تحديات شركات الاستشارات (الإدارية خاصة)

الوضع الليلي الوضع المضيء

د. محمود أبو سيف - دار مسارات للاستشارات

مع بداية القرن الماضي تطورت الاستشارات الإدارية، وذلك بتطور نظريات الإدارة وظهر العديد من الاستشاريين الخبراء في هذا المجال، إلا إن هذا المجال على الرغم من أهميته للمستفيدين وربحيته للشركات والأفراد الاستشاريين، إلا إنه يواجه الكثير من المخاطر والتحديات.

بداية دعنا نُفكك المفهوم، فمن هو الاستشاري، وما هي الإدارة؟ حتى يُمكننا فهم تلك التحديات بشكل أعمق

تدور التعاريف التي راجعتها حول إن الاستشاري شخص أو كيان لديه المعرفة والخبرة في مجال محدد، تحتاجه جهة لا تمتلك كليًا أو جزئيًا تلك المعرفة. (فهو إذن وسيط معرفي)

أما الإدارة فحسب دروكر (1981)، فهي ليست علمًا ولا فنًا، وإنما ممارسة يتم تعلمها من خلال الخبرة مع شركات متنوعة، في مجالات متنوعة، وبالتالي فإن المعرفة هنا تتجاوز حدود منظمة واحدة. ولو تجاوزنا ذلك ووضعنا معها المعرفة لكان أفضل، خاصة مع دخول مجال الابتكار في الإدارة، وتزايد النماذج المعتمدة على البحث العلمي.

بضم الفكرتين لبعضهما البعض نجد إن المنظمات التي تحتاج لاستشارات إدارية لديها تحدٍ محدد لا تمتلك من الخبرات ما يؤهلها لحله، فتحتاج لمن يُقدم لها حلًا بخبراته.

وبحسب بحث الاستشارات الإدارية في أسكتلندا ( de Sousa, 2018)، يقسم كاناتو وجيانجريكو (2011) الاستشاريين إلى: 

  1. واضعي معايير standards setters: متخصصون في بناء الأساليب والنماذج والحلول والمعايير، والتي يمكنهم بعد ذلك تقديم المساعدة الكاملة للجهات المستفيدة.
  2. مصادر للمعلومات information sources: يتمتع الاستشاريون بمعرفة وتجربة وخبرة فائقة في مجالات محددة، اكتسبوها من بيئات ومواقف ومشاكل مختلفة.
  3. وسطاء معرفة knowledge brokers: الخبرة المكتسبة من خلال مساعدة العملاء بحلول مختلفة تم تطويرها في مجالات مختلفة تمنح الاستشاري الإداري القدرة على استخدام ونقل المعرفة المفيدة من مشروع إلى آخر.
  4. ناقلي معرفة knowledge integrators: عندما لا يقدمون فقط الاستشارة والتوجيه، ولكن أيضًا يساعدون العملاء على تنفيذ الحلول ودعم عمليات نقل المعرفة.

بعد قراءة هذه المقدمة، دعني أقدم أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الاستشارية، وسيكون تحديدي لها مبني على الخبرة وعلى إنها خبرة عابرة للمؤسسات، وبناء على ذلك يمكن تحديد الآتي:

  1. تحديات مرتبطة بفهم العميل للاستشارة والعلاقة معه: وتنقسم هذه التحديات حسب مراحل العلاقة مع العميل، وقد تبرز التحديات الآتية: 
    1. تحديات تنافسية، وهذه التحديات تكون غالبًا أثناء طرح المنافسة كالغموض في نطاق العمل، والذي قد يكون راجعًا لقلة فهم من الموظف القائم على كتابة نطاق العمل، أو التكاسل عن ذكر كافة التفاصيل المرتبط بالمشكلة المُراد حلها، أو أن تكون جهة أو استشاري خارجي من كتب النطاق دون فهم واضح لطبيعة المشكلة أو التحد الحقيقي للمنظمة، وقد يُقابلك أيضًا بعض الممارسات غير الشفافة أو غير النظيفة، وعليك كاستشاري فهم ذلك والتعايش معه وإيجاد الحلول له.
    1. تحديات التنفيذ، وأهم التحديات هنا مرتبط إما بفجوة الاتصال بين الجهة المالكة أو المستفيدة من المشروع والاستشاري، وهنا غالبًا ما يكون في شكل صراعات سلطوية، أو بطلبات خارج نطاق العمل المُتفق عليه، وهناك أيضًا مشكلات مرتبطة بالفهم المختلف لنطاق العمل بين الاستشاري وإدارة المشروع من الجهة المالكة، حيث إن المفترض إن الاستشاري يمتلك الحلول التي لا تملكها الجهة المالكة، ويتفاجأ بفهم آخر ومحاولات لإجراء وتنفيذ العمل بفهم الجهة المالكة، أيضًا يواجه الاستشاريون تحديات مرتبطة بتغير إدارة المشروع من الجهة المالكة، وهو ما يُسبب تغيرًا في الفكر وضعف في اتساق الرؤى، وهناك تحدٍ شديد الخطورة على الرغم من أهميته الظاهرة، وهو مكاتب إدارة المشاريع، والتي أسميها البيروقراطية الحديثة في الإدارة، حيث إن عدم المرونة في الجدول الزمني لتنفيذ المشروع تؤدي لمشكلات وصراعات قد تؤثر بقوة على جودة العمل، وتعيين موظفين في الجهة المالكة ليس لديهم المعرفة القدرات القيادية باتخاذ القرار الملائم لصالح المشروع على حساب التقيد بجدول زمني محدد أمر في غاية الأهمية، وتحديات كثيرة أخرى ربما نتطرق إليها لاحقًا.
    1. تحديات مرتبطة بغلق المشروع والاستدامة: وهنا التحدي يكمن في بناء انطباعات تحول العميل من ad hocإلى عميل (الجهة المالكة) مستديم، ففي كثير من الأحيان تُسيطر التقييمات المبنية على انطباعات شخصية أو علاقات إنسانية على عدم الرجوع مرة أخرى للاستشاري، أو إن الجهة الاستشارية لم تضع خطة اتصال مستدام أو لم تنقل المعرفة بالشكل الكافي للجهة المستفيدة، وأيضًا تبرز في هذه المرحلة تحديات مرتبطة بتحصيل المقابل المالي للاستشارات والتي قد تسهل فيه الفرص للاستقطاعات.
  • تحديات مرتبطة بالسياق وطبيعة الاستشارات نفسها

الحقيقة التحديات المرتبطة بهذه البعد كبيرة ومتنوعة، فهذا القطاع يتأثر بشدة بالعديد من المتغيرات المحيطة به أكثر من غيره، ونذكر من هذه التحديات الآتي: 

  • عدم اليقين وضعف التنبؤية: يعتمد سوق الاستشارات على احتياجات العملاء من القطاعين الخاص والعام، وهذه الاحتياجات مرتبطة بعوامل كثيرة ومعقدة، منها القدرة الاقتصادية والاستقرار السياسي والاقتصادي والبيئي، فإذا حدث أي تغير في هذه البيئة أثرت بقوة على هذا السوق. 
    • التغير المفاجئ في الاحتياجات، قد تطرأ سياسات أو مستجدات تقنية أو تنظيمية على المستويات المحلية والعالمية، والتي تتطلب تكيفًا سريعًا من المؤسسات الاستشارية.
    • التنوع الكبير في الخدمات الاستشاريةهذا الأمر مُربك للمؤسسات الاستشارية، ويضعها في حالة بحث مستمر عن المعرفة، وعن الكوادر التي تستطيع أن تُلبي تلك الفجوات المعرفية وتفهمها.
  • تحديات مرتبطة بالتنافسية: والتنافسية هنا مرتبطة بزيادة عدد الشركات الاستشارية في الأسواق العالمية والمحلية، إضافة إلى عدم التجانس بين تلك الشركات، إضافة للتطور السريع والمذهل في نماذج الأعمال التي يُقدمها المتنافسون.
  • تحديات مرتبطة بالكيانات الاستشارية نفسها وتنظيمها، وهذه التحديات متنوعة، منها على سبيل المثال: 
    • 4.1.  التآكل المالي: سميته بذلك؛ لإن سوق الاستشارات سوق صعب التنبؤ به، ويصعب معه اليقين ووضع الخطط الاستراتيجية والمستهدفات التي تُحافظ على مستوى محدد من الربحية، فالمؤسسات الاستشارية تتعرض لمخاطر كبيرة ومخاطر وجودية، قد تضطرها للإغلاق نتيجة التعرض لأزمات سياسية أو بيئية أو غيرها، أو تنافسية السوق وسوء الأحوال الاقتصادية، وفي المقابل لديها التزامات مالية داخلية.
    • الشكل التنظيمي لمؤسسات الاستشارات الإدارية، فمع المنافسة الكبيرة ظلت الكثير من المؤسسات على حالها دون اللجوء لبدائل تساعدهم مع المنافسة في هذا السوق شديد التعقيد، فمثلًا تغفل بعض المؤسسات التسويق سواء بالمحتوى عبر قنواتها المتعددة (خاصة شبكات التواصل الاجتماعي) أو من خلال إيجاد قنوات اتصال تستطيع من خلالها الوصول للعميل (المؤسسات المستفيدة) وإقناعه بقدرات مؤسسته، كما أغفلت الكثير من المؤسسات الاستعانة بخبراتها الخاصة (خبرات مستشاريها) في تطوير عملياتها هي (وكأن باب النجار مخلع، مثل مصري).
    • توظيف البحث العلمي في التطوير: قد تجد العديد من الاستشاريين أثناء تقديمهم لعروض تنافسية يستعينون فقط بما لديهم من خبرات مكتسبة من العمل في شركات متنوعة، متغافلين عن البحث عن المستجدات التي قد تُبهر العميل.
    • تحديات مرتبطة بالعلاقة مع استشارييها: وهذا التحدي يقابل بشكل خاص الشركات المتعاقدة مع استشاريين بشكل جزئي (Freelancers)، فهم على الرغم من أهميتهم سواء على المستوى الربحي، إلا إن المخاطر المرتبطة بهم كثيرة، فقد يترك العمل لارتباطات أخرى (خاصة العقود الأكبر مع جهات أخرى)، أو حدوث اختلافات مع الجهة المالكة (وقد لا يتحلى الاستشاري بالاعتمادية)، وغيرها من التحديات.
    • تحديات مرتبطة بتسعير الخدمات، حيث إن الكثير من الشركات والاستشاريين من أجل المنافسة يضعون أسعارًا لا تتناسب مع الخدمات والتي قد تُخل بالمُنتج أو الخدمة، مما يُضر بسمعة سوق الاستشارات، ويخل بالابتكار الاستشاري.