خمسة أشياء يجب عليكم إخبارها لأبنائكم لإعدادهم للمستقبل
يبدأ الشباب بالالتحاق بسوق العمل، ويبدو أن الأشياء في الغد ستكون مختلفة بشكل واضح عما هي عليه الآن، لذا لابد من توضيح بعض الأمور لإعدادهم للمستقبل.
المقالة بلسان الكاتب نيكولاس فوكس ويبر، المدير التنفيذي لمؤسسة جوزيف وآني ألبرز لأربعة عفود متواصلة
يقول الكاتب:
لدي أربعة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين ٥ و ١٤ سنة، أصغرهم في روضة أطفال وأكبرهم يحضر للبدء في الدراسة بالمرحلة الثانوية، وأنا أعلم تمام المعرفة أنهم لن يتبعوا نفس المسار التعليمي الذي اتبعته أنا وأبناء جيلي، وبالتأكيد أنهم سيحضّرون أنفسهم لسوق عمل مختلفة تمام الاختلاف عما هو موجود اليوم، لذا فأنا أكتب هذه المقالة بما فيها من ملاحظات ليستفيدوا منها لاحقاً.
صحيح أن تأثيرات التقنية متنوعة ولم يتم تحديدها بعد، إلا إننا نحب التقنية عندما تجعل حياتنا اليومية أكثر سهولة ومتعة، ولكننا من ناحية أخرى نقلق ونتساءل عما ستحدثه من تغييرات في المستقبل، أو ما الذي قد يجلبه هذا التغيير.
في وقت سابق من عام ٢٠١٩، وجدت مؤسسة غالوب (Gallup) أن ما يقارب ٨ من كل ١٠ أمريكيين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يقضي على عددٍ من الوظائف بنسبة أكبر من تلك الوظائف التي سيصنعها خلال العقد القادم، لكن هل هذا حقيقي؟
أعتقد أن تأثير الذكاء الاصطناعي سيكون ذو أهمية أقل بكثير من معظم التوقعات ولكن في نفس الوقت سيعمل على مساعدة الناس على التطور وسيفتح عيون العالم على مصراعيها.
بالاعتماد على الوقت الذي شغلتُه كرئيس مشاركٍ للمجلس العالمي للمستقبل التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي والذي يهتم بشئون التعليم والمساواة فيوالعمل ، حاولت استخلاص بعض أهم البحوث التي أجراها المجلس حتى أقدمها كملاحظات ونصائح لأبنائي وهم يشرعون في دخول سوق العمل بشكل تدريجي، سألخصها في بضع نقاط:
١. غالباً، لن تسيطر الروبوتات على حياتنا
عندما حضرت مؤتمر دافوس في عام ٢٠١٧، كان التعبير المجازي الأكثر شيوعاً بين أشكال الذكاء الاصطناعي هي "المدمِّر": أي رجل آلي مخيف وقوي وقادر على أداء وظائفك ومهماتك، لتبدأ بعدها ثورة الروبوتات.
ولكن في العام التالي، حلت عبارة "الرجل الحديدي" كوصف للروبوتات محل مصطلح" المدمِّر"، وبالتالي فإن هذا التغيير يعكس تغيير الموقف تجاه الروبوتات، بدل استبدال البشر تماما، أصبح التركيز على تعزيز قدراتهم وتعزيز الابتكار.
أنا شخصياً، أعتقد أن عبارة "الرجل الحديدي" تعتبر استعارة أفضل من " المدمِّر". وذلك لبضع أسباب:
أولاً: يمكننا القول أن الثورات التقنية السابقة قد انتهت، ابتداءً من السيارة وحتى الصرَاف الآلي، وهذا أدى إلى خلق المزيد من فرص العمل بدلاً من تدميرها.
ثانياً: بعكس ما أنتجه الخيال الشعبي، فإنه لا يزال أمام المجال التقني طريق طويل قبل أن يصل لذلك النوع من القدرات الخارقة التي حذّر منها كثير من المتشائمين أمثال "إيلسون موسك". ولكن بدلا من ذلك أعتقد أن "يان لو كان" والذي يترأس أبحاث الذكاء الاصطناعي في فيس بوك(Facebook) كان على حق حين قال: "صحيح أن هناك مجالات معينة تتمتع فيها الأجهزة والآلات بأداء خارق، ولكن فيما يتعلق بالذكاء، فإنها لن تصل حتى إلى مستوى ذكاء الجرذان!"
فالسيارات ذاتية القيادة على سبيل المثال، لا تزال بعيدة عن تلبية الحد الأدنى من معايير السلامة، ولا يزال الذكاء الاصطناعي مجرد شبكات عصبية بسيطة إلى حد ما، وليس آلات أسطورية ملمّة بكل الأمور. والأهم من ذلك أنه على الرغم من أهمية إدراك القوى المتزايدة للتقنية، إلا أن الحقيقة هي أن احتمال أن تسبب الآلات زيادة حالات البطالة في العالم ليس سوى واحد من سيناريوهات متعددة محتملة!
٢. ستمضي حياتك في تعلّم أشياء جديدة!
قد يسألونك لماذا؟ ذلك لأن المهارات تتغير وتتطور بسرعة أكبر من سرعة تغير التعليم التقليدي، ووفقاً لقانون مور (Moore’s law) فإن التقدم التقني ينمو بشكل غير عادي، وبالتالي فإن ذلك يعني صناعة آلات أذكى وأكثر ذكاء وهذا يتطلب تعلم مهارات أكثر وأحدث، أضف إلى ذلك، فإننا في عصر التقدم التقني والعلمي سريع الخطى، فإننا كلما اكتشفنا أكثر، كلما تعلمنا مهارات جديدة بشكل أكبر.
ورغم أن بعض الجامعات الرائدة تعمل على تقديم دورات في المهن ذات العقود المؤقتة أو التقنيات الحديثة مثل بلوك-تشين، فإنها بعيدة كل البعد أن تكون القاعدة الأساسية. لأن الواقع يخبرنا أن الغالبية العظمى من المدارس الثانوية والكليات لا تتكيف بسرعة مع التغيير، الأمر الذي يجعل طلابها غير مستعدين كلياً لدخول سوق العمل.
ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن بعض الدراسات تشير إلى أن ٦٥٪ من الأطفال الذين يدخلون المدرسة الابتدائية اليوم سيحصلون على وظائف غير موجودة حتى الآن، وبالتالي سيفشل نظام تعليمهم الحالي في الإعداد لتلك الوظائف، كما يتوقع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي تحقيق الإمكانات البشرية في الثورة الصناعية الرابعة أن حوالي ٣٥٪ من المهارات المطلوبة للوظائف في جميع المجالات والقطاعات الصناعية ستتغير بحلول عام ٢٠٢٠.
ومن الناحية العملية، يتطلب التغير المستمر في المجال التقني أن يجعل أبناء هذا الجيل يبدؤون بالتفكير في عملية التعليم بإنه أمر سيرافقهم مدى الحياة، وهذا يعني أنه قد يضطرون إلى الالتحاق بكلية مجتمعية للحصول على شهادة، أو الحصول على شهادة ماجستير من دورة ضخمة على الإنترنت أو من خلال شهادة النانو ديجري من يوديمي (Udemy) مثلا، وهي شهادة مصغرة جدا يمكن الحصول عليها ما بين شهر إلى ستة شهور من إحدى منصات التعلم، أو يمكنك الحصول على كل تلك الشهادات في تخصصات مختلفة وأوقات مختلفة طيلة فترة حياتك، للبقاء على اتصال مستمر مع حاجة سوق العمل المتغيرة مع الوقت.
٣. يمكنك أن تكون رئيس نفسك!
أكثر من نصف سكان العالم هم من الموظفين التقليديين، ولكن قد تغير هذا الأمر الآن، حيث يمكنك الآن إنشاء عملك الخاص بفضل التقنية التي سهّلت الكثير من الأمور، وبفضل تحوّل العمل ليصبح أقل ارتباطاً بالمكان الجغرافي بعد تحوله إلى النظام الرقمي، وبالتالي لن يحتاج مصممو تجربة المستخدم أو كاتبو المحتوى أو حتى مطورو نظام برمجة الهواتف الذكية، إلى التواجد في مباني ومكاتب مكلفة في وسط المدن والعثور على عمل ذي قيمة اجتماعية ومادية، بل بوسعهم أن يقوموا بوظائفهم في أي مكان وبأقل تكاليف ممكنة.
ومع انخفاض ارتباط العمل بالمكان الجغرافي، فإن المنصات الرقمية مثل موقع إيتسي (Etsy) وأب وورك ( Upwork) التي تربط الناس مع الأعمال الفردية بغض النظر عن الموقع، توفرت فرصة كبيرة للرياديين لأن يصبحوا رؤساء أنفسهم.
٤. التركيز على المهارات الاجتماعية
مع تقدم التشغيل الآلي والأتمتة، فإن المهارات الأفضل والأكثر أهمية هي تلك التي لا يمكن تنفيذها وأداؤها من قبل الروبوتات.
وبالتأكيد فإن المهارات الصعبة كالبرمجة وتحليل البيانات والهندسة والرياضيات تعتبر مهمة، ولكن يخبرنا تقرير "مستقبل الوظائف" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن الدراية التقنية لن تكون كافية في المستقبل. حيث يقول التقرير: " ستكون المهارات الاجتماعية، مثل مهارات الإقناع، والذكاء العاطفي، وتعليم الآخرين مطلوبة بشكل أكبر في العديد من المجالات أكثر من المهارات التقنية المحدودة، ولذا لابد من دمج المهارات التقنية مع المهارات الاجتماعية وتشكيل تعاون قوي فيما بينها".
٥. مسار المستقبل مرهون بك، قم برسمه بالطريقة التي تناسبك!
رغم كثرة المخاوف التي تتعلق بشكل المستقبل، فإن لا أحد يعرف حقاً كيف يمكن للتقنية أن تتطور وتتقدم!
ففي دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي في وقت سابق من العام الماضي بعنوان "ثمانية عقود عمل مستقبلية، سيناريوهات وآثار"، أكدت على رؤية غير واضحة للمستقبل، مشيرة إلى عوامل أخرى من شأنها أيضاً أن تغير الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها، مثل أنظمة التعليم وسياسات الهجرة، وكلاهما ضمن نطاق سيطرتنا.
فنحن من نصنع الآلات بعد كل شيء، ونحن من ننشئ المدارس ونكتب المناهج الدراسية، والأمر متروك لنا فيما يتعلق بالكيفية التي تتنقل بها المواهب والعمل عبر الحدود.
ختاما، ما نود قوله هو أنه لا يتم نقش المستقبل على الحجر، ما نعنيه أنه ليس أمرًا ثابتًا، مما يجعل جيل الشباب قادرين على تشكيل مساره كما يرغبون، وهذا يعطينا سببًا للتفاؤل والأمل بمستقبل واعد.
اترك تعليقاً