هذا هو الوقت المناسب لبناء شركة ناشئة، لماذا؟

الوضع الليلي الوضع المضيء

يعتبر الكثيرون وباء كوفيد ١٩ والذي اجتاح العالم منذ شهر أبريل الماضي، واحداً من أخطر الكوارث التي واجهتها البشرية منذ بداية القرن الحالي بعد إصابة مليون ونصف إنسان بهذا الفيروس، وتسجيل ١٠٠ ألف حالة وفاة، وتعطيل الحركة السكانية والتجارية في ثلث مناطق العالم، ومرور الاقتصاد العالمي بواحدة من أسوأ أزماته. بالنظر إلى كل هذه المآسي وأكثر، قد يعتقد البعض أن الفترة الراهنة لا تعتبر توقيتاً سليماً للبدء بأية مشاريع، إلا أنني أعتقد أنه لن يكون أمامنا فرصة أخرى نحظى فيها بتوقيت أكثر مثالية من هذه الفترة التي نمر بها من أجل البدء بشركة ناشئة أو أي مشروع كنتم تؤجلون البدء به.

من المعروف أنّ المجتمعات البشرية تعمل وفقاً لمجموعة من القوانين الاجتماعية والسياسية التي تتحول مع مرور الزمن إلى عادات وروتينية لا يمكن التشكيك في دورها في تسهيل حياة الأفراد والمجتمع ككل، مثل أن تكون المدرسة هي المكان الذي يحصل فيه الأطفال على تعليمهم، أو أن المستشفى هوالمكان الذي يحصل فيه المرضى على الرعاية الطبية التي يحتاجونها، إلى ما هنالك من قوانين وأنشطة تحولت بفضل التقدم البشري في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها إلى معايير يسير عليها المجتمع دون تشكيك. إلا أنّه من المعروف أيضاً أنّ الأزمات الخارجة عن العادة قد تجبر المجتمعات والأفراد على تغيير أنماط حياتهم، والتنازل عن الامتيازات التي صنعوها لتيسير شؤونهم، بل وقد تجعلهم يشكّكون في حتمية هذه الأنماط ويعيدون التفكير في صياغتها. كما نرى الآن فقد أصبحت السلطات مجبرة على التراخي في تنفيذ بعض القوانين والتعامل بصورة مختلفة مع الشعب، كما نرى الأفراد قد بدأوا يعيدون النظر في المعايير التي كانوا يسيرون عليها دون التفكير مرتين، أو يتّبعون أنماطاً حياتية مختلفة لم يخطر في بالهم مسبقاً أنها ستكون واقعهم الجديد بين ليلة وضحاها.

على حين غرّة، أعاد لنا كوفيد ١٩ واحداً من أهم السمات البشرية التي ميزتنا عن باقي المخلوقات، وهي ميزة التحدي والمنافسة. يتيح لنا تحدّي المرحلة التي تمرّ بها البشرية الآن فرصة مثالية لمواجهة أنفسنا والاعتراف بعجز الأنماط الحياتية الماضية عن الخروج بنا من هذه الأزمة سالمين، مما يعني أنّه يجب علينا التفكير خارج الصندوق وابتكار أنماط عمل جديدة وجريئة ومنظمة لخلق عالم جديد من فرص العمل المرنة القادرة على التكيف في ظل الظروف الحالية.

منذ زمن ليس ببعيد، وتحديداً في عام ٢٠٠٨ شهد العالم أزمة مالية كارثية كادت أن تودي بالكثير من القطاعات الاقتصادية، إلا أننا استفدنا منها الكثير من الدروس، مثل: كشف حقيقة الأمان الوظيفي والملكية الفردية. فقد ظهر على خلفية هذه الأزمة نمطاً جديداً للعمل قائم على الملكية المشتركة والاستخدام المشترك للممتلكات مما أدى إلى ظهور شركات جديدة على الساحة الاقتصادية مثل إير بي أند بي و أوبر، ناهيك عن مئات الشركات الناشئة التي بدأت بتوفير فرص عمل للموظفين المهرة الذين كان قد خسر الكثيرون منهم وظائفهم بسبب الأزمة. إنّ الهدف من هذا التوصيف ليس الادّعاء بأن الشركات الناجحة هي فقط وليدة الأزمات، لأن الشركات الناجحة لا تتوقف أبداً عن اتباع هذه الوصفة العملية الكامنة في تحدّي الافتراضات الاجتماعية النمطية طوال مراحل تطوير خدماتها، وهذا ما نريد التنويه إليه هنا، أن الأزمة الراهنة تفرض علينا تحدي الفرضيات التي كنّا نسير عليها وابتكار معايير وفرضيات جديدة وخلّاقة تناسب المرحلة

فيما يلي سوف نبحث في السؤال الذي يجب أن نبدأ بطرحه على أنفسنا:
ما هي الافتراضات التي تقودنا هذه المرحلة نحو تحدّيها وتغييرها، وما هي الفرص الجديدة التي سوف تتيحها التغيرات القادمة أمام الرياديين والمبتكرين؟

1- توفير الرعاية الطبية لن يظل حكراً على المستشفيات

منذ بدء الجائحة اتضح الدور البارز الذي لعبته المراكز الطبية المتنقلة والعيادات الصغيرة في مواجهة الأزمة، فقد تم توفير خدمات الإسعاف الأولي واختبارات كوفيد ١٩ في العديد من القرى والمدن من خلال العيادات المجتمعية لتجنب إرهاق المستشفيات بالأعداد الكبيرة من المراجعين، وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحها لكونها منعت ازدحام المستشفيات وبالتالي منعت انتشار العدوى. وبعد أن أصبحت العيادات المجتمعية واحدة من العوامل التي أسهمت في تدعيم الأنظمة الصحية لبعض الدول، أعلنت الصين عن زيادة الدعم الحكومي لبناء المزيد من هذه العيادات وتزويدها بما يلزم من المعدّات حتى تسند النظام الصحي في حال مرور البلاد بأزمات مشابهة. وعلى الرغم من أهمية هذا التغير الوظيفي للمراكز الطبية إلا أنه يفرض تحدّيات ينبغي على الرياديين مواجهتها، مثل: كيف يمكن تمكين التواصل بين الأطباء لمشاركة الابتكارات الطبية؟ ماهي كيفية خلق شبكات فرعية وتفعيل المصادر المشتركة بينها للحفاظ على مقاييس الاقتصاد؟ وهل يمكن تدريب ودعم الطواقم الطبية بحيث تصبح على ارتباط وثيق مع المجتمعات التي تخدمها بدلاً من تركيز انتمائها للمؤسسات الطبية؟

2- الطب عن بعد أصبح واقعاً لا مفر منه

على الرغم من وجود تقنية المداواة عن بعد منذ زمن إلا أنها لم تكن رائجة لعدة أسباب منها:
أهمية التواصل المباشر بين الطبيب والمريض لتسريع عملية الشفاء، بطء عملية تعويض تكاليف العلاج، قلة الخبرة التقنية لدى أعضاء الطواقم الطبية، بالإضافة إلى أهمية الاختبارات اليدوية التي يجريها الطبيب لتحديد عوارض المرض. إلا أن جائحة كورونا أسهمت في وضع كل هذه العوامل جانباً نظراً لحتمية التباعد لمنع انتقال العدوى مما أدّى إلى ارتفاع نسبة مستخدمي تقنية المداواة عن بعد من٥٪ إلى حوالي ٤٠٪ منذ بدء الأزمة، الأمر الذي يتيح الفرصة المثالية لتطوير مئات المواقع التي يمكنها توفير الخدمات الطبية عن بعد، مثل: أنظمة تشخيص قليلة التكلفة وسريعة، تقنيات واقع افتراضي تساعد المريض على الشعور بالفحص الطبي اليدوي وكأنه يحدث بالفعل، أنظمة إعادة توجيه منصات المداواة عن بعد في حال ارتفاع عدد المستخدمين، تطوير منصات مداواة عن بعد متخصصة لمرضى السكري أو للمرضى النفسيين مثلاً بدلاً من المنصات العامة فقط المتاحة حالياً.

3- قد تفقد شهادة الدكتوراة الجامعية أهميتها في مجال الرعاية الطبية

لاحظنا في السنوات القليلة الماضية تراجع أهمية الكثير من الدرجات الجامعية في بعض مجالات العمل التقني مثل تطوير البرمجيات، إلا أنها لا زالت تحتفظ بمكانتها في مجالات العمل التي تحتاج إلى شهادة لمزاولة المهنة والتي كان المجال الطبي أحدها، إلا أن الضغط الذي شهده هذا المجال في السنوات الأخيرة جعل الكثير من الجامعات تسارع في عمليات تخريج الأطباء وإطلاقهم إلى ساحة العمل لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات الطبية، كما شهدنا ظهور العديد من التدريبات الافتراضية التي يلتحق بها الأطباء والممرضين لتطوير مهاراتهم، بالإضافة إلى العمليات الجراحية التي تم السماح بتنفيذها عن بعد تحت مراقبة أطباء مشرفين، وهي تسهيلات لم تكن مشهودة من قبل، إلا أن الضرورات تبيح المحظورات، فكان على المجال الطبي مواكبة التطورات المتسارعة ليتمكن من الاستجابة الضغط المتزايد على النظام الصحي. وفي ظل الظرف الراهن قد يفكر بعض الرياديين بتطبيقات افتراضية قد تسهم في تطوير مهارات الطواقم الطبية أو برمجيات قد تمكّن من إجراء العمليات الجراحية عن بعد.

4- إيجاد حلول لمعضلة التعارض بين بيانات الخصوصية للمرضى والشفافية المتوقعة من النظام الصحي

منذ بدء الجائحة ونحن أمام تحدٍ مستمر للفرضية التي تؤكد على انعدام الشفافية في النظام الصحي في حال الحاجة إلى بيانات المرضى، وذلك من خلال النجاح الذي أثبتته دول مثل كوريا الجنوبية التي استخدمت مزيجاً من بيانات كاميرات المراقبة وبطاقات الائتمان لتعقب المستخدمين المشكوك بإصابتهم بالعدوى، كما اتّبعت بعض الدول طريقة الكشف عن الحمى من خلال أجهزة متنقلة يحملها أفراد الطواقم الطبية عند نقاط تفتيش تم نصبها خصيصاً لتعقب المرضى، وهي وسيلة كانت تعتبر واحدة من طرق الفحص الطبي الخاصة المرتبطة ببيانات الخصوصية والتي كانت المراكز الطبية ترفض الإفصاح عنها للعامة قبل انتشار كوفيد ١٩، السؤال الذي يطرحه الكثيرون من المعنيين في مجال الخصوصية هنا: هل ستستمر الحكومات في خرق بنود الخصوصية وتجميع بيانات المرضى في الأماكن العامة؟ وهل ستستمر بعض الدول في نصب نقاط تفتيش طبية لمراقبة المواطنين وكشف المصابين بالعدوى في حال عدم إيجاد لقاح ضد الفيروس خلال الـ ١٨ أشهر القادمة؟ مما يوصلنا إلى تساؤل حول ما يمكن للرياديين القيام به لحماية خصوصية المرضى وتوفير البيانات اللازمة للنظام الصحي في نفس الوقت، فهل يمكن إيجاد طرق تسمح للمواطنين بالاحتفاظ ببياناتهم ومشاركتها مع الجهات المسؤولة فقط دون خرق بنود الخصوصية؟ وكيف يمكن ضمان حماية هذه البيانات في حال لم يتم إيجاد حل وسط بين الحاجة إلى هذه البيانات لخدمة الصالح العام وحماية خصوصية المستخدمين؟

5- ستركز الشركات جهودها على تطوير شبكات متنوعة من سلاسل الامداد

خلال العقود الماضية كانت الشركات تركز على تطوير مصدر متفرد للعرض مقابل الطلب وتخصيص الشبكات المتسلسلة التي تقدم خدماتها  بهدف تقليل التكاليف، إلا أن حالة الإغلاق العامة التي فرضها كوفيد ١٩ قد كلفت هذ الشركات الكثير واضطر البعض منها إلى الإغلاق نظراً لعجز العرض عن الاستجابة للطلب، كما أن سياسات الاستيراد الوطنية قد فشلت في اللجوء إلى أماكن التصنيع الخارجية، مما قد يعني ازدياد الاستثمار في سلاسل الامداد المتنوعة على امتداد الكثير من الصناعات، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهما: ما الذي سيحدث لسياسة الأسعار وشفافيتها وتوقعات الطلب والرقابة الفعلية على عمليات شحن البضائع التي تتم عبر الواقع الافتراضي؟

6- العمل من المنزل وإجراء المؤتمرات عبر الإنترنت سوف يصبح أمراً معتاداً

منذ  بدء الجائحة ارتفعت قيمة أسهم تطبيق زووم من ٧٠ دولار للسهم إلى ١٦٠ دولار، كما أن الاعتماد المتزايد على هذا التطبيق لتنفيذ الكثير من لقاءات العمل عن بعد قد دفع الكثيرين إلى الأخذ بعين الاعتبار مدى فعالية هذه الوسيلة في خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية في مجال الأعمال التي يمكن تأديتها من المنزل، مما شجّع الكثير من الأعمال التي تعتمد في تعاملاتها على السيولة المالية إلى التفكير بطرق مبتكرة لمتابعة أعمالها من خلال شبكة الإنترنت وعن بعد بهدف الاستمرار في الإنتاج بأقل التكاليف والتي كان يتم صرفها على استئجار المكاتب ورحلات الطيران لإجراء المؤتمرات. من الجدير بالاهتمام أن أغلب الشركات التي سيطرت على مجال الأعمال خلال العقود الماضية هي شركات تقنية، الأمر الذي يسهّل عليها تحويل عملها إلى منازل الموظفين وتطوير تدريبات وتطبيقات تساعدها على متابعة تقديم خدماتها بفعالية عبر الإنترنت.

7- العمل من المنزل قد يشمل أيضاً الرقابة وتوفير الخدمات عن بعد

قد يكون المجال التقني الأقل عرضة لأي تأثيرات سلبية نتيجة للإغلاق العام الذي فرضه كوفيد ١٩ وذلك لأن طبيعة العمل كانت بالأصل عن بعد نظراً لعدم الحاجة إلى التواجد المكاني للموظفين في المكاتب، إلا أن هناك مجالات عمل أخرى تتطلب الوجود الفعلي للموظفين لأهداف الرقابة، لكن نظراً للضرورة التي يفرضها الواقع الحالي أصبح لزاماً التفكير في الوسائل التي يمكن من خلالها توفير البنية التحتية اللازمة لهذه الأعمال حتى يصبح بالإمكان تنفيذها من المنزل، على سبيل المثال هل يمكن الاعتماد على الطائرات بدون طيار في تنفيذ مهمة الرقابة عن بعد في مجالات عمل الشرطة أو مواقع البناء أو المصانع؟ هل يمكن تحويل مراكز اتصال الطوارئ لتصبح افتراضية؟ وهل يمكن توصيل الخدمات أو حل المشكلات التقنية جميعها عن بعد؟

8- سوف يشهد التعليم الابتدائي ارتفاعاً في مستوى انخراط الأهالي في تعليم أبنائهم

نتيجة لإغلاق المدراس وحضانات الأطفال بسبب جائحة كورونا، يمكننا ملاحظة زيادة المسؤوليات التربوية على الأهل خاصة الذين اعتادوا العمل خارج المنزل والذي أجبرهم الظرف الراهن على البقاء والعمل في منازلهم، الأمر الذي جعل الكثير من الأهالي يعيدون التفكير في دورهم التعليمي في حياة أبنائهم الدراسية والذي كان ضئيلاً نتيجة وجود أطراف أخرى تحمل مسؤولية هذا الجانب مثل المدارس ورياض الأطفال. وقد بدأ الكثير من الأهالي الذين أخذوا على أنفسهم هذه المسؤولية منذ بدء الأزمة بمشاركة التغيرات التي حدثت في حياتهم العائلية نتيجة إغلاق المراكز التعليمية، حيث اعتبر البعض هذه الفترة العصيبة فرصة للابتكار وتطوير خطط تعليمية وأنشطة ترفيهية وتربوية منزلية بالإضافة إلى قدرتهم على متابعة نتائج عملهم مباشرة وتوفير تغذية راجعة لأنفسهم وأبنائهم لمساعدتهم في تحسين مهمة التعليم المنزلي. يبقى السؤال، هل سيستمر هذا النمط إلى ما بعد انتهاء الجائحة؟ قد تختلف الإجابة من عائلة إلى أخرى، إلا أن الأرجح أن معدّل تركيز المسؤولية على المراكز التعليمية سوف ينخفض، حيث سيكتشف الكثير من الأهالي خاصة أولئك الذين سيتمكنون من متابعة عملهم من المنزل، الفوائد الجمّة التي سيحققها أسلوب التعليم المنزلي ومتابعة الأهل وتدخلهم المباشر في عملية تعليم أبنائهم، مما قد يشجّعهم على الاستمرار إلى ما بعد انتهاء الجائحة. في هذه الحالة على الرياديين التفكير فيما يلي: ما هي المنتجات التعليمية التي يمكن تطويرها لتتناسب مع التعليم المنزلي والتي يمكن أن تكون موجهة أكثر لتطوير مهارات الأهل في التعليم؟ وإلى جانب التعليم ما هي المنتجات الأخرى التي يمكن تطويرها لمساعدة الأهل في التواصل مع أبنائهم من خلال الأنشطة الترفيهية والقراءة وغيرها من الفعاليات الجانبية؟

9- جميع المراحل التعليمية حتى الثانوية قد تنتقل من المدراس إلى البيوت على الأقل جزئياً

قد تكون هذه القضية الأكثر جدلية من بين القضايا المطروحة لأن المدراس لا تعتبر مراكز تعليمية فقط بل هي مراكز تشكّل مصدراً للرعاية والدعم والتوجيه لكل من الطلاب والأهالي. كما قد يصعب تحقيق هذه الخطوة نظراً لاختلاف مستويات الدخل الاقتصادي للأهالي، حيث أنّ انتقال التعليم إلى المنزل يعني المزيد من التكاليف وهذا قد لا يتناسب مع الأسر ذوي الدخل المحدود. كما ينبغي ألا ننسى العائلات التي لا تقدم الدعم المعنوي لأبنائها ولا تهتم كثيراً بتعليمهم، فقد تكون هذه الفرصة المثالية كي يحرموهم من حقّهم في التعليم. ولكن على الرغم من التعقيدات المرتبطة بهذا الجانب إلا أنّنا سوف نرى تزايداً حتميّاً في الاعتماد على تقنيات التعليم عن بعد في المدراس الخاصة والمنازل التي سوف تختار التعليم المنزلي لأبنائها، وقد رأينا ما يتم تطويره من برمجيات تساعد الأهالي على إعداد غرف صفية افتراضية في بيوتهم، فهل يمكن تطويرها لتصبح شبكة افتراضية تسمح للمعلمين بمتابعة ما يتم إنجازه في هذه الحصص عن بعد وتقديم التغذية الراجعة للأهل والطلاب؟ أو تطوير تطبيقات تسمح للمعلمين بمراقبة الطلاب أثناء الامتحانات لمنع الغش أو تسمح للطلاب بالمشاركة في الوقت الفعلي من خلال تقنية الواقع الافتراضي عبر خلق شخصية افتراضية تمثّلهم في غرفة الصف المشتركة عبر الإنترنت؟

10- سوف تشهد السنوات القادمة ارتفاعاً في أعداد حفلات الزفاف

نظراً لتأجيل جميع حفلات الزفاف للعام ٢٠٢٠ وزيادة أعداد الأفراد الذين يواجهون شبح الشعور بالوحدة نتيجة الحجر الصحي، قد نشهد خلال الأعوام القادمة ارتفاعاً في أعداد المقبلين على الزواج مما يعني حتمية ظهور دور جديد للشركات الناشئة في مجال تنظيم حفلات الزفاف حيث يجب توفير شركات لمواجهة الطلب المرتفع المتعلق بخدمات الزواج وحفلات الزفاف.

11- كما سنشهد ارتفاعاً في معدّلات المواليد

شهدت البشرية عبر مراحل تاريخها الطويل ارتفاعاً في أعداد المواليد بعد كل أزمة، سواء حروب أو مجاعات أو كوارث طبيعية، لذا من المحتم حدوث ارتفاع كبير في الطلب على المنتجات والخدمات المتعلقة بمرحلة الحمل والولادة بالإضافة إلى منتجات الأطفال.

12- سوف يصبح السفر أكثر صعوبة من السابق

بعد الحادي عشر من سبتمبر تغيرت الكثير من الإجراءات المرتبطة بالسفر مما دفع الكثير من شركات الأمن والرقابة لتطوير منتجاتها لكي توفر خدمات أمنية ذات معايير عالية الجودة لصالح الجهات الأمنية الرسمية، وفي ظل هذه الأزمة يظهر السؤال مجدداً، كيف ستتغير إجراءات السفر بعد انتهاء الجائحة خاصة في حال عدم اكتشاف لقاح للوقاية من الفيروس؟ من المتوقع أن تصبح الفحوص الطبية في المطارات روتينية كالفحوص الأمنية، كما قد يتم زيادة الإجراءات الوقائية مثل التعقيم المستمر والإلزامي لمنع انتشار العدوى، وقد تشهد شركات تأمين السفر إقبالاً غير مسبوق نظراّ لرغبة المسافرين بتحقيق أقصى درجات الحماية لأنفسهم أثناء سفرهم.13-

13- ازدياد التركيز على الاستدامة البيئية لحماية كوكبنا الأم

لقد رأينا بأم أعيننا التغيرات البيئية الإيجابية منذ انتشار كورونا، من صور الأقمار الصناعية للأجواء النقية من التلوث الهوائي في الصين إلى عودة الحياة الطبيعية إلى الكثير من المدن التي كانت مكتظة بوسائل النقل والبشر. مما يجعلنا ننظر إلى حالة الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا بطريقة مختلفة، فقد يكون هذا الفيروس فرصتنا الوحيدة لإعادة التفكير بما فعلناه بكوكبنا الأم حتى وصل إلى مراحل كارثية قبل بضعة شهور، حيث أدى تراجع النشاط البشري والصناعي خلال بضعة أسابيع فقط إلى استعادة الأرض لعافيتها، الأمر الذي يجب أن يوقظنا من غفلتنا ويجبرنا على التفكير بالطرق التي يمكنها وقف أنشطتنا التدميرية بعد انحسار الجائحة. هذا يعني زيادة الطلب على الخدمات المستدامة مثل الأغذية العضوية والملابس المصنوعة من مواد طبيعية بالإضافة إلى وضع الشركات والمصانع أمام مسؤولياتها الضريبية لخفض تأثير بصمتها الكربونية على الكوكب. وقد تم بالفعل تطوير أجهزة لتعقب البصمة الكربونية في البيوت وهي تشبه أجهزة قياس درجات التلوث في المياه، كما يتم تطوير شريط رمزي عالمي لتحقيق الشفافية في مجال عمل سلاسل الامداد، وتطوير تقنيات لتسهيل عمليات إعادة التدوير.

14- عودة الاهتمام إلى مجال الصحة الشخصية

لقد شهدنا منذ بدء الأزمة إقبال الناس على شراء الفيتامينات والتسجيل في التطبيقات الصحية مثل تطبيقات اليوجا والتأمل أو دروس اللياقة البدنية، ونظراً للدور الذي لعبته هذه الأمور في تحسين الصحة النفسية والجسدية للأفراد أثناء فترات العزل الصحي فقد اتضح للكثيرين أهميتها ومن المرجح متابعتهم لاستخدامها بعد انتهاء الأزمة، الأمر الذي قد يشجّع الشركات الناشئة للتركيز على تطوير خدمات في مجال الصحة البدنية مثل تدريبات اللياقة ووصفات الغذاء الصحية وخطط التأمل المتخصصة وجلسات العلاج النفسي الافتراضية وغيرها من الاحتياجات الصحية التي يجب التفكير بطرق مبتكرة لتحقيقها.

15- كل شيء سيتم بيعه عبر الإنترنت خاصة لكبار السن

رغم عدم وجود إحصائيات مثبتة إلا أن الكثير من مواقع الشراء أشارت إلى ظاهرة جديدة، وهي لجوء كبار السن إلى الشراء عبر الإنترنت، وهي عادة لم يكونوا يمارسونها من قبل نظراً لضعف معرفتهم بالأجهزة الحديثة، إلا أن عزلهم الإجباري في بيوتهم دفعهم إلى تعلّم كيفية استخدام هذه الأجهزة وتطبيقات الشراء عبر الإنترنت لتوفير احتياجاتهم. إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود جيل كامل من الكبار بالعمر الذين يحتاجون بالفعل إلى خدمات التوصيل إلى المنازل فقد يؤدّي هذا إلى ارتفاع الطلب على مواقع الشراء والتوصيل عبر الإنترنت بالإضافة إلى تطوير برمجيات لتعليمهم كيفية استخدام الأجهزة الذكية ومواقع الشراء الافتراضية، كما قد تشجّع هذه الظاهرة بعض الرياديين على إعادة تصميم وتطوير تجربة التسوق عبر الإنترنت وتخصيصها لتناسب هذه الفئة العمرية من المستفيدين.

16- سنشهد ظاهرة الاسواق الرابحة والأسواق الخاسرة بعد انحسار كوفيد ١٩

أثناء تخطيطكم لشركتكم الناشئة ندعوكم للتفكير بتبعات الاقتصاد العالمي على المستوى الفردي المتعلق بالمستهلكين أو الجماعي المرتبط بالمواقع الجغرافية. أثناء مرحلة تحديد الأفكار والأولويات عليكم التفكير بالمستثمرين والمستهلكين، من سيقوم بدفع الأموال للحصول على خدماتكم ولماذا؟ فمن المعروف أن الشركات الناشئة التي تقدّم تطوراً في الإنتاجية والكفاءة هي الشركات التي تحظى باهتمام الشركات الكبرى التي تحرص على اقتنائها، أما الشركات الناشئة التي تركز جهودها على توفير الرفاهية مباشرة للمستهلكين لن تكون قادرة على جذب الاستثمار إذا استمر الاقتصاد بالتراجع. أما جغرافياً فهناك مناطق من العالم ستكون أكثر عرضة من غيرها للتدهور والتراجع في قيمة أسواقها مثل السوق الأوروبي والأمريكي بينما لن تتأثر الأسواق الآسيوية بنفس الدرجة، لذا ننصح كل من يفكّر بتأسيس شركته الناشئة قريباً بالتفكير في هذين العاملين اللذين سيتأثران حتمياً بالظروف التي فرضها فيروس كوفيد ١٩ على العالم.

المصدر: Medium

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *