المصادر المفتوحة والبيانات الضخمة
تم إحداث ثورة كبيرة في عالم التقنية خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت شعبية البرمجيات مفتوحة المصدر وأدركت المزيد من الشركات قيمة الابتعاد عن سياسة التقنيات الخاصة المغلقة التي كانت تتبعها سابقاً.
ليس من قبيل الصدفة أن هذا التحول قد حدث بالتزامن مع انفجار الاهتمام بالبيانات الضخمة والتحليلات، فالطبيعة النموذجية والمتدفقة والمتطورة باستمرار للمصادر المفتوحة تتزامن مع احتياجات مشاريع التحليلات الحديثة للحصول على أنظمة ومنصات أسرع وأكثر مرونة وحيوية وأمناً يمكن تنفيذها عليها.
المصادر المفتوحة والبيانات الضخمة
ما هي المصادر المفتوحة بالضبط؟ وما الذي يجعلها مناسبة جداً لمشاريع البيانات الضخمة؟ حسناً، كما هو الحال بالنسبة للبيانات الضخمة، فإن المصادر المفتوحة هي في الحقيقة ليست بالشيء الجديد، فهي مفهوم كان قائماً منذ الأيام الأولى للحوسبة، ومع ذلك، فلم يتم البدء باستكشاف إمكانياتها الكاملة سوى في الآونة الأخيرة، وذلك مع النمو الهائل في عدد السكان، وكمية البيانات على شبكة الإنترنت.
الوصف البسيط للمصادر المفتوحة عادة ما يكون في كثير من الأحيان أنها برمجيات "مجانية"، بالتأكيد هذه هي الطريقة التي ستسمع فيها وصف المستهلكين والمنتجين التجاريين للمصادر المفتوحة الأكثر شعبية (مثل بديل مايكروسوفت أوفيس"ليبر أوفيس"، أو متصفح الإنترنت فايرفوكس)، ولكن الأمر أكبر من مجرد برمجيات مجانية، فبشكل عام، تندرج المنتجات مفتوحة المصدر الحقيقية تحت واحدة من العديد من تراخيص المصادر المفتوحة المختلفة، مثل رخصة (GNU) العامة أو رخصة أباتشي، وذلك بالإضافة لمنح المستخدمين حق التحميل بحرية واستخدام المشروع، كما يمكن أيضاً أن يتم تعديلها وإعادة توزيعها، ويمكن لمطوري البرامج حتى أخذ الأجزاء المفيدة من مشروع مفتوح المصدر لاستخدامها في منتجاتهم الخاصة - التي يمكن أن تكون إما مفتوحة المصدر أيضاً، أو ذات ملكية خاصة- تحت شرط واحد فقط هو وجوب الاعتراف بالأجزاء التي تم فيها استخدام المواد المفتوحة المصدر في منتجاتهم، وضم وثائق الترخيص ذات الصلة في توزيعها.
مزايا المصادر المفتوحة
إن التطور في المصادر المفتوحة يتفوق بالعديد من المزايا على التطور في البرمجيات الخاصة، لأن أي شخص يمكنه أن يساهم في المشاريع مفتوحة المصدر، حتى أن المشاريع الأكثر شعبية تمتلك فريقاً كبيراً من المتطوعين المتحمسين الذين يعملون باستمرار لصقل وتحسين المنتج النهائي، وفي الواقع، وتبعاً لجوستين كيستيلين، فإن الحلول التي تقدمها البرامج المملوكة (الخاصة) لم تعد الخيار الافتراضي لمنصات إدارة البيانات.
يضيف كيستيلين بأن منصات إدارة البيانات الناشئة لم تعد مملوكة (خاصة) بعد الآن، وأن معظم الزبائن سيرونها ببساطة على أنها خطرة جداً للتطبيقات الجديدة، فهناك العديد من مزايا الأعمال لاستخدام البرمجيات مفتوحة المصدر.
من بين هذه الأسباب، تبعاً لكيستيلين، توفير هذه المنصات بشكل مجاني وبدون رسوم، مما يسمح للعملاء بتقييم واختبار المنتجات والتقنيات دون أي تكاليف، وحماسة مجتمع المطورين العالمي، والرغبة في العمل في بيئة مفتوحة المصدر بالنسبة للمطورين، والتحرر من "الحصرية".
ولكن مع ذلك فهناك تحفظ واحد بخصوص التحرر من الحصرية، كما يقول كيستيلين، يجب التفكر به قبل استخدام البرمجيات ذات المصدر المفتوح التي تستخدم بنية تصميمية تقدم الدعم التجاري من قبل بائع الواحد، فهذا الأمر يوقض مبدأ البرامج المفتوحة المصدر ككل.
المعنى الحرفي للمصدر المفتوح هو أن شفرة المصدر الخام وراء هذا المشروع تكون متاحة لكل من يريد تفقدها، وفحصها وتحسينها، وهذا يجلب فوائد أمنية كبيرة، فالعيوب التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان البيانات القيمة أو الشخصية عادة ما تكون أكثر عرضة للاكتشاف عندما يكون مئات أو آلاف الأشخاص يفحصون البرمجية في صورتها الخام، في حين أنه في المقابل، وفي عالم التطوير المملوك (الخاص)، لا يكون هناك سوى عدد قليل من الأشخاص الذين يتمحور عملهم في كتابة ومن ثم اختبار التعليمات البرمجية وهؤلاء فقط هم القادرين على رؤية الطبيعة الدقيقة للبرمجيات التي تشكل أساسيات النظام.
البرمجيات مفتوحة المصدر تجعل أيضاً من الصعب على مطوري البرمجيات إخفاء أو تعتيم العمل الذي يقوم به برنامجهم بالضبط أثناء عمله على جهاز الكمبيوتر الخاص بالمستخدم، فقد تزايد وعي المستهلكين أكثر من أي وقت مضى حول أهمية معرفة ما تفعله أجهزة الكمبيوتر ببياناتهم الشخصية "وراء الكواليس"، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الضجة الأخيرة حول ما اعتبره الكثيرون على أنه تطفل مفرط به من قبل الترقية الأخيرة لويندوز من شركة مايكروسوفت.
أصبح الزبائن يعلمون بشكل متزايد بأن استخدام البرمجيات المفتوحة المصدر يمكن أن يمنحهم الثقة بأن البرامج التي يشغلونها تمت دراستها بشكل كبير من قبل مجموعة كبيرة من المطورين غير التابعين لها، وأي شيء يمكن أن يحاول البرنامج القيام به مع البيانات بطريقة ينظر إليها على أنها غير أخلاقية أو خادعة سيتم رصدها ولن تكون مقبولة من جانب مجتمع المصادر المفتوحة، وحتى إذا كان البرنامج مفتوح المصدر الذي تستخدمه ليست من ضمن العديد من الحزم الكبيرة للبرامج مفتوحة المصدر، فمن الناحية النظرية، لا يزال بإمكانك فحص الشفرة المصدرية بنفسك لمعرفة ما تقوم به بالضبط (أو تعين خبير مستقل لمراجعة هذا عنك).
من يستخدم المصادر المفتوحة؟
لا تخطأ بالتفكير بأن البرمجيات المفتوحة المصدر هي برامج هواة فقط لأنها مجانية، فبالإضافة إلى جيوش المتطوعين الذين يعملون على المشاريع في أوقات فراغهم، هناك أعداد كبيرة من المهنيين العاملين الذين يتم دفع رواتب لهم للقيام بذلك أيضاً، وعمالقة التكنولوجيا مثل آي بي إم ومايكروسوفت وجوجل هي الآن من أكبر المساهمين في هذه البرامج، من حيث ساعات العمل، لأكبر المشاريع المفتوحة المصدر مثل Apache Hadoop و Spark.
وعن اشتراك هذه الشركات "على نطاق الإنترنت" في المصادر المفتوحة، أشار سياران داين، وهو نائب رئيس الإنتاج في Talend: "ما يثير الاهتمام هو أن نماذج أعمال الشركات الكبرى لا تعتمد على 'امتلاك' البرنامج، فالحصول على مصادر مفتوحة من البرنامج هو نتاج ثانوي لحاجة تلك الشركات إلى الابتكار لمعالجة فجوة تم تحديدها في السوق، مثل خاصية البحث في جوجل".
يضيف داين بأن المصادر المفتوحة هي جزء من علامات هذه الشركات التجارية، وجزء من الاعتراف الشعبي بها كشركة جيدة للانضمام للركب، وهذا يختلف تماماً عن البائعين، مثل Talend أو Redhat، حيث تم استخدام المصدر المفتوح لنشر التكنولوجيا في السوق بهدف تغيير الوضع القائم المعتمد على بيع الملكيات.
العديد من البيانات الضخمة الرائجة التي ترتبط بمشاريع المصادر المفتوحة بدأت في الواقع كمبادرات منزلية في الشركات التكنولوجية، فعلى سبيل المثال، تم تطوير محرك الاستعلام Presto في الفيسبوك قبل أن يطلق إلى العلن، ويتم اعتمده من قبل، Netflix وAirbnb وغيرهم.
يمكن للبرامج مفتوحة المصدر في كثير من الأحيان أن تكون أكثر مرونة من البرمجيات الاحتكارية أيضاً، لأن التعليمات البرمجية التي يتم قولبتها وتعديلها من قبل الآلاف من المساهمين، تكون في كثير من الأحيان ذات كفاءة عالية، وغالباً ما تكون أقل تطلباً للموارد الحاسوبية والطاقة من البرمجيات الاحتكارية التي تقوم بذات العمل، وهذا يعني أن هناك حاجة أقل للتحديث المستمر للمعدات الحاسوبية ونظم التشغيل من أجل التأكد من أنك ما زلت قادراً على تشغيل البرنامج.
الإنترنت مبني على المصادر المفتوحة، وفي الوقت ذاته، يمكّن الإنترنت البرامج المفتوحة المصدر من تحقيق إمكاناتها من خلال الجمع بين المبرمجين من جميع أنحاء العالم، وتمكينهم من التعاون مع بعضهم البعض، وقد ظهرت صناعات كاملة حول بعض المنتجات مفتوحة المصدر الأكثر شعبية – كما في Hadoop و Spark في خضم حديثنا عن البيانات الضخمة- تهدف إلى مساعدة الشركات على الحصول على أكبر فائدة منها، وهذه الشركات تطرح عادة مبادرة توزعيع للمنتجات مفتوحة المصدر تكون مأجورة، وتأتي لتكون متكيفة مع أسواق محددة، أو مع خدمات استشارية لمساعدة عملائها في الحصول على أكبر فائدة منها.
كل هذا يعني أن المشاركة في المصادر المفتوحة قد أصبح أسهل من أي وقت، وفي كثير من الحالات أصبحت المصادر المفتوحة هي الأساس وليست خياراً بديلاً، وفي العام الماضي وجدت دراسة استقصائية شملت 13,000 مهني في كافة القطاعات أن 78% منهم يعتمدون على التقنية مفتوحة المصدر لتشغيل شركاتهم، وهذا يمثل زيادة بنسبة 100% منذ عام 2010.
المصدر: مترجم
اترك تعليقاً