة إلى ذلك فإنه من المتوقع أن يتم توجيه المزيد من الاهتمام إلى تصميم الأتمتة أو التشغيل الذاتي للآلات، فازدياد الحاجة إلى تقليل التلوث سيزيد من الإقبال على أتمتة العمليات والخدمات والمنتجات المختلفة، ليس فقط بالحلول التي تعتمد على الروبوت أو الذكاء الاصطناعي ولكن أيضًا بتقديم حلول رقمية. فالحاجة الملحة إلى الحصول على مهارات متكاملة سيؤدي إلى تطوير تقنيات قادرة على تنفيذ بعض المهام، ليس ها فقط، بل ستعمل أيضاً على تطوير حلول مبتكرة تقدم خدمات متعددة التخصص في العديد من المجالات، مما سيسهل العديد من العمليات الرئيسية داخل الشركات سواء في القطاع التقني أو الاستشاري أو حتى الاستراتيجي طويل الأمد.
وفي حين أنه يجب التوسع في حلول الأتمتة لتقديم مستويات متطورة من التقنيات المعززة ومنح الأشخاص تجارب مميزة في الخدمات والمنتجات إلا أنه لا يمكن إلغاء العامل الإنساني بشكل تام.
المصدر: medium
اترك تعليقاً